سطور من كتاب ( نقاشات وردود ) للكـــاتب المصــرى
محمد فريد وجـــدى .
-------------------------------------------
نعرف أن أصحاب النبى قد وفّــــوا ، وهم يؤسسون الإمبراطورية الإسلامية بجميع ما وعدوا به العالم من المســــاواة والعدل والرحمة . وبأنهم رفعوا شأن كل أمة افتتحوا بلادها درجاتٍ عما كان عليه . وأنهم تأثموا عن ارتكاب مثلما ارتكبته الأمم الفاتحة التى سبقتهم من إذلال المقهورين وسلب أموالهم ، واضطهادهم ليدخلوهم فى ملتهم .
وأحسن ما نقدمه للقراء دليلا على كل ما قلناه شهادة عالم من أشهر علماء أوربا هو الذكتور جوستاف لوبون . قال فى كتابه ( حضارة العرب ) : كان يمكن أن تُعمى فتوح العرب الأولى أبصارهم ، فيقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة . ويسيئوا معاملة المغلوبين . ويقهروهم على اعتناق دينهم الذى كانوا يرغبون فى نشره فى أنحاء العالم . ولو فعلوا ذلك لتألبت عليهم جميع الأمم التى كانت بعد ، غير خاضعـــة لهــــم ، ولأصابهم مثل ما أصاب الصليبيين عندما دخلوا بلاد ســـــورية مؤخــــرا . ولكن الخلفاء السابقين الذين كان عندهم من العبقـــرية ما ندر وجوده فى دعـــاة الديانات الجديدة أدركـــوا أن النظـــم والأديان ليســــت ممــا يفرض قســــــرا . فعاملوا أهل ســــورية ومصـــــر وإســـــبانيا وكل قطــــر استولوا عليه بلطــــف عظـــــيم . تاركين لهم قوانينهم ونظــــمهم ومعتقـــــداتهم ، غير فارضـــــين عليهم ســــوى جــــــزية زهــــــيدة - في مقـــابل حمايتهم لهم وحفظ الأمن بينهــــم . والحـــق أن الأمم لم تعرف فاتحـــــين راحمــــــين متســـــامحين مثل العرب .
---------------------------------------------
نفائس الفكر الإسلامي

نهــــــر الوعى
كتب د. مصطفي محمود
ما أرانى وجدت نفسى مرة أهفو إلى العودة إلى صبوة ، أو أرغب فى استعادة لذة ، أو أهدهد حنينا إلى أن يكر بى العمر راجعا ليقف عند متعة عزيزة .
ذلك ما أرانى قد شعرت به أبدا .
ربما لإحساس شديد الوضوح بأن نهر الوعى يضيق كلما رجعت إلى الوراء مع صبوات العمر . يضيق بلذته كما يضيق بآلامه . وأن الوعى دائما إلى اتساع ، والرؤية إلى اتساع ، والعقل إلى نضج ، والشخصية إلى تكامل كلما تقدم العمر .
ولهذا لا أحب أن أعود إلى نقص مهما حمل إليّ هذا النقص وعودا باللذة . فإنى لا أراها اﻵن على البعد لذة .
بل أراها مرضا وحماقة ، وأرى القيم الظاهرية لتلك البورصة الدنيوية تنتكس فى وجدانى وكأنما تقوم قيامتى الخافضة الرافعة من اﻵن .
فتنقلب المدلولات . فإذا باللذة ألمٌ، وإذا باﻷلم لذة .
وتلك صحوة لا أساوم بها على أي متاع .
وإذا كان فى العمر لحظات أعتز بها فعلا . فهى لحظات الصحو أمثال تلك اللحظة . حينما تتراءى الحقيقة من خلف سراب الوهم وتلامس الروح السر من وراء لثام الواقع ، فأرى النفوس على ما هى عليه حقا وليس كما تصفها بورصة الواقع بأسعارها الخادعة .
وهى دائما لحظات تشملها الرجفة والرهبة والخوف من أن ينكشف جوهرى أنا اﻵخر فى الختام على ما لا يرضينى . وأن أكون من أصحاب المعادن الدنيا . التى هى حطب النار .
وذلك هو الغيب المخيف في أمر الخواتيم التي لا يعلمها إلا الله !
</B></I>