أمام السقيفة التى لا تقينا الشمس الحارقة صيفاً ولا تمنعنا البرد والأمطار شتاءاً ، تقف أمى شاردة تستند على عصاها اليابسة كساقيها ، تحاول إدراك الأفق الضبابى بيد أن بصرها عجز عن ذلك رغم إرتدائها لنظارة طبية بالكاد أقنعناها بارتدائها مؤخراً ..تقفز الدجاجات حول أمى وتنقر فى التراب تلتقط أشياءاً مجهولة ، بينما الديك الكبير قفز فجأة مصوباً منقاره إلى عين أمى فحالت النظارة دون فقأها ، فصرخت أمى وهى تسب الدجاجات و..المحامى ..
عندما أرادت الحكومة إنشاء محلج للقطن فى نهاية البلدة وقع إختيارها على مكان رأى الخبراء أنه الأنسب إقتصادياً ..ولما كانت أرض جدى بالجوار فقد طلبت الحكومة ضمها لتصبح شونة للقطن على أن تعطى جدى قطعة أرض بديلة ، وعلى هذا إنتقلنا للعيش مؤقتاً فى تلك المزرعة المملوكة لإحدى الجهات الحكومية أيضاً ..
أمام ( الكانون ) أجلس ، أقلب العدس داخل الإناء بملعقة خشيبة : تعالى يا أمى فالبرد سيفتك بك ، هو لن يجئ على أية حال وقد قاربت الشمس المغيب وهو لم يأت فى مثل هذا الوقت من قبل.
: لا عليك أيتها المنكودة فأنا من سيمرض من شدة البرد وليس أنت.. قالتها وهى تسعل بشدة ..
إنتظر أبى طويلاً الحصول على تلك الأرض البديلة المزعومة ، وقد كانت تلك المزرعة التى نقلنا إليها مجدبة ليس فيها من المزرعة إلا الإسم ، ولقد حاول أبى بكل ما أوتى من جهد أن يصلح الأرض إلا انها أصرت ان تكون جرداء إلا قليلا ، ولم يصلحها علاج أو تداو ، ولما طال المقام بنا ، وأحس أبى بتملص الحكومة من وعدها بإعطائه قطعة أرض صالحة للزراعة ، فقد وكل محامياً لرفع قضية بهذا الشأن إلى القضاء ..وليته مافعل ..
جاء( المحامى ) ذات صباح إلى مزرعتنا ( المؤقتة ) وجلس مع أبى يتداولان ، دفعتنى أمى داخل الحجرة المعروشة دفعاً فوجدتنى أقف أمام أبى والمحامى مباشرة ، قدمت القهوة ، أرسلت الطرف ناحيته ، فكان يتأملنى بنظرة حسبتها إشتهاءا ..
خرجت مسرعة وجسدى يلتهب من تلك النظرة الغريبة.
غادر المحامى بعد نقاش طويل ، ونقده أبى مبلغاً من المال كمقدم أتعاب ..
أنظر إلى سقف العريشة فأجد صورته تحتوينى وتلهب مشاعراً أحسها للمرة الأولى فى حياتى ، أضم الوسادة إلى صدرى واتخيلها هو ، وأضغط بها نهدىّ الثائرين ..تكررت زيارات المحامى ، وإزداد الأمل فى كسب القضية كما قال لأبى ، وأخذ نقوداً من أبى ، وهم بالمغادرة فيما تعمدت أن أكون فى طريق خروجه فصافح وجهى بابتسامة لعوب طافت بشفتى فاقتلعت حمرتهما ..وسرعان ما ابتلعه الأفق وأنا مازلت أتحسس خدىّ ومازلت أستعذب ملامسة ابتسامته لشفتىّ وعنقى رغم أنه لم يفعل ..
: مابك يابنية ، لماذا تقفين عندك هكذا ؟؟
نبهنى سؤال أمى فغادرتنى أحلام يقظتى وأنا أمشى تجاه الغرفة لرفع صينية القهوة ...............
تعددت زيارات المحامى ، وتنوعت أسبابها وتكررت وتعددت لمساته لجسدى عند مغادرته ، وتكررت لحظات مواعدتى لنفسى بمتعة أدمنتها ..
اعتذر أبى هذه المرة عن عدم استطاعته الدفع للمحامى ، فابتسم الأخير وهو ينظر تجاهى ويطمئن أبى: لا عليك فأنت أخ لى قبل أن تكون عميلاً .فشكره أبى وهو ينظر إلى ألأرض بينما تلتهمنى عين المحامى ..
عند خروجه وقفت هناك كعادتى كلما خرج من عندنا ، تعمد لمس صدرى براحة يده وهو يمر بى ، فكانت النار التى أشعلت دمى وأحرقت جسدى ..وبت ليلتى تلك أتخيل عبث يديه فى كل جزء من جسدى و التهام شفتيه لكل ذرة من وجهى وعنقى وصدرى.. ..
