إنّي بشر
(صرخة على لسان جندي... إنسان)
يا سيدي إني بَشَرْ
لا من لَظَى، لا من حجرْ
عمري سَما في زهرةٍ
أو طائر ناجَى الشجرْ
يا سيّدي ما لي إذنْ
متلوّذًا بمسدّسٍ
مِن رُفقةٍ عِشنا هنا
نحسو معا كأسَ الزمنْ
ها أحمدٌ..
كنّا هنا، نلهو صغارًا بالكرةْ
يبكي إذا ما قد جُرِحتُ، وفي المفارحِ كَرْكَرةْ
في ثَغْرِهِ، ما زالَ طعمٌ مِن رَغيفي ذاكرةْ
ما زالَ دِفْءُ الكفِّ في كفّي رنينَ مُصافحةْ
في الأُذْنِ ثَرثرةُ الليالي، ذِكرياتُ البارحةْ
ما زلتُ خارجَ مسجدٍ رَيْـثًا لِيُـنهِيَ فاتحةْ
نَرنو لأبراجِ الكنائسِ والمآذنُ صادحةْ
يا سيّدي هذا هو
ذُلاًّ أمامَكَ جاثما
في قيدِنا يَعوِي دَما
ونَراهُ وغدًا آثما
قلبي تَمزَّقَ
مثلَ هذي الخِرقةِ الخَرقاءِ
فَوقَ لَبانِهِ المَصبوغِ سَوطَ عذابِنا
دَمعي يَسيلُ
كمثلِ نهرٍ
مِن لهيبِ الآهِ تَلعنُ جَورَنا
ويلي أنا
يا سيدي
باللهِ كيفَ تَمدُّ كفَّكَ بالسياطِ لأجلدَهْ؟
باللهِ كيفَ تَزجُّ سيفَكَ لي فأبترُ ساعِدَهْ؟
باللهِ كيفَ يموتُ جوعًا في الليالي الباردةْ؟
يا سيدي ما ذنبُهُ؟
ذي أختُهُ عذريةُ الأوصافِ
تأمرُني لأهتِكَ عِرضَها
ذي أمُّه ولَطالما نادتْ عليّ بابْنِها
وتقولُ: فاخسفْ دارَها
وتقولُ: مَزّق طُهرَها
وتقولُ: وانسفْ رأسَها
وتقولُ: أوقدْهُم بنارٍ لا يَخفُّ أُوارُها
يا سيدي ما ذنبُهم؟
بل سيدي ذنبي أنا؟
لَوَدَدْتُ لو أبكي دمي وأنا أقبّلُ نعلَهمْ
لوددتُ لو عادَ الزمانُ وعدتُ فردًا بينَهمْ
ومزجتُ في صَفْوِ التوادِّ صليبَنا وهلالَهمْ
لكنَّهم يا سيدي بصقوا بوجهي أغلقوا أبوابهمْ
ورأيتُ نفسي وحشَ ذُعرٍ في عيونِ صِغارهمْ
وتَلطَّخَ اسمي بالحقارةِ والدناءةِ عندَهمْ
متأسّفٌ يا سيّدي
لا أنضوي كلبًا لكمْ
ولتفعلوا ما راقَكمْ
لكنْ أنا... إنّي بَشَرْ
محمد حمدي غانم
1996
كم يروق لي أن يستيقظ الانسان فينا
فنحاكيه ونسامره فتقوى بيننا أواصر المحبة
حرفك غنّ الالم ورسم مشهدا رأينا من خلاله الجندي
وهو يتألم من رأي الناس به
كم كان حرفك صادقا
تقديري
الجندي مأمور ومجبر على تنفيذ أوامر المافوق ..لكن هنالك أوامر لاتستسيغها النفس الأنسانية ولا الضمير الحي ،
فوجوب الثورة عليها وكسر القيد شيء يعتمد على الذات والوعي بما يدور ..
دمت ودام نبض يراعك أخي الفاضل
أعطر التحايا