(7)
ماء الشلاّل
(تراتيله عشق)
بين يدي الشّلال المنهمر بتمرّد مزهو من شقوق الصّخر وقف، تحت ثقل دفقه المندفع بقوة برودته المعانقة لذكريات الشّتاء،وصقيع الثلج المذاب انتصب بعزم مُستدعَى تحت منزلق مياه الشّلال الملقي نفسه بتكسّر من علٍّ.هو لايقف بين يديّ الشّلال وحسب،بل هو يقف بين يديها دون نساء الدّنيا، مفارقة مؤلمة تشبه مسرحياته الفاشلة وموهبته الخاملة التي أنّى حاول أن يبعث الحياة فيها فشل.
هي مسرحيته الأجمل التي أيقن بمرارة منذ زمن قريب أنّه لن يلعب فيها دور البطولة أبداً مهما اجتهد، ومهما عشق؛وذلك كرهها ببذخ وبسخاء بقدر ما كسرت فيه من أمنيات جميلة، ومشاعر متقدة.
ما كان ليظنّ أنّه سيلعب معها اليوم دون كلّ الأيام مشهداً صغيراً وجميلاً من مسرحيته الحلم الخالدة على الرّغم من أنّها لم ولن تُولد. كلّ شيء رتّبه القدر ليقف بين يدي الشّلال،أيّ بين يديها هي المولعة بالأماكن المرتقعة، والمياه المتدفّقة،ماكان يريد أن يجتمع معها في أيّ مكان، مادامت قد لفظتْ مشاعره غير آبهة بحبّه الرّتيب. وبدقائق من إقناع واهٍ من الأصدقاء وجد نفسه يرافقها في رحلة نحو الجبال،ومع أوّل شطحة جنون معهودة منها كانت أوّل المتسلقين ارتقاء نحو الشّلال، وكان هو آخرهم بمهمة أُسندتْ إليه على عبث من الأصدقاء للأمساك بها، وحمايتها من الانزلاق في مهاوي المسقط الصّخري للشلاّل.
هو يكرهها،ربما، لكنّ من المؤكد أنّه كان يحبّها في يوم من الأيام،عنده ألف سبب مزعوم ليكرهها، وإن كان يعرف في قرارة نفسه المولعة بالصّمت والكبت أنّه يكرهها؛لأنّها لم تحبّه في يوم أبداً. والآن هو يقف تحت الشّلال معها، يمسكها بيديه كي يحميها من الانزلاق،وينسرح في تراتيل الشّلال الذي يعرفه ماؤه دون غيره كم يعشقها، وكم يعشق أريجها الذّائب في مياه الجامحة.
دقائق سعيدة مرّت، وهو يمسكها حاضناً حامياً أو حامياً عاشقاً،ومع أوّل ارتجافة برد انزلقت من يديه، وغادرت معبدهما المائي التليد،ابتعدت تجفّف شعرها الفاحم ،وتركته هو الممثّل المخلوع يعانق طيفها بين يدي الشّلال،ويتململ بتبرّم ظاهر؛ليعرف جميع الأصدقاء الموجودون أنّه يكرها، وبشدة.