أخي الكريم.. طابت اوقاتك
كما تفضل الدكتور أسعد النجار أن العرب كانت تتناقل الكلم شفاهاً، لا تحريراً، لذا بات من المتعسّر جداً الوقوف على قول.
وجهدك واضح بالتقصي، ومشكور عليه إذ يجعلنا على مثابة يمكن الباحث الوقوف عليها إلى حين.. ولكن.
في بداية قراءاتي الشعرية، بحثت في هذا الشأن، وخلصت إلى شبه قناعة بأن تحديد الزمن أمر عصي، وأقصد هنا الشعر العربي بتمثلاته واشتراطاته السمعية قبل الخليل، لذا أعتقد أن الشعر بدأ مذ كانت اللغة إشارية، كون الشعر صورة، والصورة لها طرق توصيل، والطرق لها إشارات، أي أن الـ (international language) هي الطريقة الأولى لتوصيل الحاجات التي تطورت الى توصيل مشاعر، ومثالي على ذلك تعارف سيدنا آدم لإمنا حواء، إذ لابد من وجود لغة بديلة تفشي بحقيقة الرغبة، وأما ممارسة الحق الشرعي - ولا حياء في العلم - فهي عملية ميكانيكية، ولكن بعد فيض مشاعر.. وبعدها بدهور انبثقت الآيروتيكا (erotic).
ورب معترض يقول أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه (وعلمنا آدم الأسماء كلها)، وهذا اعتراض سليم، ولكن من علّم حواء هذه الآسماء؟.
وإذا سلّمنا بأنهما تعلما سوية، فماهي اللغة التي اعتمداها؟.
هناك رأي غير مدروس يقول بأنها العربية، وسأتفق مع هذا الرأي جدلاً، ولكن هنا يستنهض سؤال ضمني، كيف تسنى لهما الإتفاق، على اعتبار أن اللغة اتفاق، وقد سبقت الشهوةُ التجربةَ؟.
أما إذا توقفنا عند مايسمى باللغة الآدمية، فعلينا الكثير من التروي والتأمل، وذلك ما ورد عن اليهود والمسيحيين، ولكن لا يوجد نص يؤكد ذلك، إلا ما قالته اليهود عن لغة الله هي العبرية.
وطالما أن الأمر غير واضح الملامح، ولا توجد نصوص أو قواعد لغوية لذلك فأنا لا أؤمن بهذا.
وسبب عدم إيماني بهذا، هو التحول الذي طرأ على العبرية، حتى اختلفت بعض الأصوات والمعاني، وعلى سبيل المثال (بني آدم) باللغة العبرية (בן אדם) أو (لسان) التي هي (לשון) فالأولى بالعبري لاشون والثانية بين آدام، ولكن هذا يختلف تماماً عن العربية حين نقول (عائلة) فبالعبري هي ميشباخا وترسم (משפחה).
ولكي لا أبتعد عن الموضوع كثيراً سأعود إلى قناعة شبه أكيدة، وهي أن الشعر انبثق منذ الخليقة، ولكن بشكل تصويري، مُعالج بفيض مشاعر، وحسن تعبير إشاري.. وهذا ينطبق على الإشارة واللغة المتعارف عليها في حينها.
وهنا أعود إلى أن قصيدة النثر كانت أسبق من العمود، بالرغم من سلاسته وموسيقاه التي تستهوي آذاننا كعرب.
ولو عدنا إلى تفسير الأحلام كونها لغة رمزية، نجدها عند بعض المفسرين عربية، ومن بينهم فرويد، كالبيضة كناية عن المرأة لصفائها وسهولة انكسارها، والعباءة للرجل كونه ستر وغطاء.. إلخ.
ولكن هذه كلها مفردات وليست جمل يحسن السكوت عليها أي جمل مفيدة، ولا هي شعرية.
بعد هذا أخلص إلى القول بأن الشعر قد وُلِد قبل نشوء اللغات اللسانية.. والله أعلم.