ثلاث احداث ، جعلتني اتذكرها بألم ، لكونها تعبر عن ضحالة ثقافتي اولا ، وعن تهوري الذي يتعارض مع تربيتي وأخلاقي !!!!!
الحدث الاول
خالتي والعائلة كانوا يعيشوا في الأعظمية في منطقة ليست بعيدة عن النادي الاولمبي ، وكانوا يعزوني جدا ويهتموا بشؤوني اسوة بباقي اقربائي.
زوج خالتي كان مدرس ميكانيك في مدرسة الصنائع العسكرية ، والعجيب فيه : لا توجد قاصة او سيارة الا ويفتحها بكل سهولة. اتذكر يوما محاسب نادي الضباط فقد مفاتيح القاصة وحار بأمره. كنت عندهم ، واتصلوا به ، ذهب في الحال وفتحها بكل سهولة !!! سمعت احد اقربائي يقول : لا يمكن الا ان يكون اصله حرامي ههههههههههههههههههههههههههههه
تراه قليل الكلام ، ويعشق العمل ، حتى في البيت ، تراه بلباس العمل الازرق !!
كنت ازورهم بين حين وآخر ، كما ازور اقربائي الاخرين. كنت اشعر بمعزتي عندهم قاطبة وكانوا يهتموا بأحوالي جدا.
بنت خالتي مديرة مدرسة ، متزوجة بمهندس موصلي ، وما زاد في استغرابي أن اخاه كان صديقي وطالبا معي في المتوسطة ، وكان اسوة بغيره لا يعرف عني سوى اني موصلي ومن الطبقة الفقيرة لا اكثر.
في احد الايام خابرتني بنت خالتي (ام سعد) وترجتني ان أتناول معهم طعام الغداء ، وقالت : ستكون مناسبة لطيفة ، لتتعرف على اخ زوجي ، وهو ضابط ، ويحب ان يتعرف عليك.
ذهبت لزيارتهم ، وكان يوم جمعة من عام 1957 ، وفرحوا جدا بوجودي ، وتعرفت عليه وكان في غاية اللطف والأدب معي ، المائدة نصبت ورائحة الطعام المشهية قد ملأت البيت. خرجت بحجة اغسل يدي ، وسالت بنت خالتي ( ام سعد ) ما منصبه في الجيش؟
اجابتني زعيم ، وهو رئيس المخابرات العسكرية واسمه احمد مرعي ، أخذني العجب !!!!!!! و تألمت ، بل وندمت على زيارتي لهم. كتمت عنهم ندمي ، وكنت جالسا بجانبه.
صار يتحدث معي بكل طيب ، وأعطاني تلفونه الخاص قائلا : ابني صلاح أي صعوبة تواجهك اتصل بي لأنك من اهلنا.
اجبته حرفيا : انا لا اتصل بعميل استعماري مهما احتجت ، فأجابني بلطف : لا ابني صلاح ثق نحن لسنا عملاء للاستعمار ، ونحن لا نقل وطنية عن غيرنا ، وأنت كشاب متأثر بأفكار الشيوعيين الكفرة ، والمسمومة.
خالتي التي تحبني صاحت منزعجة : كن مؤدبا يا صلاح ، واحترم من هو اكبر منك سنا. في الحال تركت البيت غاضبا ، وما دخلته ثانية ، مع أن خالتي اعتذرت لوالدتي مرارا ، غير أني لم ازرهم ثانية ، بل ولم اودعهم عند مغادرتي العراق !!!!!!
مضت أيام ، ومضت سنين طويلة ، وصرت احلل سلبياتي ، وايجابياتي مع الاهل ، ومع بعض الاقرباء ، فوجدتها : لا تدل الا على جهل ، مصحوب بالتهور ، وبعيد عن مكارم الاخلاق ، بيد أني في حينها ، كنت اعتبرها نوع من الشجاعة ، والوفاء لشعبي ، ووطني !!
اتصلوا بي تلفونيا ، وأنا خارج العراق ، وعاتبوني ، على سفري دون ان اودعهم ، فشعرت بخجل كبير ، وذنب ثقيل ، ما زلت اتحمل اعباءه.
الحدث الثاني
زرت في احدى ايام الجمعة ، احد اقربائي المقربين ( من الوالد ) وكان يشغل منصب رئيس محكمة التمييز العليا ، زرته في بيته. رحبوا بي بحرارة ، وفرحت العائلة بزيارتي جدا.
بعدها جاء هو وجلس بجانبي ، وصار يكلمني كوالد ، وينصحني أن انشغل بدراستي ، ولا الهي نفسي في الامور التافهة . كنا جالسين في غرفة معتدلة الجو ، تطل على حديقة البيت الجميلة ، وعلى شارع . نظرت للخارج ، فوجدت صبيا ، حافي القدمين يسير وبغداد كانت تلتهب حرا. سألته : انظر يا عمي الى هذا الصبي الحافي القدمين ، يمشي على هذا الرصيف الحار ، ونحن جالسين في هذا القصر بجوه المعتدل ، اتراها عدالة ؟ نهض في الحال ، ومسك يدي بعصبية ، وأخذني الى مكتبته الكبيرة ، وقال منزعجا : أترى هذه الكتب ؟ كم سهرت ليال في دراستها حتى وصلت لهذا المنصب. انت كببغاء ، تقلد الشيوعيين ، اعداء ديننا وثقافتنا. لم انبس بكلمة وصار بعدها يلاطفني ههههههه
و الان وبعد مرور سنين طويلة اقول لنفسي : كان علي ان لا اجرح مشاعره.
