" أفرأيتم النار التى تورون . أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون "
-----------------------------
-هل تستطيع أن توقد نارا من غير شجر ؟
- ماذا يعنى من غير شجر ؟
- أى من غير حطب يابس
- هذا كان زماان يا أخى . زمن نزول القرآن الذى خاطب البدو فى الصحراء . لقد تقدمت البشرية وتركت الحطب واستخدمت وسائل أخرى عديدة بدءا بالفحم النباتى ..
- ولكن الفحم النباتى استخرج من الشجر أيضا
- ثم استخدمنا الفحم الحجرى . هل ستقول إنه من الشجر أيضا ؟
- نعم . إن الفحم الحجرى كان فى الماضى البعيد نباتات بجميع أشكالها طُمرت بالطين والرواسب بشكل هائل لملايين السنين فخرج منها الأوكسجين وبقى الكربون والكربوهايدرات الغنية بالطاقة التى تتحرر عند حرقها .
- عجيب . كنت أظن أن الفحم الحجرى صخور جبلية . وماذا عن النفط والغاز الطبيعى ؟ لا تقل لى إنهما كانا شجرا
- نعم ، فالغاز الطبيعى أو النفط عبارة عن بقايا نباتات وطحالب وحيوانات برية وبحرية ماتت منذ دهور طويلة وترسبت فوقها طبقات أرضية عرّضتها لضغط شديد وحرارة عالية فتحللت هذه المواد لتصبح مواد سائلة . فأصلها إما نباتات أو حيوانات تغذت على النباتات .
- إذن كل وقود نستخدمه لإشعال النار يعود أصله إما لشجر أو لحيوان
- فى الواقع يعود الأصل للشجر . لأن الحيوانات التى ماتت منذ زمن سحيق فتحولت إلى نفط إنما تغذت بالنبات فتكوّنت فى أجسادها طاقة مستمدة من النبات . وإن كانت من آكلات اللحوم فقد تغذت على آكلات النبات فاكتسبت منها الطاقة المخزنة فيها بفضل النبات .
ومن ثم تكون الآية الكريمة " أفرأيتم النار التى تورون . أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون " - 71 الواقعة - هى الحقيقة المطلقة على مر العصور .
(أفرأيتم): الهمزة للاستفهام الإنكاري التقريعي والتوبيخ، والفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة.
(أرأيتم): بمعنى "أخبروني".
من البلاغة في هذه الآيات (فن التسهيم) وهو أن يكون ما تقدم من الكلام دليلا على ما يتأخر منه أو بالعكس، فقوله «أفرأيتم ما تحرثون» إلى قوله «أفرأيتم النار التي تورون» تقتضي أوائل هذه الآيات أن أواخرها اقتضاء لفظيا ومعنويا كما ائتلفت الألفاظ فيها بمعانيها المجاورة الملائم بالملائم والمناسب بالمناسب لأن ذكر الحرث يلائم ذكر الزرع والاعتداد بكونه سبحانه لم يجعله حطاما ملائم لحصول التفكّه به وعلى هذه الآية يقاس نظم أختها.
وأوائل هذه الآيات عبارة عن استيفاء المتكلم جميع الأقسام للمعنى المذكور الآخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا، فقد عدل عن لفظ الحرمان والمنع إلى لفظ هو ردفه وتابعه وهو لفظ (الجعل) إذ قال «أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما» وكذلك جاء لفظ الاعتداد بالماء حيث قال «لو نشاء جعلناه أجاجا» بلفظ الجعل عند ذكر الحرمان وما هو في معناه وجاء العطاء بلفظ الزرع في الحرث وفي الماء بلفظ الإنزال، فإن قيل: لِم أكّد الفعل باللام في قوله في الزرع: «لو نشاء لجعلناه حطاما» ولم يؤكده في الماء حيث قال: (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ؟ قلت: لأن الزرع ونباته وجفافه بعد النضارة حتى يعود حطاما فما يحتمل أن يتوهم أنه من فعل الزراع ولهذا قال سبحانه:«أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون» أو يتوهم أن خصبه من سقي الماء وأن جفافه من حرارة الشمس وعدم السقي أو تواتر مرور الإعصار فأخبر سبحانه أنه الفاعل لذلك كله على الحقيقة وأنه قادر على جعله لو شاء حطاما في حالة نموّه وزمن شبيبته ونضارته فلما كان هذا التوهم محتملا أوجبت البلاغة توكيد فعل الجعل فيه وإسناده لزارعه على الحقيقة ومنشئه لرفع هذا التوهم، ولما كان إنزال الماء من السماء محالا بما لا يتطرق احتمال توهم متوهم أن أحدا من جميع الخلق قادر عليه لم يحتج إلى توكيد الفعل في جعله أجاجا فإنه لا يمكن أن يتوهم أحد أن أحدا ينزل الماء من السماء أجاجا ولا عذبا الذي هو أسهل من الأول وأهون.
بوركت استاذنا