سألتُ ظلامَ الليل حين غفا الورى....و لم يبْق غيرُ الصمْت عنْ بهجة العمر
فقال تمسّكْ بالكفاح فربَّما ..................تكونُ مع الأزهار في ضفّة النهرِ
فرحْتُ إلى الأَزْهار أَحْملُ عدّتي..........وقلبًا صَبورًا في الطريق على السير
و لكنْ وجدْتُ النهْرَ قدْ فاضَ فاخْتفتْ....كأنْ لمْ تكنْ دنيا منَ العطْر و السّحْر
جَمَعْتُ أَحَاديث العلى و حَملْتُها ...............معي مثْلَ عكَّاز أَشدَّ به أزري
دَخلْتُ إلى العُمْران عنها مُفتشًا........و لمْ ألق ما يقضي على صَوْلة الضرّ
وَجدْتُ زُحامًا غارقًا في ضجيجه........وَ فوْضى تزيد المرْءَ وِقرًا على وِقر
وطفلاً يلاقي الضرَّ في أوَّل العمر.......و شيخًا يلاقي الحيفَ في آخر العمر
وجدتُ أناسا يشتكون خصاصةً...........و يحيون مَحْبوسين في عالم القهر
فمَا أَتْعسَ الإنسانَ في قَبْضَة العُسْر.....وَ ما أَسْعدَ الإنْسَانَ في فسْحَة اليسر
جَلَسْتُ و لكنْ مثلمَا يَجْلس الذي............أحسَّ بأوجاع الحُمولة في الظهر
وَ حتَّى حواشي الفجر لَمَّا سألتها .........أجَابتْ بقولٍ جاء مُرًّا على فكري
أنا الآن في شغلي فدعْني ولا تكنْ........مُصرًّا على تَحْويل صفْوي إلى كدْر
جَلَسْتُ لكيْ أرتاحَ ظهْرًا كَأنَّني...........لشَوْقي إِليْهَا قدْ جَلَسْتُ على الجَمْر
و لمَّا سألتُ الطيرَ عنها أجابني............سؤالكَ لمْ أفهمْه فاسْألْ به غيري
دَخلتُ إلى الصَّحْراء عنْها مُفتّشًا .........و لا شيْءَ فوقي غَير صَانعة الحرِّ
وَجدْتُ سرابًا يملأ النفسَ بالأسى............و حَرًّا شديدًا يملأ الجسْمَ بالضر
فعدْتُ منَ الصَّحْراء مُرْتعشَ الخطى.......كمثل الذي لمْ يصْحُ بعدُ من السُّكْر
سألتُ غمامَ الصُّبح عَنهَا فقال لي.........بربّكَ رحْ عنِّي فلسْتُ الذي يدري
وفتَّشْتُ عنها في البساتين والربى....وفي الدير والأَكْواخ والحِصْن والقصْرِ
دخلتُ الى تلك البقاع بلهْفة .............و لم ألق ما فيه الخلاصُ من الوِقْر
وواصَلْتُ عنها البحْثَ منْ كلِّ جانبٍ....دعاني إليها الشوقُ في السرِّ والجَهر
إذا السأمُ في التَّفتيش حام بجانبي........تقوَّيْتُ بالإصْرار و العزْم و الصَّبر
فلا تُدْركُ الأشياءُ دونَ مشقَّة.............و لا بدَّ في الدنيا من الحلو و المرِّ
و أنَّ قويَّ النفسِ منْ ظلَّ صَامدًا.........و لمْ يَتوَقَّفْ في الطريق عن السَّير
وأنَّ الفتى إنْ لم يكنْ ذا عزيمة.................تَجاوزَهُ نهرُ المعالي إلى الغير
و بعدَ مُعاناة الكِفاح وجدْتُها.................فَأغْلقْت ُ أَبْوابَ التذمُّر في دَهْري
وفارقْتُ دنيا النَّحْس والعسْر والأسى.....وعانقْتُ دنيا السّعْد واليسْر والبِشْر