من أجل أحياء النقد العربي لقصيدة الشعر العمودي بحث تكاملي من عدة أجزاء الناقد مهند طالب الدراجي

من أجل أحياء النقد العربي لقصيدة الشعر العمودي
بحث تكاملي من عدة أجزاء
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, تقديم الناقد مهند طالب الدراجي
الجزء الأول
قبل ان تكون مدارس النقد الأدبي في أوربا , كانت للعرب مدارسهم النقدية التي تتناول النص بأسلوب مرحلي ,سأخوض في اسلوبية النقد لدى العرب في العصر الجاهلي واتناوله كما ورد من خلال التاريخ الأدبي للأمة العربية هنالك ثلاثة اساليب نشأت مع النقد هي ( النقد الخاص / النقد العام / النقد الذاتي ) حيث اعتمدت هذه المناشئ على مداخل غير مدونة مثل " المدخل اللفظي / الذي جاء متأخرا عند أوربا بـ (اللسانيات) ومدخل المعاني /الذي جاء عند الغرب بـ (التأويلية ) ومدخل الشكل / الذي تبنته المدرسة الشكلانية / والمدخل الفني الجمالي / الذي اعتمدته أوربا وأسمته بالأسلوبية , وكان لهذه المداخل والمناشئ مظاهر وآليات معتبرة اعتمدها العرب الأوائل , لم يكن عصر الكتابة قد تفشى , لذلك بقي النقد العربي مخبوءً في خزائن الذاكرة
يمارسون طقوسه الأدبية شفاهياً من خلال ( المفاضلة) التي كان يتباهى الشعراء فيها بمقدراتهم الشعرية في سوق عكاظ , او في الحروب او في سفرهم بين القبائل , ثم يأتي بعد ذلك ( التهذيب) الذي كان له رجال حافظون لتراث الأمة يعرفون المفردات وهم اشبه بالمصححون للجمل والوقائع فهم يستمعون الى الشعر كشهود على ما يتلى وحفّاظ للنصوص يميزون من خلالها التناص او السرقة الأدبية أو الجمالية التي يحققها النص ,فتأتي ( الرواية ) هنا بمرحلة ما بعد التهذيب , حيث ان الرواة هم أرشيف العرب وكتبهم المتنقلة بين الأمم , ثم ( التصنيف ) الذي من خلاله تميز لغة ولهجة قبيلة عن اخرى .
لم يكن مسمى العصر الجاهلي في اصطلاح المؤرخين او المفسرين بقصد التخلف والجهل ؟ يقول الاستاذ "شوقي ضيف" في تعريف الجاهلية : «وينبغي أن نعرف أنّ كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضدّ العلم ونقيضه, إنّما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق فهي تقابل كلمة الإسلام التي تدلّ على الخضوع والطاعة لله جلّ وعزّ ....وقد أخذت تطلق على العصر القريب من الإسلام أو بعبارة أدقّ على العصر السابق له مباشرة ... »
يقول الجاحظ :
«وأما الشعرُ فحديثُ الميلاد صغير السنِّ أوّلُ من نَهَجَ سبيلَه وسهَّل الطريقَ إليه : امرؤ القيس بن حُجْر ومُهَلْهِل بنُ ربيعة ....
ويدلُّ على حداثةِ الشعر قولُ امرئ القيس بن حُجْر :
( إنَّ بني عوفٍ ابتَنَوا حسناً ** ضيّعه الدُّخلُلُون إذ غَدَرُوا )
( أدَّوا إلى جارهم خفارته ** ولم يَضِعْ بالمَغيب مَنْ نَصَرُوا )
( لا حِمْيَريٌّ وفى ولا عُدَسٌ ** ولا است عَيرٍ يحكها الثَّفر )
فانظُرْ كم كان عمرُ زُرارةَ وكم كان بين موت زُرارة ومولدِ النبي عليه الصلاة والسلام فإذا استظهرنا الشعرَ وجدنا له إلى أن جاء اللّه بالإسلام عام خمسين ومائةَ وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام . » لم يكن النقد العربي كما هو الان او حتى قبل عدة قرون , من خلال القوانين التحليلية الموضوعية وقواعده التفكيكية العلمية , فكيف يكون لدينا مثل تلك المرتبة العليا من الابداع والرقي كالمعلقات وبذلك الزخم والحجم الكبير ولا يكون للنقد وجود وحضور ؟ كان هنالك نقداً يقوّم ويوجّه وهو وما اوصل النص لمرحلة الابداع والرقي ,كما ان الانسان بطبيعته الفطرية هو ناقد متذوق بفطرته يطالب دائما بالأحسن والأجمل والأجود والأمثل في شوؤن حياته كلها , لذلك علينا البحث عن مميزات وخصاص النقد الأدبي العربي , بعيدا عن تأثير الاصطلاحات الحادثة والأعراف المعاصرة .
