الشرط في أسلوب المصطفى صلى الله عليه وسلم / محفوظ فرج
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌ ) الحديث رواه البخاري في كتاب الصلح ( باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ) رقم ٢٥٥٠ ، ورواه مسلم في الأقضية ( باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ) رقم ١٧١٨ ، وأبو داود في السنة ( باب في لزوم السنة ) رقم ٤٦٠٦ ، وابن ماجة رقم ١٤ ورياض الصالحين الصفحة ٣٩٢
.............................
حول المعاني :
مَنْ أحدَثَ : أنشأ واخترع مِن نفسه وهواه
في أمرِنا : في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا .
هذا : الكامل الذي لا يزاد فيه ولا ينقص
ما ليس فيه : مما ينافيه ويناقضه أو لا يشهد له شيء من قواعده وأدلته العامة .
فهو رد : مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به (١)
.................................
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام لأنه ميزان للأعمال في ظاهرها ، وكل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن له الله ورسوله فليس من الدين في شيء (٢)
والحديث الشريف جملة شرطية (٣) هي الحديث الخامس من متن الأربعين النووية تطابقت دلالتها(٤)في تركيبها مع المدلول ، والشرط ب ( مَن ) هو الغالب على هذا المتن(٥)
لأن ذلك التركيب يستوعب الخطاب الذي أراده صلى الله عليه وسلم بإيجاز يبلغ القصد .
أما تركيب الحديث في بنيته يتكون من :
١- مَن : التي هي اسم شرط يفيد العاقل
٢- فعل الشرط : أحدث (٦) في أمرنا هذا
٣- جواب الشرط : فهو رَد(٧)
وإذا كان الشرط يقع ضمن الخبر لإفادة العموم فإنه من باب آخر يذهب في معانيه إلى أسلوب الإنشاء فالحديث يقول : على المؤمن الحق ألّا يأتي أو يخترع في ديننا الحنيف ما ينافي الشريعة أو يناقضها فظاهر المعنى الأول للحديث الشريف هو أسلوب الخبر والمعنى والمعنى الثاني هو أسلوب الإنشاء
هذا ما يخص الحديث الشريف في جملته.
أما في مفردات تركيبه فان فعل الشرط قد ورد جملة فعلية(٨) ( أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) دال على التغير والتجدد إنها الحركة التي تدل على الجنوح في أمر خارج عن الشريعة الإسلامية ولا يوقف هذه الحركة والمحاولة في الخروج إلا الجزاء الذي هو جملة اسمية (٩)دال على الثبات وإيقاف فعل الفاعل الذي يريد أن يبتدع أمرا لا يمت للشريعة بصلة والثبات بوجه المحدِث لا يكبحه الا الجملة الإسمية ( فهو رد ) وقد ارتبط جواب الشرط بالفاء لأنه جملة إسمية .
وإذن فالتباين في الحديث الشريف بين معناه الظاهر والباطن في الخبر والانشاء وبين فعل الشرط وجوابه بين الفعلية والاسمية له دور مؤثر في المتلقي لإيصال المضمون الذي أراده صلى الله عليه وسلم.
..................................
(١) الوافي في الاربعين النووية ، تأليف الدكتور مصطفى بغا ومحي الدين مستو ، دار ابن كثير للطباعة والنشر ، دمشق - بيروت ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م ص٣٠
(٢) المصدر نفسه : ٣٠
(٣) معنى الشرط أن يقع الشيء لوقوع غيره أي أن يتوقف الثاني على الأول فإذا وقع الأول وقع الثاني وذلك نحو ( إن زرتني أكرمك ) معاني النحو ، الدكتور فاضل السامرائي ٤ / ٤٣٢
(٤) الدلالة Semantiquel قد اشتقت من الكلمة اليونانية ( Semaino ) ( دلّ - عنّي ) وهي نفسها مشتقة من ( Sema ) ( دال ) وقد كانت في الأصل صفة تدل على كلمة ( معنى ) إن أي تغيّر دلالي هو تغيّر معنوي ، وإن القيمة الدلالية للكلمة تكمن في معناها / علم الدلالة ، تأليف بيير جيرو ، ترجمه عن الفرنسية الدكتور منذر عياشي ، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر ، دمشق ١٩٩٢م ص١٦
(٥) في متن الأربعين النووية وردت ( مَن ) تفيد الشرط للعاقل في الحديث الأول مرتين والسادس مرتين والخامس عشر ثلاث مرات والثامن والعشرين والرابع والثلاثين والسادس والثلاثين وردت خمس مرات والثامن والثلاثين والثامن والأربعين ، ينظر متن الأربعين النووية للإمام محي الدين بن يحي بن شرف النووي ت٦٧٦هـ ويليها الأحاديث التي أضافها ابن رجب رحمه الله دار الآثار للنشر القاهرة ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨م
(٦) ورد الفعل ( أحدث ) على صيغة ( أفعل ) للتعدية إذ يصير الفاعل بالهمزة مفعولا به لأن الفعل ( حدث) لازم فأصبح متعديا / ينظر عمدة الصرف ،تأليف كمال إبراهيم السراج ، مطبعة الزهراء ، بغداد ١٣٧٦هـ - ١٩٥٧م
(٧) قال الرسول صلى الله عليه وسلم في جواب الشرط ( فهو رد ) هنا بمعنى مردود ( والذي يبدو أن ما عدل من صيغة مفعول إلى صيغة أخرى يفيد المبالغة عموما وذلك لأن النقل يفيد المبالغة في الغالب ) معاني الأبنية في العربية الدكتور فاضل السامرائي : ٣٧
(٨)( الجملة الفعلية : هي الجملة التي يدل فيها المسند على التجدد ، أو التي يتصف فيها المسند إليه اتصافا متجددا ، وبعبارة أوضح هي التي يكون فيها المسند فعلا لأن الدلالة على التجدد إنما تستمد من الأفعال وحدها وقد جاء في التلخيص عند ذكر أحوال المسند : أما كونه - يعني المسند - فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة على أحضر وجه مع إفادة التجدد) في النحو العربي / نقد وتوجيه / الدكتور مهدي المخزومي ، دار الرائد العربي ، بيروت - لبنان / ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م ص ٤١
(٩)( الجملة الاسمية : هي التي يدل فيها المسند على الدوام والثبوت أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافا ثابتا غير متجدد أو بعبارة أوضح هي التي يكون فيها المسند اسما ) / في النحو العربي / نقد وتوجيه ص42
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 03-07-2015 في 04:34 PM.