قد كان في صدر الإسلام حرم على المؤمنين أن يأتوا نساءهم في ليالي الصيام، فدخلوا بذلك في مشقة عظيمة ولكنهم استجابوا فامتن الله عليهم بأن أباح لهم أن يأتوا أهلهم في ليالي الصيام وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ }، وقد كنى الله سبحانه وتعالى في كتابه عن العشرة والسكون باللباس وبالحرث، فاللباس يستر الإنسان ويجعل عورته مستورة، وكذلك حاجته إلى أهله فإنه إذا جعلها في حلال كان له أجر، وبذلك يكون مستوراً، وكذلك جعله حرثاً لأن الحرث يطلب به حصاد الثمرة، وعشرة النساء يطلب منها الأولاد الصالحون، ويطلب منها الاستعفاف وكل ذلك ثمرة طيبة ولهذا قال: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}.
ويقول أحد العلماء:
إنما الأرحام أرضو *** ن لنا محترثات
فعلينا البذر فيها *** وعلى الله النبات
فلذلك أمر الله سبحانه وتعالى بأن يأتي الإنسان حرثه متى شاء فقال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }، معناه في أية ساعة شئتم ومحل هذا في غير وقت المانع وهو وقت الصيام، { وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ }: قيل معناه قدموا لأنفسكم ما تطلبونه من الولد أو ما تطلبونه من الاستعفاف، وقيل معناه قدموا لأنفسكم حظكم الدنيوي لأن على الإنسان أن يأخذ حظه من الدنيا وأن لا يجعله ذلك غافلاً عن حظه من الآخرة.
وقوله " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ" قال ابن عباس : الحرث موضع الولد " فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد كما ثبتت بذلك الأحاديث قال البخاري : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به . وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري أن محمد بن المنكدر حدثهم أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ "
وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه . فقال الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " استحيوا إن الله لا يستحيي من الحق لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن "
قال أبو بكر الأثرم في سننه : حدثنا أبو مسلم الجرمي حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " محاش النساء حرام " .
وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرة قال : سأل رجل عليا عن إتيان امرأة في دبرها فقالت : سفلت سفل الله بك ألم تسمع قول الله عز وجل" أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَاسَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ الأعراف (80) " وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يحرمه .
وقوله " وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ " أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات ولهذا قال " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ" أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها " وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " أي المطيعين لله فيما أمرهم التاركين ما عنه زجرهم . وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن عطاء قال أراه عن ابن عباس " وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ " قال : تقول بسم الله التسمية عند الجماع وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا " .