عرض مشاركة واحدة
قديم 07-16-2011, 09:21 PM   رقم المشاركة : 2
أديب





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سيف الدين الشرقاوي غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: قصًة قصيرة من أدب السجون ــ الأطياف الثلاثة ــ



ـ 2ـ



سفر السجن والحرية





لا أدري منذ متى وأنا جالس هنا تحت سقف الزنزانة أحلق في سماء أحزاني وتأملاتي الصامتة والمكتومة والمتأوَهة الخفيظة ..


يصبح الصمت داخل القبو طقسا إعتياديا.. يكاد لساني أن يصاب بالصدأ وأنا أبتلعه طيلة سحابة اليوم لا أستعمله في الليل والنهار ....


المنفردة تعني العزلة إنها رحم يحمل جنين المعاناة والقهر وديعة ويمتد الألم لشهور أو سنوات قبل أن يكون المخاض بالحرية المستحيلة


السجين السياسي لا يغادر العتمة إلا في حالة واحدة .... الموت


أنا هنا..... في القبو منذ سبعة سنوات...


الحرية كلمة نسيتها ... إنني أعيش السجن ولا شيء غير السجن.. اصبحت مخذرا بالسجون ...تسكنني كما أسكنها.... ترى كم أحتاج من الزمن لأعبر إلى عالم الأحياء ... عالم الأسماء والطرقات والحياة .


هنا لاشيء سوى الأرقام والزنازن والوجوه الكالحة والأقبية والظلمة المهيمنة مع عتمة شديدة مملوءة بالكآبة والترهل...


إنفجر في رأسي شيء مخيف .. مرعب ومقزَز أشعرني برغبة جارفة في القيء والغثيان .. إنها لحظات مقرفة جداااا...إنه شيء مخيف تذكرته فجأة .. أحسست بالإنقباض و الإختناق الذي يجثم على صدري يزداد في قوة نبضاته وخفقاته..... كانوا أمامي يزيدون على الأربعة وجوههم كأديم الأرض ... صفحات مقت وغضب ولعنة ... وقفوا ينتظرون كبيرهم كان قصير القامة بعيني فأر ... رمقني بعين تطفح غلَا... وأعطى أوامره للجلاوزة... إندفعوا صوبي دفعة واحدة وهم يصيحون في صوت واحد أجش....


ــ إخلع السروال........


ياللهول... تفصَد جبيني بحبات من العرق زادتني الخرقة السوداء التي وضعوها على وجهي إحساسا بالإختناق لكنني كنت أختلس وأتلصص من الشيفون ملامحهم وحركاتهم البهلوانية... كان ذلك الثقب بوابتي لمعانقة الصورة ..


أي هول هذا الذي أراه في الوجوه وأسمعه من جلبة المكان...


وقفت جامدا متخشبا جردوني من ثيابي أصبحت خزيانا.... إنه الخزي الذي جللني..... لاول مرة في حياتي... أجبر على نزع ملابسي.....


الآن بدأت القيــــــــــــــــــــــــامة ... إنهم يجردونني من المخيط والمحيط ويتأهبون للعذاب.......


قال أحدهم بعنجهية


ــ قرفـــــــــــــــص


جلست القرفصاء والجلبة حوالي تزداد... الصراخ والحركة والأصوات....


عاد الحاج كبير الجلاوزة صاحب العينين المميزتين بالخبث والحيلة والمكر .. أشار إليهم بيده إشارات .. ثم مضى كالطيف.. بعدها أقبل الجلاوزة نحوي وأنا لا أزال مقرفصا ... قال أحدهم آمرا


ــ أكْحُبْ


كان جوابي الصمت والدهشة إنني لا أفهم ماذا تعني أكْحُب ...؟


صاح الآخر وهو يقهقه


ـ أكــــْ حُ ـــــــــــب يعني فاعمل هكذا ..يا خرا .. ثم افتعل السعال بقوة كأنه نهيق حمار... عرفت حينها أنني سأكْحُبُ على طريقة الجلاوزة كحبْتُ لأوَل مرَة كان سعالا هو مزيجٌ من الأسى والحرقة والحسْرة... كلَما سعلتُ بقوة كان الجلاوزة يضربونني على ظهري بعنف...لهم فيها مآرب أخرى......


قال الحاج الكبير...


ــ خـذ وه فغلَوه ثم إلى الزنزانة 72 أدخلوه...


مضوا بي في موكب جنائزي صامت ... إلى العتمة الباهرة....




ــــــــــــــــــــــــ


يتبع.........









  رد مع اقتباس