التقيا في محفل من المحافل بعد نأيٍ دام قرابة العقدين ، وكانتْ خلال الحفلة تنظرُ إليه من طرف عينها ، وكانتْ عيناه لا تريمان عنها ، وعندما خرجتْ إلى الحديقة تبعها ، فوقفتْ عند شجرة التفاح ، ووقف قريبًا منها ، وران الصمتُ عليهما ، فتقدم ووقف أمامها فأشاحتْ عنه ، فقال لها : بربكِ لا تعاتبيني على مالا ناقة لي فيه ولا جمل ، ولا تنظري إلي نظرة الأم المشفية على الموت لابنها العاق الذي هجرها في شرخ شبابه ولم يحضر إلا ساعة رحيلها !
بربكِ لا تنظري إلي نظرة الأب القاسي الغير آبه لانكسار طفله ، وترقرق الدموع في عينيه !
بربكِ لا تدعيني كطفلٍ حائرٍ في ظلامٍ دامسٍ موحشٍ في عالم الكبار ، الذين لا يستطيعُ الاندماج معهم ، ولا فهمهم ، وفهم نواياهم !
لم تُجبْه على حديثه ، فقال : أنا أيتها الحبيبةُ ، أوصدتْ في وجهي أبواب التوفيق –فيما أراه في أموري- ، ووئد الكثير من أماني الصبا والشباب –وأنتِ أحدها- فاستعضتُ بقلبٍ دائم الخفقان والحنين إليكِ ، وكفين لا يكفان عن الدعاء لكِ ، وعقلٍ لا يكلُّ من التفكيرِ بكِ ولا يمل !
بربكِ لم أعد في شرخ شبابي لأحتمل ، فقد أخذتِ السُّنون مني قوتي ، وسلبتْ شبابي ، وقيَّدَتْ إقدامي ، ومنحتني ضعفًا ، وشيبًا ، وخورًا !
ظلَّتْ على صمتها ، فنظر إليها بعينين مغرورقتين بالدموع ، وقال : هأنذا ماضٍ في السبيل الذي أراده الله لي ، والذي مضى فيه صحبي قبلي ، ولعلي ألتقي بهم في القريب العاجل ، فلم يبقَ لي شيءٌ ، فقد وُئِدَتِ الأماني ، وحِيْلَ بيني وبين لقاء من أُحِبُّ ، ولم يَبْقَ إلا أعظم الأماني التي أنشدها منذ صغري ، والتي أسألُ اللهَ ألا يحرمَني إياها ، وأن يمُنَّ علي بها قبل الظعون الأبدي !
ثم مضى مخلِّفًا قلبه مع مليكة القلب عند شجرة التفاح ، وهي تنظرُ إليه نَظْرَةَ الوَدَاعِ ، حاملًا معه حنينًا أثقل كاهله ، وأنهكَ جسده ، وأُمْنيَةً لم يَتَسَرَّبِ اليَأْسُ إلى قلبه من تحقُّقهَا بِفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ ، وهو يقولُ : شَاخَ الوَصْلُ وَوُئِدَتِ الأَحْلَامُ !
نصّ ثري بفكرته ومعانيه الخصبة ومفرداته المنتقاة
وصوره البلاغية المواكبة للحدث
وقد أسرني وأبكاني من شدة وقعه على نفسي
أيّ حبّ هذا الذي نبض به الحرف وأيّ وداع لوّنه بلوعته
مشاعر حمّلتها الصور قوّة غامرة حتى تسللت إلى قلوبنا دون استئذان
كنت هنا.. سعيدة مستمتعة
إعجابي وبيلساني الندي
القصة تحكي تفاصيل غياب دام قرابة العقدين من الزمن وكان اللقاء الذي لم يكن
منتظرا إنها الصدفة صدفة اللقاء الذي تم فيه حديث العيون والخطاب المباشر من
طرف واحد .
نص سردي محكم بلغة سردية شائقة . تحية تليق الأستاذ عبد العزيز التويجري
ودمت في رعاية الله وحفظه . وعيدك سعيد
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه