الانماط الفنية في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
الانماط الفنية في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
قال النبي صلى الله عليه وسلم (ان مثل ما بعثني الله1 كمثل رجل أتى قوما فقال : رأيت الجيش بعيني واني أنا النذير العريان2 فالنجاء النجاء3!! فأطاعته طائفة فأدلجوا4 على مهلهم فنجوا ، وكذبته طائفة فصبحهم5 الجيش فاجتاحهم )صحيح البخاري/ باب الانتهاء عن المعاصي : 6117
الأنماط الفنية
تكمن مزية أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم وبلاغته في تعدد أساليبه وأنماطه المنسجمة مع الخطاب الذي يوجهه فقد بحثنا في حديث سابق حديثا يبدأ بـ ( إن مثل مابعثني الله من الهدى والعلم ) وعلى الرغم من تشابه الأسلوب في المشبه لكن المشبه به أفضى إلى لون من ألوان الخطاب يتسم بالايجاز وأنواع متعددة من التوكيد وكان المشبه به أحد أشكال السرد القصصي بما به من فكرة وشخصيات وحبكة إذ انفتح المشبه به على نوع القصة القصيرة جدا6 وهي لوحة أدبية مكثفة الصورة تعتمد على المفاجأة أو المفارقة7 (فمثلي )يقابله المشبه به (رجل)(ومثل مابعثني الله)يقابله المشبه به الجيش الذي رآه الرجل وهو الرسالة التي بعث بها الرسول وكما هو معلوم ان القصة القصيرة جدا هي من اصعب فنون السرد لأنها يجب ان تؤثر على المتلقي بضربتها الفنية وتشحنه وتجعله يتوقف عندها ولما كان من شأن هذا الفن ان تكون فيه البداية مهمة والنهاية مهمة فبدايتها (رأيت الجيش بعيني وأني انا النذير العريان )وهي بداية مدهشة تدع المتلقين يتوقفون عندها في توجس وتمعن وليس هنالك وقت للأطالة لدى الراوي العليم ولاوقت للمتلقي فعليه ان يتخذ القرار السليم والا فأن الجيش سيستأصلهم لأن هنالك توكيدأ للرؤية بالحرف إن وبالتوكيد اللفظي في الضمير أنا الذي جاء توكيدا للضمير المتصل اما النهاية فكانت صورة تعتمد على المقابلة (فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا وكذبته طائفة فصبحهم الجيش فأجتاحهم )وهذه المقابلة ليست كما يزعم البعض انها من المحسنات البديعية وانما هي محور الصورة وروحها وجسدها وقد انتهى السرد نهاية مهمة فالذين كذبوا رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مصيرهم الأجتياح وهذه هي تقنية اللقطة السريعة في القصة القصيرة جدا المعتمدة على نمط الحدث لكن في هذه اللقطة السريعة كان التوازي الصرفي وتوافق الفقرات والفواصل مما يجلو الصورة ويدد مساراتها وحين نصل الى قول النذير العريان نجده يقول (فالنجاء النجاء)وهو مفعول به لفعل محذوف مع فاعله وجوبا ولكن المحذوف يتنازعه صراع معنيين هما الأغراء والتحذير وهو الزموا وتمسكوا بقولي وعليكم ان تسلكوا طريق النجاة وهو السراط المستقيم أو احذركم من الجيش القادم فأسرعوا الى تلافي حصول الكارثة إن المفاجئة بترك معنيين في سمع المتلقي متضادين يبعث على اتخاذ القرار في أقصى سرعة فضلا عن ذلك فأن الحديث الشريف فيه نص غائب وهو أنه يشير إلى أن المنذرين كانوا حين نبههم في ظلام دامس اشارة إلى ان القوم قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في ضلال.
1.المثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب والتفهيم والتصوير ..ما بعثني الله أي ما بعثني به أليكم 2.عبارة مثلية يراد بها الذي ينذر بالخطر مصرحا به لا يحتجز حقيقته 3.أسرعوا واطلبوا السرعة 4.الادلاج السير أول الليل 5.صبحهم: أتاهم وأغار عليهم صبحا ، واجتاحهم: استأصلهم
6 القصة القصيرة جدا فن سردي يعتمد على الضربة الحادة أو المشهد المعتمد على المفارقة في حدثين يجريان في الوقت نفسه أو تصوير حالة انسانية برهافة حس فائقة / مجلة الموقف الثقافي بغداد العدد 7 / 1997م بقية ليل والقصة القصيرة جدا/ باسم عبد الحميد حمودي ص119 7 المفارقة هي صيغة بلاغية ترمي إلى تخفيف القول بقصد إظهار قوة نقيضه / المفارقة تأليف دي سي ميوميك ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة دار الحرية بغداد 1982م ص 29
من كتابي (من ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية ) تأليف محفوظ فرج إبراهيم / مطبعة النحلة ، مجمع باب المعظم ، بغداد 2006م