تهويمة في نصّ للمبدع خليل الشامي بقلم الأستاذة: منوبية غضباني - تونس

النّص المشتغل عليه
حلم لم يزهر
--------------
رحلت الشمس
تزودت بنبيذ الغروب
لتقيم خلف العيون
ليلة عشق و مجون
ويتسكع الليل بين الدروب
يحرس الشياطين
تراقص أنثى السكون
ومن بين الحفون و الجفون
يتسلل الصهيل
يعتلي الآكام
يتلوى كما المجنون
يتسلق الأفق البعيد
يمتص رحيق النجوم
و بين الشفاه واللسان
يتولد ألف عنوان
لقصيد حروفه دموع
تغتسل بها أنثى الضياع
بين خريف متكبر
أوراقه مبعثرة
وربيع ساخر
أزهاره نضرة
وبين هذا وذاك
شتاء قاهر
لياليه نمرة
تفترس جراء الخريف
أين المفر؟
كل الجوازات أُعْدمت
الشمس هربت
والليل فراش وغطاء
للعاهرات
تنخر الأجساد العابرة
بين أوراق مصفرة
تكنسها ريح صرصر
تواريها بين رمل و حجر
غابت الشمس
وغاب القمر
وغاب في جوف الليل
حُلُمٌ وُلِدَ..لكن ... لم يُزْهِرْ
----------------------
خليل الشامي
05/04/2015
نصّ شعريّ موغل في حلم لم يزهر لمبدع مثقّل بهواجس وقلق...به من المضامين ما يفصح في تجلّ عمّا ترزح فيه النّفس من هموم ولعلّ العنوان وحده كفيل بإقحام المتلقي في بوتقة حلم لم يزهر..فبدءا بالعنوان يمكننا استشراف ظلال المعاني والمضامين التي يحفل بها النّص..
وقد استهل الشامي نصّه معلنا رحيل الشّمس في تدليل حالة فكرية نفسية وجدانية يكون فيها غروب الشّمس مانحا للأمان والتّستّر والكتمان ...ولعلّ مفردة(نبيذ) تشيع مفعولها ودلالتهاوتتيح للآتي من الكلام ..فلا يخرج قاموسه عنها ...(مجون وعشق وتسكّع)..(وليل يحرس شياطينه) .ولكنّها تتخّذرحابة تعبيريّة تخرجها من سياق مدلولها الظّاهر ...فالمتستّر والمخفيّ أرحب وأرقى..ولعلّ مايبهر قدرة الشامي أحاسيس وانفعالات وجدانية فكريّة على صياغةالصّورة بجنس تعبيريّ به من التّأويلات وتألّق العبارة ما يتعالق مع مضامين ومقاصد أراد بثّها...فعن أي انثى يتحدّث في قوله (أنثى السّكون)فالانثى هنا رمزيّةتعتمد على تأويلات يصيبها المتلقي وفقا لامتزاجه بالنّص وتفاعله معه..
وكلّما تقدّمنا في مباشرة هذا النّص بالتّحليل والتّمحيص والكشف عن عناصره ومكامنه الجماليةأدركنا ما يعتري ذات المبدع من صراعات وارهاصات تبدو جليّة في هذا المقطع
ومن بين الحفون و الجفون
يتسلل الصهيل
يعتلي الآكام
يتلوى كما المجنون
يتسلق الأفق البعيد
يمتص رحيق النجوم
و بين الشفاه واللسان
يتولد ألف عنوان
لقصيد حروفه دموع
فالمعجم اللّغوي الذي يحفل به هذا المقطع وطريقة مزجه وترتيبه شكّل الوضع الاعسر لحالة مكابدة يعيشها المبدع ..ف(بين وبين )بها تدليل على تموضع دقيق وهي من أغراض الكلام الدّقيق المؤدي للمعنى..وتسللّ الصّهيل من المعاني الدّقيقة التي تطيح بضخامة وقوّة الصّهيل في تدليل لإحباط ما وخيبة ما ...وعسر ما ..ففيها من إثارة الهمّة ما فيها..والصّهيل للخيول التي لا يكبح لها جماح ...فكيف بالصهيل وهو يتسلّل وما عهدنا ....وفي مفارقة عجيبة يتسلّل ليعتلي الاكام ....يتلوى كمجنون..يتسلّق افقا بعيدا وهي صور شعريّة بها من الرّمزيّة والإستعارات مايستشعره القلب وما يخلّف تاثيراته في متابعة هذا الحلم الذي لم يزهر ..ليفتح شجنه على مصرعيه فيما تبقّى من النّص
واستعما ل ثان لأنثى تخرج من سكونها الى الضّياع
والضياع تجسّمه لوحة بها من عنف وتقلّب الطّبيعة وشجن الفصول ما يفعم
فالخريف متكبر
والشتاء قاهر
والربيع على نضارته ساخر
وغيرها من الصور التي تثير في متلقيها احساسا بالخيبة والخذلان..
ويأتي السؤال صاعقا صارخا
أين المفرّ؟
كل الجوازات أُعْدمت
الشمس هربت
والليل فراش وغطاء
للعاهرات
تنخر الأجساد العابرة
بين أوراق مصفرة
تكنسها ريح صرصر
تواريها بين رمل و حجر
غابت الشمس
وغاب القمر
وغاب في جوف الليل
حُلُمٌ وُلِدَ..لكن ... لم يُزْهِرْ
ففي تكثيف دلالي يتحوّل النّص كإجابة معتّمة ويجيئ نسيجه الللغوي التعبيري بمثابة تدمير وتقويض لهذا الحلم
قديرنا الشامي استهواني نصّك الشّعريّ الرّاقي فوقفت في قراءة متواضعة غير أكادميّة على مكامن جماله فأرجو ان تسمح لي بهذا فقد اكون نأيت عن مقاصدك فيه وقد قيل أنّ النّص بعد خروجه الى المتلقي يصبح ملكا له ليحدث فيه ما يحدث من ردّة فعل وخلخلة أبداعية ...فنصّك به من الإنفلاتات الإبدعية والصّور الشّعريّةوالمحسنّات البلاغية من إستعارات ومجازات ما يغوي ويستهوي...دمت مبدعا كما أنت