دعـــاء الكـــــــروان
بقلم : طه حســـــين
الحلقـــــــة الأولى
لبيك لبيك أيها الطائر العزيز ! ما زلت ساهرة أرقب مقدمك وأنتظر نداءك . وما كان ينبغى لى أن أنام حتى أحس قربك وأسمع صوتك وأستجيب لدعائك ، ألم أتعود هذا منذ أكثر من عشرين عاما !
لبيك لبيك أيها الطائر العزيز ! ما أحب صوتك إلى نفسى إذا جثم الليل وهدأ الكون ونامت الحياة وانطلقت الأرواح فى هذا السكون المظلم آمنة لا تخاف صامتة لا تسمع !
إن صوتك إذن لأشبه الأشياء بأن يكون صوتا لروح من هذه الأرواح ليذكرنى روح هذه الأخت التى شهدت مصرعها
معى فى تلك الليلة المهيبة الرهيبة وفى ذلك الفضاء العريض الذى لم يكن فيه من سبيل إلى أن يسمع الصوت فيه مهما يرتفع . ولا أن يجيب المغيث فيه لمن استغاث .
لبيك لبيك أيها الطائر العزيز ! ادن منى إن كان من أخلاقك الدنو ، وأنس إلىّ إن كان من خصالك الأنس إلى الناس ، واسمع منى وتحدث إلىّ ، وهلم نذكر تلك المأساة التى شهدناها معا وعجزنا عن أن ندفعها أو نصرف شرها عن تلك النفس الزكية التى أزهقت وعن ذلك الدم البرئ الذى سفك .
فلم نزد حينئد على أن بعثنا صيحات ترددت فى ذلك الفضاء العريض لكنها لم تبلغ أذنا ولم تصل إلى قلب . وإنما صعدت إلى السماء على حين هوى ذلك الجسم الممزق فى تلك الحفرة التى أعدت له إعدادا ثم هيل التراب وسويت الأرض . وأنت تدعو ولا من يستجيب وأنا أستغيث ولا من يغيث ، وامرأة متقدمة فى السن قد انتحت ناحية وجلست تذرف دموعها فى صمت عميق ، ورجل متقدم فى السن قد قام غير بعيد يسوى الأرض ويصب عليها الماء ويردها كما كانت ثم ينتحى قليلا ويزيل عن جسمه وثيابه آثار الدم والتراب . ثم يرتفع صوته آمرا أن هلم فقد آن لنا أن نرتحل .