ما أشكل على البعض في قصيدة البردة للإمام البوصيري
في قوله :
يا اكرم الخلق مالى من ألوذُ به
سواك عند حلول الحادث العمم
يقول العلماء الربانيون الإمام البوصيري قالها في معرض الحديث عن الشفاعة يوم القيامة، وهوالحادث العمم ولاشك أن أهل الموقف يلجؤون إلى الأنبياء، فيردهم كل نبي إلى أن يصلوا للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيلوذون به صلى الله عليه وآله وسلم والحديث بذلك موجود في الكتب الستة، وهو من عقائد الإسلام.
ثم تأمل قوله : يا أكرم الخلق - يعني وصفه بأنه مخلوق وليس ربا ً من دون الله فمن يفهم غير ذلك ففهمه قاصر.والحادث العمم هو يوم القيامة، ولا حادث عمم أكبر وأعظم من هذا الحادث. وقوله في القصيدة :
فإن من جودك الدنيا وضرّتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
في كلامه تقدير مضاف إي خيري الدنيا هدايته صلى الله عليه وآله وسلم للناس، ومن خير الآخرة شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم فيهم.
فأي إشكال في هذا الفهم ياعباد الله؟
بل إن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم رفض الدنيا بما فيها زاهداً فيها فضلاً عن تملكها ثم الجود بها، والأحاديث في هذا متواترة.
أخرج أبو يعلى بإسناد حسَّنه الهيثمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم :"يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب".
بخصوص علم اللوح والقلم:
جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس رضي الله عنه أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حَتَّى أحفوه بالمسألة فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال:" سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم، فلما سمع القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يديه أمر قد حضر، قال أنس: فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل من المسجد، كان يلاحى فيُدعى لغير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة.
ثم أنشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: رضينا بالله رباً،وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، عائذاً بالله من سوء الفتن ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:" لم أر كاليوم قط في الخير والشر،إني صورت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا الحائط".
روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قام فينا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حَتَّى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.
وفي حديث اختصام الملأ الأعلى الذي خرجه الإمام أحمد في مسنده والدارمي والترمذي والطبراني ومما جاء فيه - فعلمت مافي السموات والأرض وتلا : " وكذلك نُري إبراهيمَ ملكوتَ السموات والأرض وليكون من الموقنين{ الأنعام 75 ، وفي رواية : فتجلى لي كل شيء وعرفت، وفي رواية الطبراني: فعلمني كل شيء … إِلخ.
ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالى أفاض على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من العلوم والمعارف مالا يعلمه إلا الله تعالى القائل له : " وأنزل الله عليك الكتب والحكمة، وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً " النساء113. وما في الآية يدل على العموم والشمول، أي لتعم جميع العلوم الَّتِي علمها الله تعالى لرسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، ولتشمل غيرها من العلوم الَّتِي أفاضها الله سبحانه وتعالى عليه صلى الله عليه وآله وسلم .
فما هو وجه الإشكال إن قال قائل:"إن الله علّمه علم اللوح والقلم. ألست ترى النص النبوي الشريف يقول لك؟:" فعلمني كل شيء، أو فتجلى لي كل شيء عرفت.." الخ. اليس اللوح والقلم شيئين من هذه الأشياء، ثم اليس معرفة الجنة والناروالإخبار عن بدء الخلق حَتَّى دخل أهل الجنة الجنة … الخ مما يزيد عما في اللوح والقلم، الذي لم يكتب إلا ما سيكون إلى يوم القيامة، أما ما بعد يوم القيامة فإن العلم به علم بما ليس في اللوح والقلم.
وهب أنه كتب في اللوح ما سيأتي بعد يوم القيامة، ألا يدخل علم ما يكتب في قوله : فتجلى لي كل شيء.
والمصيبة أننا نرى بعض الأخوة من المسلمين من كفر وشرك الإمام البوصيري.
و هذا لا يجوزشرعاً فإن الإقدام على تكفير المسلم أمر خطير، وزلل عظيم، ويكفي في بيان خطورة ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:” ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حارعليه.”رواه مسلم.
وروى الترمذي: ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله.
وروى أحمد : من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.
وروي عن ابن تيمية " وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حَتَّى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك وليعلم أن الكفر حكم شرعي، والكافر من كفره الله ورسوله. وأن التكفير سمعي محض، لا مدخل للعقل فيه، وإن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعيا قطعيا، ولا نزاع في ذلك. "
وبهذا تعلم أنك إن كنت كفرت من ليس بكافر، فقد ارتكبت خطأ كبيرا، وتجب عليك التوبة، والندم والاستغفار والعزم على عدم العود،ولقد شهدت الأمة المحمدية في جميع مشارق الأرض ومغاربها بصلاح وتقوى الإمام الجليل البوصيري. وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة شاء من شاء وأبى من أبى.
أخرج الترمذي في جامعه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال" إلله لا يجمع أمتي على ضلالة أوكما قال:أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ الى النار) رقم الحديث 2167, وللحديث شواهد عند الحاكم (1/115-116) و عند ابن أبي عاصم في كتابه السنة (85,84,83,82,80) وذكره ابن ماجة في سننه من حديث أنس رضي الله عنه (3950) وذكره السيوطي في الجامع الصغير (1818 ) وقال حديث حسن وصححه الشيخ الألباني في الجامع الصغير (1844) وللحديث شاهد عند الإمام أحمد في المسند (5/145)وفي سنن الدارمي(1/29) وعند أبي داود 4/452وانظركذلك مجمع الزوائد للهيثمي 1/177 باب في الاجماع.
قال أبو محمد بن حزم في الاحكام4/131 وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لاتجتمع أمتي على ضلالة) .
قال الإمام المحقق العالم الشهير ابن حجر الهيتمي في "المنح المكية بشرح قصيدة الإمام الحافظ التقي الورع البوصيري," وإن من أبلغ ما مدح به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من النظم الرائق البديع، وأحسن ما كشف عن كثير من شمائله من الوزن الفائق المنيع، وأجمع ما حوته قصيدة من مآثره وخصائصه ومعجزاته، وأفصح ما أشارت إليه منظومة من بدائع كمالاته، ما صاغه صوغ البسر الأحمر، ونظمه نظم الدر والجوهر، الشيخ الإمام، العارف الكامل الهمام، المتفنن المحقق، البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء، وأشعر العلماء، وبليغ الفصحاء، وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن هلا ل الصنهاجي.. البوصيري ما قاله في قصيدته " البردة".
[/SIZE]