ودار ندامي عطلوها ، وأدلجوا _ بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارس
مساحب من جر الزقاق علي الثري _ وأضغان ريحانٍ جنيّ ويابس
حبست بها صحبي ، فجددت عهدهم _ وإني علي أمثال تلك لحابس
أقمنا بها يوماً ، ويوماً ، وثالثاً _ ويوماً له يوم الترحّل خامس
تُدار علينا الراح في عسجدية _ حبتها بألوان التصاوير فارس
قراراتها كسري ، وفي جنباتها _ مهاً تدّريه بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زُرّت عليه جيوبها _ وللماء ما دارت عليه القلانس
**************************************
القصيدة اسمها (دار ندامي) . وكان أبو نواس وصحبه في رحلة إلي بلاد فارس بعد احتلال المسلمين لها ومروا بمدائن كسري ، وعمدوا إلي إيوان كسري _ سابقا _ وهو خالٍ فنزلوا فيه وأقاموا به بضع ليال . فوصَف أبو نواس ما بـقي فـــيــه من آثار الراحلين عنه بين آنية خمر وأعواد ريحـــان . ثــم وصف مجلسـه مع أصدقائه وهم يشربون الخمر في كؤوس فارسيّة مصنوعة من ذهب ، وفيها تصاوير فارسيّة . وها هو أبو نواس يعيد لصحبه ذكريات ماضيهم قبل احتلال المسلمين للمدائن . وحبَسهم بالإيوان ، أي أقعدهم للشرب والأنس ولم يسمح لهم بمغادرته خمس ليال سويا وأعاد لهم ذكريات الماضي . وأبو نواس ماهر وذو خبرة علي حبس الأصحاب في أماكن المجون . والخمر تُدار عليهم في كؤوس عسجدية - أي ذهبية - عليها صور جميلة من صميم الطبيعة الخلابة في بلاد فارس وفي أسفل الكؤوس صورة كسري وفي جنباتها صورة بقرة وحشية يلاحقها الفرسان بالأقواس والسهام . فكانت الخمرة تصب فتصل إلي مكان الزرائر في ثياب الفرسان أي أعلاها ، كناية عن حلوق الكؤوس . ثم يُكمل الباقي بالماء ليمزجها فتصل إلي _ القلانس _ أي طواقي الفرسان ، كناية عن أعلي الكؤوس .
وتعتبر هذه الأبيات لوحة فنية بديعة للمكان ، وللكأس في حال فراغها وحال امتلائها لم يسبق أبا نواس شاعر في مثل هذا التصوير الفني الأخاذ !
يا إخوتى الأدباء كنت قد نشرت هذه الأبيات الفنية عمدا في باب "الأدب العالمى" ولكنها حُولت من قبل الإخوة المشرفين مشكورين إلى " الفنون الأدبية" ولهم حق طبعا . بيد أنى قيمتها بعينى أديب مستشرق ينظر إلى الإبداع الفني البحت في القصيدة بغض النظر عن المواصفات العربية فيها . فاعتبرتها كقصص "ألف ليلة وليلة" في الأدب العالمى وكلوحة "الموناليزة" في الفن العالمى . فقط وجهة نظر خاصة مع اعتذارى للإشراف الأدبى .
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 12-04-2016 في 05:19 PM.