(1)
هل زعلت من صديقك يوما؟ هل زعل منك أحد يوما؟
انتظر، ولا تعجل بالجواب، وانس أمر الأغنية (زعلان ليه، تعال ونا صالحك)، وانس قصة الزوجة الغاضبة (اللي زعلانة من زوجها في بيت أبيها).
لماذا؟
لأننا لا نفهم الزعل كما تراه اللغة العربية.
كيف تراه اللغة العربية؟
هيا نستخبر معجم (مقاييس اللغة) لابن فارس الذي يفاجئنا بقوله: (الزاء والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على مَرَحٍ وقلّة استقرارٍ لنشاطٍ يكون، فالزَّعَل النّشاط، والزَّعِل النشيط. ويقال: أَزْعَلَهُ السِّمَنُ والرَّعْي.
قال الهُذليّ:
أَكَلَ الجميمَ وطاوعتْه سَمحجٌ *** مثلُ القَناةِ وأزعَلَتْهُ الأَمْرُعُ
وقال طرفة:
ومَكانٌ زَعِلٍ ظِلْمانُهُ كالـ *** ـمَخَاض الْجُرْبِ في اليَوْمِ الخَصرْ)
إذا، ليس الزعل هو الحزن أو الغضب كما نفهم، إنما هو النشاط.
ويقول الزبيدي في (تاج العروس من جواهر القاموس) مفصلا: (زَعِلَ كفَرِحَ زَعَلا: نَشِطَ وأَشِرَ، فهو زَعِلٌ، كتَزَعَّلَ. قال العَجَّاجُ:
يَنْتُقْنَ بالْقَوْمِ مِنَ التَّزَعُّلِ مَيْسَ عُمَانَ ورِحَالَ الإِسْحِلِ
وقال طَرَفَةُ:
وبلاَدٍ زَعِلٍ ظِلْمانُها كالمَخاضِ الجُرْبِ في اليومِ الخَدِرْ
وزَعِلَ الْفَرَسُ زَعَلا: اسْتَنَّ بِغَيْرِ فَارِسِهِ. وفَرَسٌ سَعِلٌ زَعِلٌ: نَشِيطٌ، وأزعَلَهُ الرَّعْيُ والسِّمَنُ: نَشَّطَهُ، قال أبو ذُؤَيْبٍ :
أَكَلَ الجَمِيمَ وطَاوَعَتْهُ سَمْحَجٌ مِثْلُ الْقَناةِ وأَزْعَلَتْهُ الأَمْرُعُ
ويُرْوى: أسْعَلَتْهُ، وسيأْتِي. وأَزْعَلَهُ مِنْ مَكانِهِ: أَزْعَجَهُ، عن ابنِ عَبَّادٍ . والزُّعْلُولُ كسُرْسُورٍ: الخَفِيُ مِن الرَّجالِ، عن كُراعٍ. وهو في المُصَنِّفِ لأَبِي عُبَيْدٍ بالغَيْنِ لا غَيْرُ. وقال ابنُ عَبَّادٍ بِهِما .والإِزْعِيلُ كإِزْمِيلٍ: النَّشِيطُ مِن الْحُمُرِ، يُقالُ: حِمارٌ زَعِلٌ وإِزْعِيلٌ إذا كان نَشِيطاً مُسْتَنَّا. وقال اللَّيْثُ: الزَّعْلَةُ مِن الْحَوامِلِ: التي تَلِدُ سَنَةً ولا تَلِدُ أُخْرَى، كذلك تكون ما عاشَتْ. والزَّعْلَةُ: النَّعَامَةُ، لُغَةٌ في الصَّعْلَةِ، وحكَى يَعْقوبُ أنَّهُ بَدَلٌ. والزِّعْلُ بِالْكَسْرِ: مَوْضِعٌ ... وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: الزَّعْلانُ: المُتَضَوِّرُ الذي لم يَقَرَّ له قَرَارٌ، كالمُتَزَعِّلِ ...).
وكذلك بقية المعاجم.
(2)
قد يقول قائل: إذًا، المعنى الفصيح الوارد عن العرب هو النشاط لسبب ما، فماذا عن الألم والغضب؟
ينص (المعجم الوسيط) الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة- على أنه مُوَّلد بضم الميم وتشديد الواو المفتوحة.
ماذا يقول؟
يقول:{زعل زعلا: نشط. و- من المرض أو الجوع: تضور وتلوى، فهو زعل وهي زعلة. و- من الشيء: تألم وغضب (مو)}.
ما معنى "مولد" بضم الميم وتشديد الواو المفتوحة؟
معناه أنه معنى ناشئ بعد عصور الفصاحة التي هي عصور الاحتجاج اللغوي. وقد فسرته لجنة (المعجم الوسيط) ص16 من مقدمة الطبعة الأولى عند تفسير (الرموز التي استعملتها اللجنة في المعجم: 4- مو: للمولد، وهو اللفظ الذي استعمله الناس قديما بعد عصر الرواية).
وقد يقول قائل آخر: هذا هو التطور الدلالي؛ فإن المادة اللغوية اكتسبت معنى جديدا طرأ عليها في عصر ما لسبب ما.
وأقول لهذا القائل: إنه تطور غير فصيح، ويجب العودة إلى المعنى الفصيح الوارد عن العرب.
لم؟
لأن هناك مواد تدل على الألم والغضب، ولأن لجنة (المعجم الوسيط) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي توسع في أمر الاحتجاج اللغوي- قد سمت هذا المعنى مولدا على الرغم مما أوردتْه عن المجمع في مقدمة الطبعة الأولى ص12.
ماذا أوردت؟
قالت:
(... وكان من بين هذه الوسائل اتخاذ قرارات لغوية عدة، منها: 3- تحرير السماع من قيود الزمان والمكان؛ ليشمل ما يُسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبنائين وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات. 4- الاعتداد بالألفاظ المولدة، وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن الدماء).
وكان مقتضى ذلك عدم وسم هذا المعنى بالمولد، لكننا رأينا عمد لجنة المعجم إلى وسمه بالمولد.
ولشيء ثالث.
ما هو؟
إن قدرنا أنه تطور نتيجة مجاز مفاده أنه غضب يجعل الإنسان ينشط فإننا نكون قد كرسنا النشاط لإحداث شيء سلبي، وهذا لا يقبله أحد؛ فبئس هذا النشاط!