تغيب المحامى لاسابيع كنت خلالها إستدعى لمسته ، وأُمَنى نفسى بشئ وأفعل مع صدرى أفعالا..لكنه عاد بعدها ، وتحدث إلى أبى حديثاً قصيراً ، وأخذ منه نقوداً ، ثم غادر دون أن ينظر إلىّ رغم أننى تعمدت أن يلتصق جسده بجسدى عند مروره بالباب مغادراً إلا أنه تفادى ذلك وخرج دون أن ينظر إلىّ أو يلمسنى ..وعند دخولى الغرفة وجدت فنجاناً مملؤاً ، هو لم يشرب القهوة إذن ..عرفت من متساقط الكلام بين أمى وأبى أن المحامى تزوج من محامية زميلته ، سرت فى جسدى رعدة رهيبة ، أحسست وكأنه خان عهد بيننا ، وقعت فريسة لحزن كبير ماكان لى أن أحزنه لو وزنت الأمور ببعض العقل ، فالرجل لم يفعل أكثر مما قد يفعله غيره لو كان فى مكانه ، ربما لأننى أمتلك جسداً بضاً مثيراً ، وربما لأننى أملك عينين ناعستين تحملان إغراءاً غير متعمد .
بت ليلتى تلك وليال بعدها أتحسس صدرى وأمرر عليه راحتى كفى فى عبث جنونى ، أستدع لحظات لذة فتأتين صاغرة مترفقة ، أمنى نفسى بعدها باحتمال عدم صدق كلام أبى ، ولكننى تذكرت مايقال عن المدينة فاستبعدت هذا الإحتمال نهائياً ، فلقد قالت لى أمى ذات ليلة أن وراء الأفق البعيد مدينة كبيرة يسكنها أناس أغنياء يركبون سيارات تسير بمحركات ولا يركبون البغال ، وأن فى المدينة نساء ساحرات توقعن الرجال فى حبائلهن بمجرد النظر اليهم ..وعلى هذا فقدت الأمل فى ذلك الرجل الذى إمتلك خيالى وحرك مشاعرى وأطلق عفريت جسدى من قمقمه.
أصبح ( المحامى ) يتغيب كثيراً ، ثم أرسل من ينوب عنه ولم يعد يأتينا متعللاً بكثرة القضايا التى بين يديه ...
يسب أبى ويلعن الحكومة التى إستولت على أرضه وهو يسوق الحمار إلى خارج السقيفة بينما كنت أعجن الدقيق فى ( ماجور ) كبير ..إنكسرت ساق أبى إثر وقوعه من أعلى التلة وهو يضع بعض الأخشاب عن ظهر الحمار ، وقد أقعدته إصابته عن العمل لفترة طويلة كثرت خلالها الأعمال الموكلة إلىّ ..جاء ابن عمى لزيارتنا ذات يوم ، وطلب الزواج بى ، ووافق أبى ، وتمت مراسم الزواج سريعاً ..عدت بعدها بعام إلى سقيفتنا وأنا أحمل مولودى الأول ، أنهك المرض أبى ومزقت البلهارسيا كبده ومات وهو يوصينا بمتابعة قضية المزرعة ..كان زوجى يخرج للعمل مبكراً ، وقد انتقل للعيش معنا لأكون بجوار أمى من جهة ، وليساعدنا فى أعمال المزرعة ومصاريف المحامى من جهة أخرى ، وليتابع القضية من جهة ثالثة ....سمعت بموت ( المحامى ) وتولى القضية زميل له إستمر فى إستنزاف نقودنا .. ومرت سنوات وسنوات أنجبت خلالها حفنة من الأولاد والبنات ومازالت القضية فى طريق مجهول ، والمحامى يأخذ نقوداً كلما حضر ..هيا يا أمى أدخلى فهو لن يأت اليوم ..ورغم عنادها إلا أنها اضطرت لسماع كلامى نظراً لسؤ حال الجو وشدة البرد ..مرضت أمى بعدها ، واشتد بها المرض وفارقت الحياة وهى تنظر ناحية باب السقيفة آملة حضور المحامى .....
اليوم أقف خارج السقيفة أراقب الأفق الضبابى البعيد ، تنتابنى نوبة من السعال الشديد ، بينما إبنتى تدعونى للدخول ..!!
التوقيع
*** سكت المؤدب من أدبه،،فظن قليل الأدب أنه هو من أسكته ***
خصمه قاضي ما الذي تتوقع
هذه القضايا تعيش من جيل لجيل دون حل
يوم لا تأكل الحكومات حقوق الناس
يوم لا يأكل الناس بعضهم يعضاً
سينصلح الأساس
طيب ما قرأت
تقديري
العدالة الحقة تعني إعطاء كل ذي حق حقه و عدم الاعتداء على حقوق الآخرين عن طريق تحقيق التوازن بين جميع أفراد المُجتمع من حيث الحقوق،
إلا إن العدالة مغيبة في مجتمعاتنا نتيجة أحكام وقوانين وتسلط من بيده زمام الأمر على حقوق الغير وأموالهم وممتلكاتهم ودمائهم بغير وجه حق.
نص سلط الضوء على معاناة طويلة دون نتيجة نتيجة غياب العدالة
وركز على طبيعة الريف والبساطة والحب بعيداً عن ضوضاء وتشابكات المدينة