كان الشاعر العربي الجاهلي ناقداً بطبعه , يفكر ويقدر ويختار ما يناسبه ويوافق جمالية الشعر عندما يوظف الفكرة في قصيدته , فهو اعرف من غيره على فهم "الصنعة الشعرية" (بالنسبة لزمانهم انها كانت كالصنعة والحرفة) , حيث كانوا يميزون ويدركون اسرار القبح والجمال في النصوص الأدبية , وكان من أبرز النقاد انذاك هو النابغة الذبياني الشاعر الفطحل الذي كان يضرب له خيمة في سوق عكاظ يجتمع عنده الشعراء يعرضون عليه قصائدهم , فكانوا ينتظرون استحسانه للقصائد حتى ينتشون بنقده ويعتبرون ما كتبوه شعرا يستحق الانشاد والقراءة بين الشعراء .
الى هنا انتهى الجزء الاول من موضوع البحث هذا حتى التقيكم بالجزء الثاني ان شاء الله .
على بركة الله قمت بهذا العمل وابتدأته بتاريخ 1/6/2015
من أجل أحياء النقد العربي لقصيدة الشعر العمودي
بحث تكاملي من عدة أجزاء
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, تقديم الناقد مهند طالب الدراجي
( الجزء الثاني )
النقد العربي كان في سالف الأزمان وفي فترة العهد الجاهلي بالذات
يعتمد على محاور رئيسية في القصيدة العربية هي "اللغة " البلاغة " الموسيقى " الصور الشعرية " الفصاحة " لم يكن اجدادنا حينذاك يعتمدون الدلالات ولا الاشارات ولا الايقاع ولا المركّبات التعبيرية التي هي ما وراء المعنى وما شابه ذلك , فلم هنالك رغبة في تحديث السياق الشعري اكثر مما هو توالي لهذه المحاور التي ذكرتها سابقاً, ان النقد الغربي هو من أدخل علينا المصطلحات النقدية والعلوم اللغوية التي تناولت اللغة كمادة يمكن تمديدها الى أفق واسع ؟ والسبب ! لأن لغتهم لا تمتلك هذا الأفق الواسع ؟؟!! اي أن كل مفردات اللغة الانكليزية لا تأتي نصف العدد لمفردات اللغة العربية التي هي لغة ممتدة ومستمرة في زحفها وقابلة لكل الاستنباطات والمستحدثات البنائية والانشائية ,لذلك جاءت هذه العلوم برمتها اللسانيات والسيموطيقيا والبنيوية والدلالية والسيميائية و و و .... ألخ لتكون بديلاً عن الخناق اللغوي والأنحصار اللفظي , فأستنتجوا التأويلية كنوعٍ من التعويض للغتهم المقيدة الصغيرة , ماذا لو قارنا لغة الضاد بكل اللغات ؟ سنجد حتما فرقاً ليس بسيطا من حيث النوع والكم , ما تحتاجه لغتهم من تأويل تلفظه لغتنا بدون التأويل , لاحظ مثلا المفردات في اللغات المشهورة ( العربيةوهي اعلى نسبة في العالم / 12,302,912 مفردة / أما الأنكليزية فهي / 600,000 مفردة / اما الفرنسية فهي / 150,000 مفردة / ثم الروسية وهي / 130,000 مفردة ), ثم لما كانت هذه العلوم مصدر قلق , بسبب كونها ( العلوم اللغوية) جميعها ذات كيان تأويلي , أي انها من صناعتهم , وليست تاريخاً يؤرشف لغتهم , فأنهم ركزوا على التأويل كمدخلٍ يتسللون منه الى فضاء لغتهم , اما لو تحدثنا عن لغتنا فهي مؤرشفة من خلال تراثين متلازمين لا شك