الحدث الثالث
زرت وزيرا معروفا على الصعيد السياسي ، ليس من اقربائنا ، ولكنه اخ لنسيبي. زرته في محل عمله دون موعد. رحب بي وكان الوقت صيفا. وقال ابني لما لا نراك؟
أجبته : بصراحة لأنكم في نظري عملاء الاستعمار ، والذي احاربه بكل قوتي مع الشرفاء من ابناء شعبي. فأجابني بكل هدوء:
- ابني نحن لسنا عملاء الأستعمار ، في ثورة رشيد عالي الكيلاني كنت سفيرا ، وبعد فشلها سجنت. هل تعرف ، كنت اقابل اباك بكل احترام ولم انبس بكلمة تجرح مشاعره.
فشعرت بخجل ، وبعد حديث طويل ، ودعته غير أني لازلت اتذكر موقفي الذي لا يتحلى بالمرونة مع من قدرني واحترمني.
الان اصبحت استعرض بعض مواقفي واجدها لا تتفق وتربيتي ابدا ، ولكن نتيجة ظروف سياسية معينة ، انجرفنا ونحن في عز شبابنا ، وعن جهل ، ببعض التيارات ، والتي لا تخدم بلدي ، ووطني وأمتي !
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
يتبع
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 11-04-2015 في 08:26 AM.
لدماء الشباب الثائره تأثيرها ,أخي صلاح الدين, ولكل عمر حقه...الأيام تجلي الأنسان وتصقله فلا تحكم على سلوك الشباب بعينك اليوم...كم نندم اليوم على مافعلناه أيام الشباب لكن الزمن لايعود...
ومن منطلق حب الوطن والحرص عليه كانت ردودك في المواقف
الثلاثة ، وبدليل أنه لم يزعل أحد منك ، أو يحقد عليك
ذكريات جميلة رغم ما انتابها من ألم أو حسرة أو ندم
أمتعتنا بقراءتها معك ،، سلم يمينك
لك وليراعك تحية وأمنية بالخير مع التقدير .................................................. ......
مرحبات ببسمة العز ، كيف حالكم يا بلت الحلال؟
مع المصاعب التي احس بها ، ولكن بعون الله تزول.
انا لا اعطي لنفسي المعذرة ولكن هناك خيوط من الاحترام كان علي ان لا اقطعها.
ثقي اشعر بخجل عندما تمر بخيالي.
لك مني تحية مشبعة بالود والاخلاص يا بنت العرب وسلامي للجميع.
اخوك ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
آخر تعديل صلاح الدين سلطان يوم 11-05-2015 في 01:12 AM.
لدماء الشباب الثائره تأثيرها ,أخي صلاح الدين, ولكل عمر حقه...الأيام تجلي الأنسان وتصقله فلا تحكم على سلوك الشباب بعينك اليوم...كم نندم اليوم على مافعلناه أيام الشباب لكن الزمن لايعود...
كبير تحياتي
......................................
الاخ والصديق قيس المعزة.
انت تنطق الان بلغة العقل ، وانا كتبتها الان بلغة المشاعر ، التي هي صدى لايام الشباب!!كلانا محق بقوله ، ولو أن قولك اكثر واقعية من قولي.
سررت كعادتي بتواجدكم ، لانك احد الرموز الوطنية التي تلتهب حماسا ضد اعداء امتنا العربية ، وهذا ما يزيدني فرحا وافتخارا بمن هم من امثالك من ابناء امتنا المجيدة.
سيل من سلاماتي ، والتي تنعش بذور النضال ، وفي الوقت نفسه ، تلهب بذور النضال على الساحة العربية.
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
مراحل العمر لها سماتها وخصائصها وللشباب منها اسلوب الاندفاع والتزمت والاصرار
وأنت في تلك المرحلة لم تختلف عن هذه السمات الا بزاوية الاعتداد والجراة
متابعون لك أخي العزيز استاذ صلاح الدين
.............................................
اخي العزيز واستاذي المكرم فضيلة الدكتور اسعد النجار.
تحية ملؤها الشوق والاعتزاز.
(( مراحل العمر لها سماتها وخصائصها وللشباب منها اسلوب الاندفاع والتزمت والاصرار ))
نعم ، صدقت بما تفضلت به ، ولكن مع هذا ، كان لها صداها السلبي على صعيد العلاقات الانسانية.
مع هذا فلا استطيع أن اغير من واقع الامر شيئا ، لان منهم من قضى نحبه ، والاخرون يفكروا الان بالواقع المؤسف الذي يعيشه ابناء وطني الكرام.
عاصفة من السلامات من اخيكم في برلين ، داعيا رب العباد أن تكون بردا وسلاما عليكم جميعا.
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
مرحبا بالعزيز صلاح
رائعة هذه الذكريات ..نررت لأسلم عليك ولي عودة بأذنه تعالى
......................................
اخي النبيل قصي الطيب.
تحية ملؤها الاخوة.
ان اتيت ثانية او لم تأت ، فانت أنت المعزز والمكرم.
وجودك اشراق اخوي ، وربح في عالم المشاعر الانسانية.
اهلا بك الان ، والف اهلا مقدما يا ابن العراق الابي.
تقبل سلاماتي الاخوية ، ودمت اخا وصديقا عزيزا.
اخوك ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان