مشينا على الماء حين أقمنا احتفال الفصول ، بنينا على الماء مملكة عرضها البحر والباب موصدة بالذهول ، رسمنا على الماء بيتا لنا خيط شباكه من خزف ، والأرائك قد نسجت من حنايا الصدف ، أقمنا من الماء للبيت سدّا ، وزرعنا على الماء قمحا ووردا ، فإذا بين ليل وليل ، وخزت بيتنا شوكة ، وإذا كل شيء غدا محض سيل .
*******
الليلة أهداه البحر قلنسوة فوق الراس ،أغمض عينيه ، وأجلسه ملكا فوق الماء ، محاطا بالحرّاس حين أفاق ..حدّق في المرآة فلم يبصر فوق الرأس قلنسوة مفعمة بالأضواء أو كرسيّا يطفو منتشيا فوق الماء ، فمضى كالمجنون يهرول حتى أضحك كل الناس ، حضر العرّاب وأخبرنا :
أن الرجل مصاب بالوسواس الخناس .
*******
تدحرجت فوق الماء حتى طويته ، ولمـّا طويت الماء أضحى ردائيا ، ومرّت غيوم في سمائي وأمطرت سيولا فلم تبتل منها ثيابيا .
*******
تثاءب البحرفالتمـّت سواحله ، وسادة ، فأمال الرأس ثم غفا ، وعندما نام ألغى الماء صورته
فصار شيئا فشيئا قاربا وطفا ، وأنكر الماء أن البحر كان له ، بيتا وأوغل في الإنكار منعطفا
وراح يعلن أن البحر ليس له ، إسم ولولا سيول الماء ماعرفا .
*******
لونان إذا اجتمعا في البحر، يصير البحر فضاء محتدما ، وأصير أنا الشبكة ، لونان إذا اجتمعا
في الأفق ، يصير الأفق مياها هائجة ، وأصير أنا السم
*******
بيتك من زجاج ، بيتي من ورق ، وعندما فاض عليك البحر، لم تأبهي بالغرق ، لكن بيتي ضاق بي ، وضاق بي ، وعندما لامسني احترق .
*******
سرب من الملكات جئن إليك من ، بحر القصيدة يلتقينك حشـّدا ، يطلقن من ضحكاتهنّ حمائما بيضا ، فينفرط الهديل منضــّدا ، من علـّم الطيف المسافر فيك ، أن يغدو بغابات البنفسج هدهدا
من علـّم الأنهار حين تراك أن تغدو فضاء يفتديك تودّدا ؟ والصبح إذ يلقاك من أوحى له ، أن يلتظي لهفا وأن يتنهـّدا ؟
*******
لاتغرف من ماء بكفـّك فالشط بلا ماء، مايملأ داخلك الآن هواء بهواء .
*******
حين مضيت إلى البحر وألقيت شباكي فيه ، لم أصطد شبكا أو صدفا أو مرجان ،كان القابع فيها
جســـــــــدي .
*******
حين انفضّ الأصحاب ، أحصيت العمر وجمّعـت الأحلام ، وأوصدت عليها الأبواب ، وخرجت إلى البحر بلا جسد ، أنظر من ثقب الماء ، أحدّق في أحشاء البحر فلم أبصر شيئا ، حتى سقطت
من عينــي ّالأهداب .
*******
أسرجت في أفق البحار خيالي ، لأراه يفترش المدى بــجلال ، وأرى اللآليء في يديه بريقها
درر من الكلم البديـــع يـلالي ، هل للفتى الملتاع إلاّ أن يرى ، بسنا البحار سعادة الترحـــال ؟
هل للمتيم فيه إلاّ أن يرى ، بوحا تناثر من فم وخيــــــال ؟ يسعى لصوت الماء ينهل حالما
سعي المحب الوالـــــــه النهـــّال ؟ ويقول يانفسي اشربي بمودة ، من ماء كوثره الطهور الغـــالي
*******
تعال معي هاهنا كي ندور، بين نضح المياه وصوت الخرير، تعال معي كي نسافر في اللاّ مكان ، ثم دعنا نبوح بسرّ عصي على الماء مابين آن وآن .
*******
السنا كامن في الظلام ، والأنين الذي يتسلل بين الأضالع منسرب من هديل الحمام والندى كامن في المطر، كرنفالا يريك معاني الصور، سرها غائر في ثنايا الرمال ، فإذا رمت معرفة السر
فلتتخذ شبحا مفعما بالظلال ، كي يكون لقلبك تحت الرمال دليلا، لترى كل شيء غدا مبهرا وجميلا.
*******
طيف يؤرجحني في الغيب حاضره ، وتغمر العمر بالنجوى غدائره طيف جريح كأن النار
تشربه ، ليرتدي باطن الأشياء ظاهره ،أكلـّما اخضوضرالمعنى بجمرته ، دمعا تكسـّر فوق الماء
خاطره ، أم أن إيماضه أرخت قوادمه ، رحيلها فارتمى في البحر طائره ، له اشتعال الندى لو أنّ معزفه ، فسال عبر الثرى بوح يخامره ، هيهات ينأى به برق يحيط به ، يوما ولا أبطأ الترحال عاطره ، مبلل بالأغاني لايفا رقه ، ظـلّ الأيائـــل والنـــشوى ضـــفائره ، سيل من النجم يمشي تحت كوكبه مسربـــــــــــــلات عجيـــــبات سواحره .
