(1)
الوصايا العَشْرُ التي أنزلها الله سبحانه هدىً لبني إسرائيل مِن قَبْلِ إنزال كتابِ موسى، كما وثَّقها الله سبحانه في الآيات (151- 153) من سورة الأنعام
في كتابه العظيم القرءانِ الكريم ، والخطاب لأهل الكتاب :
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً {38}
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ
وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ
فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً {39}
*****
يستطيع الدارس إذا أجرى دراسة مقارنة بين الوصايا العَشر عند كلٍ مِن الطائفتين أن يرى الفرق بين المجموعتين مع كونهما من المصدر نفسه ، بسبب اختلاف العَصرين وكونِ المجموعة الآخـِرة منهما أُنزلت لتكون عالَمية دائمة لا يَنسخ نصوصَها أيُّ نصٍّ بعدها ولا قَبْلَها :
( لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ {64}) يونس .
ومن ذلك الوصيّةُ بالوالديْن مَثلاً . فالقدْر المشترك هو قوله سبحانه (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا ) . فالإحسان يكون إلى كل مايمُتُّ بصِلة إلى الوالدين (بالوالديْن) وليس (إلى الوالديْن) فقط ، لأن حرف الجرّ المتعلّق بالإحسان عادةً هو (إلى) : ( وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ).
ولكن الوصية القرءانية بالوالدين فصّلت هذا الإحسان في 97كلمة إضافية ( إما يبلغنّ....... بصيرا ).
فتكون هذه الوصية القرءانية المفصَّلةُ قد نَسخت الوصية التوراتية بخيرٍ منها . وكذلك أكثرُ الوصايا القرءانية الأخرى . أما آية اليتيم التوراتية فقد نُسِخت بمثلها بأنْ كُتِبت الآية القرءانية مِثلَها :
( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )
من الأمثلة البينة على نسْخ الآيات القرءانية لآياتٍ توراتية آيةُ القِصاص عند أهل الكتاب التي نَسخت حُكمَها آيةُ القِصاص القرءانية
( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {45} ) المائدة .
فالقِصاص المكتوب ( المفروض المُوثَّق ) على أهل الكتاب كان قصاصاً في النفس والأعضاء كما ذكرتْه آية المائدة هذه . أما القصاص المكتوب على الذين ءامنوا فهو القصاص في القتلى فقط ، وهو حُكم وَسطي :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {178} )البقرة