في الأصل يا إخوانى هذه تأملات في الآيات خاصة بى . وليست تفسير ا طبعا. فللتفسير أهله وعلماؤه . ولكنى عندما اقرأ بعض الآيات تيتابنى تصورٌ خاص وأتذكر ظروفا محيطة كانت واقعا ومتزامنا للآية المعنية فأربطها بها ، وأعتبر ذلك تدبرا للآية . واصلا القرآن للتدبر
" كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب " 29 - ص
عندما اتأمل اﻵية الكريمة : " وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعلٌ فى الأرض خليفة " 30 - البقرة . ينتابنى شعور بأن كوكب الأرض كان قد تهيأ وتأهل لتعيين خليفة فيه . وماذا يعنى ذلك ؟ يعنى أن اﻷرض قد اجتازت عصورا زمنية طويلة جدا لتكون ممهدة جيولوجيا فأرسيت الجبال وتكونت البحار والمحيطات وانقرضت الحيوانات القديمة وغابات النباتات الكثيفة ، وتكوّن الفحم الحجرى والنفط والغاز فى أعماق الأرض السحيقة ، وظهرت الكائنات الحية الجديدة من نبات وحيوان لتؤدى وظائفها فى تكاملٍ شامل على كوكب اﻷرض . وتقتضى الحكمة هنا وجود خليفة أعلى من جنس كائنات اﻷرض ، أى مخلوقٍ من الطين مثلها ، لإدارة وتنظيم الحياة على اﻷرض . فالكائنات الحية كلها غير عاقلة ولا بد من واحدٍ أعلى رتبةً منها لينظَم شؤون الأرض ويقوم بعمل الضبط والربط لها .
من سورة نوح
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12
-----------------------------------------
عصر سيدنا نوح عصرٌ موغلٌ فى القدم . وهو العصر الذى ذُكر فى القرآن الكريم بعد عصر آدم مباشرة . وهو أول [ بلد ] فى التاريخ ، بمعنى أول مجتمع إنسانى كامل .أى نستطيع أن نقول إنهاأول دولة قامت فى تاريخ البشرية . بديهى جدا أن مقومات تلك الدولة كانت الزراعة . فالإنسان فى ذلك العصر المبكر جدا من تاريخه لم يكن يعرف ألف باء الصناعة وكانت حياته كلها هى ما ينبت الأرض من بقول وخُضر ونخيل وأعناب وفواكه وبرسيم وأعلاف للأنعام..إلخ إلخ ومن يملك هذه السلع الضرورية فهو السيد وهو الآمر والناهى فى القوم . إذن لغة ذلك العصر كانت مطر ، نهر ، فيضان ، ذرة ، قمح ، فول ، أرز ، برتقال ، عنب ، رطب ، برسيم ، عمال الزراعة ، بدأ موسم كذا ، انتهى موسم كذا .. إلخ
في ذلك الزمن القديم لم يُعرف النقد ولا الدولار ولا القرش ولا الجنيه فقد كان المال عندهم هو المحاصيل الزراعية المتوفرة لديهم . وكانت الأنهار الممتلئة والأمطار الغزيرة منظرا مألوفا وعاديا جدا لديهم . ولذلك لم يندهشوا عندما بدأ الطوفان . فذلك منظرٌ طبيعى لديهم لا يلفت انتباههم لدرجة أن ابن نوح أبى أن يركب فى السفينة قائلا : " سآوى إلى جبلٍ يعصمنى من الماء ". فقال أبوه : " لا عاصم اليوم من أمر الله " . لاحظ كلمة [ اليوم ] ، أي أنه فى الأيام العادية كان مثل هذا الارتفاع فى الماء شيئا مألوفا وليس غريبا .
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 11-11-2019 في 12:58 PM.
تحليل منطقي ووجيه للآيات الكريمة
إذن لغة ذلك العصر كانت مطر ، نهر ، فيضان ، ذرة ، قمح ، فول ، أرز ، برتقال ، عنب ، رطب ، برسيم ، عمال الزراعة ، بدأ موسم كذا
هنا يكون دور الخليفة الذي يفقّه الناس ويدلّهم على غاية خلقهم والهدف منها
ننتظر بشوق بقية التأملات إن كان في الموضوع تسلسل
دمت موفقا
" وعلّم آدم الأسماء كلها .. " 31 - البقرة
الأسماء كلها أكيد أنها كل الأسماء فى اللغة . ونحن نعرف من دراسة النحو والقواعد أن هنالك إسما وفعلا وحرفا . إذن علّم ربنا آدم جميع أسماء الأشياء وجميع أسماء الأفعال وجميع الحروف .يعنى علمه اللغة كاملة . إذن أبونا آدم أول من تكلم كلاما مفهوما . وهذا تكريمٌ له أى تكريم . إذن آدم تكلم مع حواء . ولم يكونا كالبهائم يتفاهمان بالأصوات والإشارات . تلك المرة الأولى التى ظهر فيها مخلوقان يتفاهمان بلغةٍ تامة . وهو يدل على أن الله حباهما بعقلٍ كبير أهّله بأن يكون فى الأرض خليفة .
من سورة يوسف
"وقال الذى نجا منهما وادّكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون" (45)
"يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقراتٍ سمان..." (46)
*************************************
المشهد في الآية الأولى هو قصر ملك مصر ، وساقى الملك (زميل سابق ليوسف في السجن) يستأذن الملك في إرساله لمن يستطيع تأويل رؤياه
--------------
--------------
المشهد في الآية الثانية هو السجن وساقى الملك يخاطب يوسف
* اختزل القرآن كل الأحداث ما بين المشهدين لعدم الحاجة إليه .
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا
-----------------------
هذه آية قرآنية من سورة الكهف . أى شخص من الملحدين يقول إن القرآن ليس بمعجزة وإن الإنسان يمكنه أن يؤلف كلاما مثله فليتابع معنا هذا التحليل . هل ذخيرتك اللغوية من المفردات مثل ما وُصف فى الآية ؟ هل لو جمعنا شعراء وأدباء وعلماء اللغات ( واللهجات أيضا ) فى العالم قاطبة وجمعنا كل مخزونهم من الكلمات ، وجعلنا البحر مدادا نكتب به تلك الكلمات ، هل كان البحر سينفد قبل أن تنفد كلماتهم ؟ الله يتحداناأن كلماته ، ليس بحرا واحدا ، حتى ولو جئنا بمثله مددا لنفد قبل أن تنفد كلماته . لا تظن أن هذه صيغة مبالغة ! لا ، ربنا ليس محتاجا للمبالغة فى الكلام حتى نصدقه . هذه هى الحقيقة كاملة . ولو أنتم لستم بمصدقين دعونا نعد مخلوقاته عدا ، باعتبار أن كل مخلوق كلمةٌ منه . ودعونا نبدأ بالبحر نفسه الذى سيكون مدادا . كل قطرة من ماء البحر هذا خلْقٌ من مخلوقات الله ومكونة من أيدروجين وأوكسجين . ومن حقنا أن نكتب كل قطرة ومكوناتها ، وكل مخلوق يعيش داخل الماء ككلمة من كلمات الله . وهكذا سينفد البحر قبل أن نخرج إلى البر . وما زال أمامنا البر ومخلوقاته ونباتاته . غابات الأمازون بمفردها تحتاج إلى بحور .
*****************************
تحية للشاعرين هديل وألبير وهما يطّلعان على تأملاتى فى الآيات التى تأتى متفرقة تحت عنوان " تأملات فى الآيات " بورك فى حضورهما .