الموضوع: تراتيل الماء
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2009, 04:14 AM   رقم المشاركة : 2
نبعي
 
الصورة الرمزية د.سناء الشعلان





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د.سناء الشعلان غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: ترتيل الماء

(2)
ماء الأرض
(تراتيله مكاءٌ وتصدية)


هي ليست مخلوقة من ماء الأرض الزلق الكدر المتسخ وحسب،بل هي مخلوقة بالتحديد من آسن مياه المستنقعات ومن قتام رذيلتها ومن مقّزز مدرها وقذر قيعانها،لم تختر أن تُخلق من هذا الماء الملعون بنفسه دون غيره، ولكن هذا هو قدرها، وقدر مائها الذي ماعرف مآلاً غير السّقوط والتمّرغ في الرّذيلة والرّخص والتهاوي.
هي صنيعة البغاء والإجرام ، ومن التحامهما كانت،فمن شهوة أبٍ مجرم متعاظم على ضعف البغايا، وعائش على عرقهنّ المحموم الآثم ،ومن شهوة مصنوعة إجباريّة لمومس تعسة اعتادت على أن تهب جسدها لكلّ دافع لثمنه أو متجبرٍ ممبتزٍ كانت.
لم تحظ بغير عار هذين الوالدين، وعنهما ورثت الرّذيلة والسّقوط والتردّي، كانت تحلم بمدرسة ودفتر وعصفور وكأس حليب قبل النّوم وحكاية عن الشّاطر حسن وبدمية بثوب وردي شأنها شأن أيّ طفلة حالمة في هذا العالم، وماكانت تعلم بعد أنّ الحلم محرّماً على من هنّ مثلها من الوارثات، ولكن أوّل سرير بغاء ذُبحت عليه قتل كلّ أحلامها، وجعلها كوابيس تطارد نومها المنكود وصحوها المأسور.
احترفت إعدام أحلامها، والرّقص عارية على رفاتها غير آبهةٍ إلاّ بزبائن جسدها المنهوك بمهنته الحارقة وبباغيه،إلاّ ذلك الحلم،فقد كان قدرها الذي ما استطاعت أن تغتاله،فمن له أن يغتال قدره؟ كان حلمها أطهر من أن يحمله جنان بغي، ولكّنه كان أثيرها، كانت تحلم بأن تحجّ إلى بيت الله،لتخلع هناك كلّ آثامها،وتخلص بحبّ لا يعرف رجساً أو ألماً ولا خطيئة لربٍّ غفور.
مرة أفشت سرّها لشريكاتها بمهنة الخطيئة،فأحرقنها بسخريتهنّ،وجدّفن أمامها بصفاقة هي من طبعهنّ، وأسمينها الحاجّة إمعاناً بإزدراء حلمها البعيد عن روح خاطئة مثلها.لكنّها ظلّت تحلم وتحلم وتحلم حتى اختفت يوماً وشهراً وعاماً، ومابالى بغيابها أحد،ولا افتقد روحها مفتقد؛فالبغايا بلا أرواح!!!
وهناك في حياض الكعبة المشّرفة كانت تحجل ليل نهار بثوب أبيض يجلّل جسداً تحمل روحاً طاهرة تائبة ماعادت مخلوقة من ماء الأرض والمستنقعات بل من ماء السّماء!!






  رد مع اقتباس