(5)
ماء النّهر
(تراتيله رقص)
لايجيد السّباحة، ويكاد لا يتذكّر كيف قطع هذا النّهر في يوم من الأيام هرباً من عدو صهيوني داهم قريته المسالمة حتى للموت والنّسيان والأحلام المنفيّة، كان ليلتها فتياً لا يملك سوى الأحلام وعمل شاق في الأرض، وألماً طارىءً مؤلماً في عينيه حار فيه الطّب الشعبي وأدوية أبي حسين الحلاّق الذي نصّب نفسه منذ زمن بعيد طبيباً للقرية، ورضي به الناس إكراماً لفقرهم ،وذلاً أمام فاقتهم وعجزهم.
أيدي الأخوة هي من حملته إلى مابعد النهر، وأنقذته من موت ليته كان على أيدي عصابات الصّهاينة التي اغتالت قريته في ساعات ، وجعلتها خرائب وقبور ومدافن.
ألف وعد نحر على هذه الضّفة وهو يؤمّل النّفس بالعودة،أقسم على أن لا يسكن جبلاً أو كهفاً أو مخيماً أو معتقلاً ، وأن يعسكر في هذا المكان من الضّفة الأخرى حتى يعود، وطال الانتظار، ورحل البصر مع الرّاحلين،وماترك مكانه، ولا بارح انتظاره، وعندما خيط سلامٌ مع العدو، وانتحر حلم عودته،وغاب في ظلمة عينيه بارق عودة، خلع قميصه الوحيد، وحذاءه المطاطي المهتريء، ويمّم نحو الوطن، وألقى نفسه في النّهر مجدّفاً نحو الضّفة الأخرى،ووجيب قلبه المشتاق هو بصره الدّليل، ومازال حتى الآن يجدّف وإن لم يكن يجيد السّباحة...