البنية الشرطية في أسلوب الحديث النبوي الشريف بقلم محفوظ فرج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ) رياض الصالحين 375
ــــــــــــــــــ
الحديث الشريف جملة شرطية فعل الشرط فيها جاء بجملة اسمية ( لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ) وجوابها جملة فعلية منفية ( ما سار راكب بليل وحده ) . وقد ابتدأ الحديث الشريف بأداة الشرط ( لو)، ويرى أهل المعاني أنها للشرط أي للقطع بانتفاء الشرط فيلزم ذلك انتفاء الجزاء / في النحو العربي نقد وتوجيه د. مهدي المخزومي ص 291 (فهي أداة شرط تستعمل فيما لا يتوقع حدوثه وفيما يمتنع تحقيقه ) / في النحو العربي ص 291 ويرى عبد القاهر الجرجاني أن جملة الشرط في فعلها وجوابها هي جملة واحدة، وكان يقول ( كما لا يخفى في مجموع الجملتين لا في كل واحدة منهما على الانفراد ،ولا في واحدة دون الأخرى )/ دلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجاني ص 169 ولذلك فان من الأساليب الأثيرة في بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم هي جملة الشرط لأنها الطريقة المثلى للإيصال ؛إذ أن فعل الشرط ، وجوابه يستوعب الكثير من المعاني التي تتطلب التفصيل ، والإطالة لولا أسلوب الشرط. ثم إن المتلقي في سماعه لفعل الشرط يكون متشوقا لانتظار جوابه الذي لايتم المعنى بدونه ، وبذلك تتحقق الوحدة العضوية على امتداد الشرط لتكون كلا واحدا لا يتجزأ ، ولما كان الحديث الشريف جاء بجملة شرطية واحدة أفضت بفصاحته وبلاغته إلى إيحاءات لمعان متعددة في تركيب له دلالات تصب في المعنى العام له ؛ فلو أخذنا ( لو ) التي تصدرت الجملة فسامعها تتداعى في ذاكرته معان متعددة اشربت فيها فإذا كانت هي شرطية في ذلك الموضع فلا شك ان السامع ستخطر في ذهنه معانيها الأخرى كالعرض ، وهو طلب برفق ولين ، والتمني وهو طلب يمتنع حصوله ، والنفي الضمني الذي هو حاصل في الجملة ، وقد يخطر في ذهن السامع حتى ( لو) المصدرية (وددت لو يعلم الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ) . وحين نتوقف في جملة فعل الشرط ( لو ان الناس يعلمون من الوحدة ما اعلم ) نجد الإيجاز من خلال الحذف لأن تقديرها (لو ثبت ان الناس يعلمون ) فقد حذف الفعل وبقي فاعله المصدر المؤول (أن الناس يعلمون ) والتقدير ( لو ثبت علم الناس ) وهنا أولى للفاعل أهميته القصوى وهو مدار الحديث / ينظر شرح ابن عقيل ج2 ص 386 ، ولكي تتحقق استمرارية الحدث ذكر صلى الله عليه وسلم الفعل ( يعلمون ) مسندا يصور حالهم ( لو علموا) ولو في الحقيقة حين تدخل على الفعل المضارع تقلبه إلى الماضي / شرح ابن عقيل ج2 ص 386 وذلك العلم يكون من الوحدة لنجد (من الوحدة ) تندرج تحتها معان في بنائها وعلاقتها مع ما حولها في السياق . فهنالك من يجوّز أن تكون (من ) حرف جر زائد يفيد التوكيد داخلة على معرفة* استغرقت جنس الوحدة كله أي وحدة ، وحدة ليل ، وحدة نهار، وحدة في بيت ، وحدة في عراء، وفي ذلك حين تكون ( من ) زائدة في رأي نحوي* تفضي إلى معنى التوكيد وان الوحدة اسم مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به . هذا جانب أما إذا كان (من وأل ) بمعنى الجنسية / ينظر معاني النحو ج3 ص 75 فيما يتعلق ب(من) وفي (أل) ينظر المصدر نفسه ج1 ص 123 (يعلمون من الوحدة ما أعلم ) أي يأخذون درسهم فيما يحسون به من خوف سببه أن هنالك أشياء غير مدركة ترهبهم ولا يرونها (لما سر راكب بليل ) فهي هنا ليست زائدة تفضي في النهاية إلى صورة فنية تنفتح على التشبيه المشبه معنى والمشبه به معنى ( لو أن الناس يعلمون من الوحدة كعلمي ) حين تكون في (ما أعلم) (ما) مصدرية والمصدر الصريح (علمي) ويحتمل التركيب أن (ما) اسم موصول بمعنى الذي أي يفضي إلى معنى أن يصل علمهم إلى علمي . وحين يأتي جواب الشرط (ما سار راكب بليل وحده ) وهي صورة فنية تنفتح على التصور في سير راكب بليل وحده ) محذرا من خلالها كل إنسان يقطع الليل وحده ؛ وقد أشارت النكرات (راكب ) و( ليل ) المسبوق بالباء حرف الجر الذي يعطي معنى الظرفية لتضيف الرهبة من المجهول الذي لا يعرفه الإنسان . وفي كل ذلك لوعدنا إلى فعل الشرط ثانية (لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ) فستجد مفردة الناس متقدمة على الفعل يعلمون ، وهذه المفردة لوحدها جاءت مشعة بالقصد من الحديث الشريف كله ،فحين يتأمل الإنسان فيها ألا يجد أن (الناس) تفضي إلى معنى الأنس والمؤانسة وترك الوحدة . فضلا عن ذلك لو أخذنا الدقة المتناهية في إشاعة جو موسيقي يطبع في الذاكرة سمو النغم وارتباطه في المساهمة بأن يعلق في فكر الراوي وقلبه ؛ولننظر الى جمال (اللام ) كيف أشاعت انسجاما صوتيا حلوا من خلال توزيعها على مفردات الحديث ( لو) ( يعلمون) ( أعلم ) ( الوحدة ) ( ليل) وكل ذلك من خلال تلاقيها مع أصوات هي الأخرى تكررت كالعين والواو ، كما إن تكرار ( الوحدة ) في نهاية جواب الشرط قد حددت المضمون وأكدته .
محفوظ فرج
سامراء 1432 هـ
· أجاز الاخفش دخولها على المعارف مستدلا بقوله تعالى ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) البقرة 271 بدليل أنه ورد في آية أخرى ( ويكفر عنكم سيئاتكم ) الأنفال 29 / معاني النحو د.فاضل السامرائي ج3 ص80
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 01-15-2012 في 10:23 PM.