بهمات ولا غبار عليهما , الأول المعلقات كمرجعٍ للغة , والثاني القرآن كمعجزةٍ لها , وهنا نجد ان تاريخ اللغات تاريخ فاشل اذا ما قارنا الارشيف التاريخي لكل لغة , بينما تحتفظ لغتنا العربية وحدها بأرشيفين وليس واحد , وهذا يعكس لنا السبب الذي نجعل النقد بكل ادواته غربي ( الموجود حالياً) لا يصلح لنقد قصيدة الشعر العمودي, هذه القصيدة ذات الامتداد التاريخي الحي النابض , ما اود ايضاحه هنا حول النقد العربي هو اعتماد آلية عربية من خلال مصادر اللغة ( المعلقات + القرآن) لتكون الأدوات المعتمدة لتحليل النص وتفكيكه ضمن اسلوب عربي بعيد كل البعد عن اسلوب النقد الغربي , وهذه الأدوات هي التاريخ العربي (الأرشيف)
حيث اعتاد العرب ان يمارسوا النقد لأنفسهم قبل ان يمارسونه للآخرين
ومثال ذلك ان هو " زهير بن أبي سلمة" الذي كان يدقق قصائده ويهذبها ويعيد النظر فيها مرات ومرات حتى انها تستغرق سنة كاملة قبل ان يخرجها للناس ويقرأها لذلك اطلق على قصائده اسم ( الحوليات ) مفردة " حول " وكان يستعين بآلة ( الصَّنْج) احتفالا بشعره امام متلقيه المعجبين به , بينما كان جماهير العرب وعامتهم انهم اهل بلاغة وفصاحة ويتذوقون الأدب بفطرتهم وسجيتهم , حيث انهم مولعين بالشعر ومتابعين له وحريصين على استماعه وتدقيقه والانتشاء بعذوبته , فالنقد متجزء عندهم الى عدة محاور كالألفاظ والمعاني والاشكال والجمالية والفنية .
كان هنالك شعراء تشترك ميزات وخصائص فنية ولغوية ومنهجية مع بعضهم , رغم انهم لم يطلقوا على أنفسهم أي تسمية كنخبة او مدرسة او مجموعة لكن العرب ميزتهم من خلال أسلوبهم وأدواتهم الشعرية , كان ( عبيد الشعر ) لهم مدرستهم الخاصة التي يهتمون من خلالها بتنقيح وتهذيب اشعارهم , وكان يقودهم أوس بن حجر , كما ذكره صاحب كتاب الأغاني , وعن أوس أخذ زهير بن ابي سلمة , وعنه ابنه كعب ثم هُدْبَة بن خشْرم العُذري وبعده جميل (صاحب بثينة ) ثم كثيَّر صاحب عزَّة , كان النقاد الأوائل هم قريش . اذ كان الشعراء يعرضون قصائدهم على قريش فما قبلوه اخذ به وما رفضوه رد اليهم , حتى العرب قسمت الشعراء الى ثلاث طبقات وهي ( شاعر / وشويعر / وشعرور) ان الشعر عند العرب هو مقدس ينظرون فيه ويقلبونه زمنا طويلا قبل قراءته او طرحه امام الكبار , حتى ان بعضهم يذم نفسه وينتقدها على ما كتب ان وجد في تفرسه القصيدة ثلمة او معيبة , كانت العرب تعتبر القصيدة ( الحولية ) من افضل القصائد , كل هذا مخافة ان تتعرض القصيدة للنقد الذي اما يرفعها واما يسقطها .
ملاحظة :
في الجزء الثالث سوف أطرح طريقة جديدة مستحدثة من النقد العربي القديم
بعيدا عن اسلوب النقد الحالي , هي ليست طريقة جديدة بمعناها الشكلي , لكنها طريقة كلاسيكية كان العرب يستخدمونها في نقد القصائد الشعرية , اما انا فسوف اُلبس هذا النقد ثوبا عربيا خالصا .