خلق الإنسان . علّمه البيان
=============
بعد أن أعلن دارون وأتباعه أن الإنسان منحدرٌ من القردة العليا أمعن العلماء (المؤمنون بالخلق) فى التفصيلات التشريحية التى كانت مجملة فى الفوارق الواسعة بين تركيب القرد وتركيب الإنسان ، ولا سيما الفارق المميز للإنسان الناطق ، وهو قوام الفصل بين النوع الآدمى وعامة الأنواع العليا .
فهذا الفارق الواسع فى الملكات العقلية يقابله فارقٌ دقيق فى تكوين الدماغ يبيّن استحالة النطق بغير هذا التركيب الإنسانى الخاص بدماغ الإنسان دون سواه ; فالرأس الإنسانى يحتوى جميع المناطق التى وُضعت فى رؤوس القردة ، ولكنها تتخصص بمناطق أخرى تُسمى بالمناطق الثانوية ، أبرزها تلك المنطقة الخاصة بمراكز الألفاظ الكلامية ، وهى مستحيلة بغير الاتصال الوثيق بأجهزة الكلام من عضلات الوجه والفم والبلعوم مع جهاز التنفس ، سواءً من جانب حركات الحس ومراكز اللمس والسمع ، بل البصر كذلك .
فهناك مركز للنطق فى مقدمة مراكز الحركة فى الوجه ، ومراكز بصرية للكلام فى المنطقة الجدارية ، ومراكز سمعية فى الفصّ الصدغى ، وفقدان مراكز الكلام يستتبع العجز عن الحركات المتقابلة الضرورية للنطق بغير تعطيل عمل اللسان والشفتين . ويُضاف إلى هذه المراكز مراكز أخرى خلفية يرى بعضهم أنها مقرٌّ لأدقّ الوظائف السيكلوجية .
وعلى هذ الوتيرة المطّردة يؤدى العلماء المؤمنون أمانة "العلم الطبيعى" لإبراز مواضع الشبهة فى أدلة مذهب الشبهة وقرائنه التى ترتفع إلى قوة الدليل ، فهم يوسعون الفارق غاية التوسع المحتمل فى حدود المقررات العلمية ، ولا يدعون فارقا خفيا منها إلا وضّحوه وكبّروه وبلغوا به غاية الشك ، وباعدوا غاية البعد بينه وبين مرجّحات اليقين ، ولم يقصروا ذلك على الأدلة أو القرائن التى يستند إليها النشوئيون للقول بتحول النوع الإنسانى من الأنواع الدنيا ، بل شملوا به كل دليلٍ وكل قرينة تدعم فروض التحول بين نوعٍ ونوع من الحشرات والأسماك والزواحف والطيور والفقاريات ، المتسلقات منها وغير المتسلقات .