آخر 10 مشاركات
الزحاف الجاري مجرى العلة في القصيدة (الكاتـب : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          دمـوعٌ خـرســــــــــاء .. !!!!! (الكاتـب : - )           »          محبك في ضيق..وعفوك اوسع ... (الكاتـب : - )           »          الزحاف المركب ( المزدوج) في العروض (الكاتـب : - )           »          الزحاف المفرد في العروض (الكاتـب : - )           »          أسماء القافية باعتبار حركات ما بين ساكنيها (الكاتـب : - )           »          في السماء بلا حدود (الكاتـب : - )           »          خطاب فلسطيني (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع الأدب العربي والفكر النقدي > السرد > القصة القصيرة , الرواية,المسرحية .الحكاية

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من أهلا وسهلا : بالشاعر خالد صبر سالم على ضفاف النبع يامرحبا منوبية كامل الغضباني من من عمق القلب : سنسجّل عودة الشاعر الكبير خالد صبر سالم الى منتدانا ************فمرحبا بالغائبين العائدين الذين نفتقدهم هنا في نبع المحبّة والوفاء وتحية لشاعرنا على تلبية الدّعوة

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 04-22-2010, 11:25 AM   رقم المشاركة : 1
زائر




  النقاط :
  المستوى :
  الحالة :
اخر مواضيعي
افتراضي حصاد العمر

العبث



لم يستطع العجوز أن يمسك لسانه وهو يسير خلف حماره ويحكي له عن التاريخ والماضي ..
طريق القرية يمتد طويلا وما زال المسير أطول ، والبرد يتسرب إلى جسد الشيخ، ولكنه لا يأبه، بل يصر على الحديث مع الحمار، والحمار يصر على السير قبل العجوز وكأن العجوز لا حيلة له سوى أن يتبع الحمار، رغم أن العجوز يحمل عصا إلا أنه لم يستعملها أبدا ضد حماره، ربما لشعوره بتلك الحميمية والرابطة الغريبة التي خلقت تلك الالفة بينه وبين هذا الحيوان، ربما لهذا كان يحكي له عن صفحات التاريخ ..
"أنت لا تذكر شيء عن الثورة ايها الحمار .. كانت عظيمة وكبيرة، شارك فيها حتى أجدادك، أذكر حينها أني كنت أسلك هذا الطريق قبل خمسون عاما لكن حينها كان جدك الحمار يتبعني وانا أخفي تحت بردعته قنابل يدوية أسلمها للمجاهدين في الجبل ، وأـحيانا أحمل تحت بردعته رسائل هامة من قادة الثورة إلى قادة آخرين، كانت فعلا حربا دامية، اذكر وجوها لقادة في الثورة ووجوها أخرى لجنود بسطاء، ما زالت عالقة بمخيلتي .. أستطيع حتى سماع أصواتهم ، كم عجيبة هي الدنيا خمسون عاما مرت وما تزال القرية هي نفسها والطريق الضيق نفسه، وما زلت أنا كما أنا أسكن في كوخ حقير، وحدك تغيرت وصرت تمشي أمامي في الوقت الذي كان جدك يتبعني قبل خمسون عاما" وهنا لم يتمالك العجوز نفسه ليطلق العنان لقهقهاته، فتوقف الحمار فجأة وكاد العجوز ان يصطدم بمؤخرته، وحين استمر الحمار في المسير ، ابتسم العجوز وراح يحدثه بصوت يشعرك وكأن الرجل يعتذر لحماره ..
"لا تقلق لم أكن أضحك عليك ، بل كنت أضحك على نفسي، لذا لا تتوقف مرة أخرى حين تسمعني أضحك لاني في كافة الأحوال اضحك على زمني وعلى نفسي وعلى واقعي وعلى العالم" ، وينفجر مرة أخرى بالضحك رافعا راسه إلى السماء ، لتسقط عمامته في الوحل، يحملها وهو ما يزال غارقا في ضحكه، وفي الوقت ذاته يحدث حماره .. "تصور حتى العمامة التي على رأسي الآن كنت اخفي فيها الرسائل، هي أيضا لم تتغير ما زالت كما هي منذ خمسين عاما، لا شيء تغير يا حماري سوى أنك أمامي وأنا اسير خلفك" ، ومرة على مرة كان الحمار يهز أذنيه ولا يدري العجوز ان كان الحمار يفعل ذلك حنقا من كلامه أو لأنه كان يريد من العجوز أن يستمر في حديثه، سرعان ما أطبق العجوز صمتا وراح يفكر وكان في صمته شيء من التأمل والتدبر ، ثم عاد إلى حديثه مرة أخرى ولكن هذه المرة بهدوء بالغ
"... مرت الثورة كأنها كانت بالأمس، ما زلت اسمع ازيز الطائرات وصوت المدافع، كل هذا كان قبل خمسين عاما، كل الذين دكوا حصون العدو مدفونين في ذلك الجبل، لا أحد يعرف عددهم ولا أحد يعرف لهم اسمائهم " ... يرفع عصاه مشيرا إلى سفح الجبل كأنه يريد من الحمار أن ينظر إلى هناك، ولكن الحمار يظل سائرا في دربه ماضيا عبر الطريق الممتدة بلا نهاية ، والعجوز ماض في كلامه كأنه التاريخ يتحدث ".. كلهم ماتوا يا صديقي، حتى جدك مات معهم وهو يحمل لهم المؤونة، لا أحد يعرف أطفالهم ولا أزواجهم، كانوا شبانا مروا من الجبل أوصلنا لهم المؤونة وتركنا لهم جدك ليعينهم على التنقل، لكنهم ماتوا يا صديقي ماتوا كلهم، كانوا رائعين مثل الملائكة، لا تفرق بينهم وبين قائدهم كلهم سواسية في اللباس والنوم والأكل، ما زلت أسمع أصواتهم وهم يتهامسون ويضحكون ، ويحلمون بالإستقلال القريب، كان ذلك قبل خمسون عاما يا صديقي.." يقف الحمار مرة أخرى ليتبول، ويجدها العجوز فرصة بدروه ويتوارى بين الأشجار ويقضي حاجته ويعود للحمار، ويلكزه، سرعان ما يعتذر منه قائلا ،" لم اقصد أن ألكزك بما أني أتبعك وانت تعرف الطريق.." وتعود إليه هستريا الضحك مرة أخرى ، لكنه يتماسك ويسال الحمار : "أتعرف لماذا أضحك يا صديقي، أضحك لأن بعضهم لا أعرف من اين خرجوا صارت لهم بطاقة مجاهد ، وكل منهم يؤكد أنه شارك مع الابطال تلك المعركة وأنه كان معهم، بعضهم كان في فرنسا وعاد بعد الإستقلال، وبعضهم، وأذكرهم جيدا كانوا عساكر عند العدو، المشكلة أنهم لا يعرفون حتى أسماء الذين سقطوا في تلك المعركة، والمضحك أنهم نالوا البطاقات بعدما شهدوا لصالح بعضهم البعض.." ثم التفت إلى الحمار "وأنت يا صديقي لماذا لم تطالب بحقك ، ولم لا تكن لك بطاقة بما ان جدك سقط في ميدان الشرف.." وانفجر ضاحكا حتى كاد يسقط من الضحك، وهو يمسك ببطنه،" بعد خمسين سنة يا صديقي يحق لك أن تنال بطاقة لا يهم ماذا يسمونها بما أننا كلنا اخوة وشاركنا في الحرب والقتال" لم يكد يكمل كلامه حتى كادت سيارة رباعية الدفع للدرك أن تصدمه من الخلف لولا أن سائقها تجنبه، نزل السائق ببزته الخضراء وعلى كتفه رشاش وضربه على القفا، ونهره قائلا : سر على الرصيف يا أعمى .. نظر إليه دون أن يحس بوقع العلقة ورد عليه: "لكن أين الرصيف يا حضرات "، ولم يتمالك الدركي نفسه وصفعه حتى سقطت عمامته، ورد عليه بخشونة: هل تود أن تعلمني معنى الرصيف وما معنى الطريق..؟ وركب السيارة و وانطلق بها، مرت على بركة صغيرة تجمع فيها ماء المطر قتطاير ماؤها عليه فبلله من أعلى راسه إلى أخمص قدميه، تناول عمامته بهدوء ، واستمر في المسير في رحلة تكاد لا تنتهي، وراح يواصل حديثه مع حماره برفق ولين كأنه لم يحدث شيء "... هل تدري أنه قبل اكثر من خمسين عاما لطمني جندي فرنسي حين كنت اسير قبل جدك حاملين قنابل ومؤن، لأن الجندي طلب مني أن اسير على الرصيف، كان معه حق حينها لأنه كان هناك رصيف، لكن اليوم لا يوجد رصيف.." توقف الحمار فجأة دفعه فلم يتحرك وكأنه ضاق ذرعا بثرثرته، أعاد دفعه فلم يتحرك ، حاول مرة واخرى ولكن دون جدوى وكأن الحمار مصمم على موقفه، لم يكن متعبا لأنه لم يكن يحمل على ظهره شيء، استغرب العجوز والمطر بدأ يشتد، رفع عصاه وضربه بها على ظهره، ولكنه لم يتحرك، ثم تناولها مرة أخرى وضربه بقوة أكبر، لينهق الحمار ويرفع حافريه ويضربه على صدره، طار العجوز من مكانه، وطارت عمامته بعيدا في مجرى الماء، ولم يستطع التنفس، كان ينادي حماره وكأنه يريد منه أن يسعفه ولكن صوته كان يصدر رقيقا، خافتا، والحمار على حاله لا يتحرك ولا يشعر بالمطر، ولم يمضي وقت طويل حتى توقفت سيارة نزل منها زوج، تفقدا العجوز، قالت الفتاة، : علينا اسعافه انه يتنفس ببطء، رد عليها الشاب هل جننت، ستقبض علينا الشرطة ويلبسوننا تهمة ويعتقدون أننا صدمناه، ارادت أن تعقب على كلامه وتحاول اقناعه ، إلا أن صديقها بدا مصرا وصرخ في وجهها .." ومن يشهد معنا هذا الحمار.. .؟ هيا احملي نفسك و دعينا نسرع قبل ان يأتي أحدهم ويلصق بنا تهمة.."، وانطلقا بسيارتهما يشقان الطريق، أما العجوز فراح يتنفس بهدوء ، تحامل على نفسه واستقام في جلسته، نظر فرأى حماره يسير متقدما نحو الأمام ، اراد ان ينهض لكنه عجز، كان تنفسه يتقطع، رفع عينه إلى السماء ثم مال راسه وسقط على ظهره بلا حراك .






  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:46 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::