مقدمة "إكمال الإعلام بتثليث الكلام" ومنهجه لمحمد بن عبد الله بن مالك الطائي، الجياني
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالله التوفيق
قال الشيخ الإمام العالم الفاضل الكامل المحق المحقق، فريد الدهر، وحيد العصر، جمال الدين أبو عبد الله (محمد بن عبد الله بن مالك الطائي، الجياني)، قدس الله روحه، ونور ضريحه:
الحمد لله الذي فضل الإنسان على كثير ممن خلق تفضيلا، وأسجل الإحسان فلا يزال وافرا جزيلا، وجعل اللسان على ودائع القلوب دليلا، وكمل البيان للنطق العربي تفريعا وتأصيلا، ونزل به القرآن تبيانا لكل شىء وتفصيلا.
أحمده حمدا يكون بشكر نعمه كفيلا، ويبوئ قائله في منازل المقربين مقيلا، وأصلي على نبيه محمد أهدى المهتدين سبيلا وأصدق الصادقين قيلا، صلى الله عليه وعلى آله بكرة وأصيلا.
أما بعد فإن تثليث الكلم فن تميل نفوس الأذكياء إليه، ويعذر من قوى حرصه عليه، فإن فوائده في سبل الأدب كثيرة، وإصابة النفع به غير عسيرة. فمن فوائده: انقياد المتجانسات لطالبيها وامتياز الملتبسات بكشف معانيها.
وأول من عني بهذا الفن (محمد بن المستنير) لكنه لم يتأت له منه إلا قدر يسير، وما برئ مع الإقلال من الإخلال، ولا وقى مع الإهمال رداءة الإستعمال.
وقد عني بعد ذلك به جماعة من الفضلاء وأكابر الأدباء، أحقهم بالإحصاء، وأوثقهم في الاستقراء والاستقصاء الإمام العلامة الفقيه اللغوي النحوي (أبو محمد عبد الله بن محمد ابن السيد البطليوسي) (رحمه الله)، فإنه صنف فيه كتابا أنبأ عن غزارة فضله، وكاد يعجز عن الإتيان بمثله، إلا أن في إيراد ما أودعه إطالة لفظ تثبط عن الحفظ، وتفريقا بين الأشكال يوقع في بعض الإشكال.
وكنت قبل وقوفي عليه قد جمعت في هذا الفن كتابا كافيا بالمطلوب وافيا، فلما وقفت على هذا رأيته مهملا لبعض ما أثبته، ومتضمنا لنقل أغفلته، فرأيت أن أبذل جهد المستطيع فى نظم شمل الجميع بكتاب يحيط بما لا يطمع في المزيد عليه ولا تسمع نسبة خلل إليه، مسمى لذلك ب(إكمال الإعلام في تثليث الكلام).
فسلكت من الإيجاز أسهل سبيله وجعلت وضوح المقصود مغنيا عن دليله، واقتصرت على ذكر الكلمة مصرحا بشرحها، مفتتحا بفتحها مردفا بكسرها ثم بضمها، فلتعلم الحركات وإن لم أسمها.
ومحل الحركات الواقع بها التثليث أول الكلمة، وقد يكون ثانيها أو ثالثها، أو أولها وثانيها، أو أولها وثالثها. ولكون التثليث في الأول غالبا استغني عن التنبيه عليه بخلاف غيره، فلا بد من تعيين محل التثليث منه.
فالكلمة المذكورة بلا تقييد مثلثة الأول، ومحل التثليث من غيرها يتبين حين يعين هذا إن كانت الكلمة اسما.
فأما الفعل فليس إخلاؤه من التقييد مخلا؛ لأن غير عينه لا يكون للتثليث محلا.
وسوف يرد جميع ذلك على الحروف مرتبا، وبحسب عددها مبوبا.
والمعتبر فى التبويب ما حاز الأولية من الحروف المزيدة أو الأصلية، وذلك بعد تقديم باب يتضمن ما ثلث ولم تختلف معانيه فإنه أيضا مطلوب مرغوب فيه. وقد أخر منه إلى المختلف المعاني ما يتكمل أحد وجوهه ثلاثة مبان، إذ لو ذكر هنا لزم التكرار وفات ما نوي من الاختصار.
ومن اللائق بالإيجاز أن أقتصر فى إيراد كلمات هذا الباب على لفظ واحد إيثارا للتخفيف، واكتفاء بسابق التعريف. وحيث لم يكن اللبس مأمونا جعل التقييد بالكلمة مقرونا حتى لا يعدم تقريب، ولا يوقع فيما يريب.
فلذلك أذكر في هذا الباب ما ثلث أوله ثم ما ثلث عينه من الأسماء ثم من الأفعال، ثم ما ثلث أوله وثالثه، وبذلك يتم الباب.
وليعلم الناظر في هذا الكتاب أن أكثر اعتمادي فيما أودعته على كتاب (التهذيب) لأبي منصور الأزهري (رحمه الله)، وكتاب (الأفعال) لابن القطاع، وربما نقلت من غيرهما ك(ديوان الأدب) و(الجمهرة) و(الصحاح) و(غريبي الهروي)، وربما اعتمدت في ألفاظ يسيرة على (أبي محمد بن السيد البطليوسي) لم أجدها لغيره، وكفى به حجة فإنه وإن تأخر بالزمان فقد حاز تقدما في التحقيق والإتقان.
والله يمن بخلوص النية، وحصول الأمنية، ويجعل سعيي مرضيا، ورعيي مرعيا فلا توكل إلا عليه، ولا توسل إلا إليه.