" وقـدّر فيها أقــواتها " ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ ) خلق السماوات والأرض اســتغرق ســتة أيام . هل تدرى كم مجـــرة فى السماوات ؟ وكم من الكواكـــب والنجـــوم ؟ وهل تدرى أن الأرض اشــتركت معها فى يومين من الأيام الســـتة ؟ وأن الأرض وإلقاء رواسيها والمباركة فيها وتقدير أقواتها اشـــتركت معها فى أربعة أيام من الأيام الســـتة ؟ من هذه الآية الكريمة يتضح عظم شــأن خلق الأرض وتهيئتها لمن سيعيشــون عليها من كائنات حية . إذ أن خلقها وتهيئتها تشارك السموات جميعها فى ثلثى الزمن لخلق الكـــون . هل طاف بخاطـــرك يوما معنى ( وقدر فيها أقواتها ) ؟ معنى ذلك اعتبار ما سيقتات به كل كائنٍ حى منذ لحظة وجوده وحتى لحظة موته . ليس الإنسان فحســب ، بل كل كائن حى . وهنالك من الكائنات الحية ما عاش نوعه ملايين السنين وما يزال يعيش . وما سيقتات به ذلك الكائنٍ الحى اليوم تم تدبيره فى الآية " وقدر فيها أقواتها " إذ أن الآية تقول ( ســـواءً للسائلين ) ، أى لكل كائنٍ حى . ----------------------------------------------------------------- من الموسوعة الأدبية الأصدقــــاء .. والأعــــداء مما يذكـــر لأحـــد الســاســـة فى العصر الحديث قوله : " اللهـــم احمـــنى من شــــر أصــــدقائى ، أما أعــدائى فأنا كــــفيل بهـــم !" وقد كان هذا المعنى مما خطـــر لأســـــلافنا العـــرب ، ففى كتاب { الصــــــداقة }للفيلســـــوف مســـــــكويه - قبل نحو ألـف من الســـــــنين - ما يأتى : كان بعض الســـلف يقول " اللهــــم احفظــــــنى من أصـــــــدقائى !" فســــؤل فى ذلك فأجـــــاب : " إنى أحفــــظ نفســــى من أعــــدائى !" وقــــريب من هــذا ما يُروى من الشــــعر القـــــديم : احـــــــذر عـــدوكـــ مــــرة - واحـذر صـــــديقك ألــــف مرة فلربمـــــا انقـــــلب الصـــــديق - فكــــان أعلــــــم بالمضــــــرة وهــكذا تتوارد الخواطــــــر بين الماضــــى والحاضــــــر . -------------------------------------------------- التطــــــور على الأرض الكائنات الحية لم تُخلــــق عبثا . بل خُلــــــقت لحفــــــظ التوازن فى الطـــــبيعة . عندما يعثر الحفارون أو الباحثون فى طبقــــات الأرض على هــــــيكلٍ عظـــــــمىٍ لحيوان أو طــــائر أو أى كائن حى غريب تذهب بهـــــم الظــــنون إلى أن هذا الكائن كان طـــــورا من أطـــــوار الكائن فـــــلان قبل ملــــيون ســــــنة ثم تطـــور وصـــــار شــــــكلا آخر فيمــــا بعـــــد ، وهكــــــذا . حتى ذهــــــب بهـــــم الخـــــيال إلى أن الإنســـــان إنمـــا كــــان هــو القــــــرد الذى نراه اليوم ، ثم تطـــــور مع مرور الزمـــن الطـــويل . فى الوقــــت الذى فيه كل كائن حى يلعـــــب دورا لحفــــــظ التوازن فى الطـــــبيعة . هــــنالك حيوانات دورهــــا أن تعيش على أوراق الأشجــــــار المنخفضـــــة . ولو لاها لانتشــــرت وكثرت هذه الأشــــــجار وطــــــغت وعـــــــمت الكرة الأرضــــية . هنالك مخلوقــــات ، كالقــــــردة ، دورهــــا أن تعيش على أوراق وثمـــــار الأشجــــــار المرتفعــــــة . ولولاها لانتشـــــرت وطــــغت هذه الأشجـــــار وعمـــــت الكــــــرة الأرضية . دور الحيوان الفـــــلانى أن يُنقــــــــص من الحيوان ( أو الكائم الحى ) الفـــــــلانى . دور الحشـــــــرة الفلانية أن تُنقـــــص من الحشــــــرة الفلانية . ودور المخلـــــــوق الفـــــــلانى أن يســــــــيطر على انتشــــــار المخلـــــوق الفلانى ...إلخ إلخ . وهنالــــــك عبر هـــــذه المســــــيرة الطــــــويلة جدا من الحياة على الأرض كائناتٌ انتهـــــت حياة الكائنات التى تحــــــد من انتشــــــارها وطـــــغيانها فأصـــبحت زائدةً على الحياة ولم تعـــــد بعـــــد حاجـــــة لهــــا فانقـــــرضت هي الأخـــــرى . وطبقــــات الكرة الأرض إنما هى كـــتابُ حافـــــــلٌ بالحياة فيهــــا وفوقـــــها ، فلنقــــــرأ الآية الكـــــريمة : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ---------------------------------------------------- " وإن الدار الآخرة لهى الحيوان " كلمـــــا مررت بهـــــذه الآية فى القـــــرآن توقفـــــت هنيهـــــة وتأملـــــت . إن {الحيوان} تكــــــبيرٌ للفظ { الحــــياة } . معـــــنى ذلكـــ أن حياتنا هـــــذه صـــــورة مصغــــرة لحياةٍ أخـــــرى . طــــبعا لا يمكـــــن أن أصـــــف تلك الحياة الأخـــــرى التى ســـُــــميت بالحيوان . لأن الإنســـان ليس فى مقـــــدوره أن يوصـــــــف شــــــيئا لم يره قـــــــط . ولكـــــن كمـــا أن هنالكـــ تصغـــــير فى اللغـــــة العربية إذن هنالكـــ تكــــــبير . فالحـــياة فى الدار الآخـــــرة هى الحـــــيوان ، وفيهـــا ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعــــــت ولا خطـــــر على قـــــلب بشـــــر . إذن لا نحـــــاول وصــــفها إطــــلاقا . فقـــــط نؤمـــــــن بهــا . كـــــل ما نســـــتطيع قولـــــه هو أن المؤمــــــن باللــــه ســــيصــــير منعــــــما فيهـا .