*******
كم كنت أسأل في خلقي وتكويني ، أنا أم البحر نمشي في شراييني ؟أنا أم البحر نمشي بين أوردتي ؟ بلا شراع ولا ماء ولا طين ؟ ولو رأيت افتراضا أن ذاكرتي هي الشراع الذي
يسري فيهديني ؟ فكيف والبحر قد شبـّت حرائقه وأشعلت لوعة المعنى براكيني ؟ وكيف بي
وأنا المقتول بينهما وبيننا النار أطويها وتطويني ؟
*******
لماذا تجيء البحار لتغسل أجسادنا حين يغدو الطريق فضاء من الأتربة ؟ ولماذا الدقائق تابوتها تحت جنح الظلام يجر بلا عربة ؟ لماذا يموت الغراب على قارعات الطريق دونما دمعة من صنوبرة أو غراب صديق ؟ ولماذا الدلافين تلفظ أنفاسها في السواحل ؟ تلك أسئلة ليس يعرف أسرارها أيّ سائل .
*******
الآن الآن ، هبط الشيطان على البحر فألبسه أثواب الجان ، فإذا بالموج يموج هوى ويفيض لكي يكتب شعرا ، رسم الصورة سفرا سفرا ، وبذات أسى ، فرّت كل طيور المعنى من كفـّّيه ، فإذا الأحرف مثل رماد ، تذروه الدهشة في التيه .
الاختلاج الثامن عشر
*******
أنا أقرب الناس مني إلي ، أنا أبعد الناس عما تبدد في مقلتي ، فقد طار عصفور ذاكرتي ليعشش
مابين حدسي وظني ، تاركا لحنه بين غاب وغاب ، وما عاد يعرف كيف الرحيل إليّ وأيّ الدروب ستفضي لوادي الإياب ؟ المحيطات مغلقة والمدى كامن في الغياب ، هكذا ظل عصفور ذاكرتي ساهم الطرف محتفيا بالتراتيل والموت باب .
*******
وقوفا مشيت ، لي الصمت بوصلة والمسافات بيت ، منذ ألف وزوّادتي في الملمات خبز القوافي والأماني التي بعثرت ضحكتي في المنافي ، مستفيق أنا كي أنام ، يملأ الصمت أعماق قلبي حدّ الكلام .
*******
ربما يبتدي فيك طفل الكلام البداية ، ربما انطلقت من مسلة صيدي نبال الغواية ، كي أقصر حجم المسافة مابين سرب الوعول ولوح الرماية .
*******
منذ قليل ، أبصرت البحر كئيبا يتوكأ بعصاه ويمشي معصوب العينين ، وبصحبته بحر آخر
يمشي منقسما نصفين.
*******
أنا واقف لصق نفسي ، والشواطي نداماي ، يملأن بالحنظل المر كأسي ، كثيرون مرّوا ولم يبصروني ، لأني خبأتهم في عيوني ، وحين المرايا استدارت ،رأيت الفضاءات غامت ،فغيّبتهم وسط قلبي وهم غيّبوني .
*******
هنا لن تجيء الوعول إليّ لتصطاد سهمي ؟ فتجرح باللحظ والخطو نرجس حلمي ، أنا والمدى واحد في الطريق ، عاشق وعشيق ، لاسماء ملبدة بالهموم ، ولا طائر جارح حول رأسي يحوم
كلانا يسافر مثل الغمام وتمطره رفـّة من جناح الحمام ، لنا البحر أرجوحة والأغاني شآم .
*******
آخر تعديل وطن النمراوي يوم 12-10-2009 في 04:15 PM.
أيها الكريم الذي جاءنا بثلاث وعشرين خاطرة من جميل ما خطر بباله
أحييك على رقي الحرف وجماله
و لتأذن لي أستاذتي عواطف بتثبيت هذه الجميلات فهي تستحق قمة الهرم ليتمتع بها القارئون
فقط لو أذن لي أستاذي عادل بترتيبها بثلاث صفحات
ليتسنى للقارىء قراءة ثمان خواطر في الصفحة و الأمر لك...
شديد إعجابي بحرفك الراقي أستاذي عادل
شكرا لكم أحبتي ،شكرا لمشاعركم ، شكرا لقلوبكم ، وأعتذر لورود خطأ في المقطع الأول والصحيح كما يلي :
مشينا على الماء حين أقمنا احتفال الفصول ، بنينا على الماء مملكة عرضها البحر والباب موصدة بالذهول ، رسمنا على الماء بيتا لنا خيط شباكه من خزف ، والأرائك قد نسجت من حنايا الصدف ، أقمنا من الماء للبيت سدّا ، وزرعنا على الماء قمحا ووردا ، فإذا بين ليل وليل ، وخزت بيتنا شوكة ، وإذا كل شيء غدا محض سيل .