استعد النقيب لؤي لإطلاق النار، تنفيذاُ لِأوامر القيادة، كان الصباحُ بِكراً، والضبابُ عابس الملامحِ حين لقم رشاشه مُكبراً
ارتسم أمامه طيف أبنائه الخمسة، وهم نيام، أجل مايزال أمامهم متسعٌ من الوقت
لينعموا بدفء الفراش، هنية زوجته لا شك وأنها استيقظت قلقة،
تصلي وتقرأ القرآن، داعية له بالسلامة
جاءه صوت زميله، لا مكان للعاطفة الآن(نقيب لؤي)
ـ أنا على أهبة الاستعداد، يا أحمد
ـ على العكس يا أحمد، الإنتظار يمنحني فرصة للتأمل والتفكير، قبل الإقدام في المرحلة القادمة!
انتفض أحمد مُتأهباً، وبدأ إطلاقُ النار، من كافة الجوانب، في الحرب كل شيء
ممكن، أن يحضنك تراب أرض المعركة، كمجهول أو كبطلٍ أدى الأمانة
ـ أو ربما تحفظوا على جُثتك ريثما تُحسم المعركة
فيذهبوا بجثمانك إلى حيث مسقط رأسك، ليحتفلوا بك، فتستقبلك أُمك والدموع ملء عينيها، تارةً تُزغرد وآخرى تُهنهن
(أحد أشكال الغناء الشعبي) حتى يتقدم قائد فرقتك إليها حاملاً علم البلاد فتقبله
ـ مرت لحظات عصيبة، كان كِلا الطرفين يقاتِلُ بشراسة، تم تأمين الغطاء الجوي
،تقدم جنود المُشاة ببسالةٍ، سبقهم تمهيد ناري، إما النصر وإما الشهادة، خيارين لا ثالث لهما، لقد استخدمت الفرقة الحادية عشركل ما لديها من مِن مُعدات وآلياتٍ
في مُهمتها، معاركٌ ضارية استمرت لساعات بين كر وفرٍ، بيئة المعركة كانت قاسية، وخيانة الطقس مُزرية، ما بين ماطر وصحو، مُشمس وخائب الرؤيا
ـ تلونت الصحراء بالأحمر، والجُثث تبعثرت هُنا وهُناك، بعضها دفنتها الرِمال دونما تعب، وبعضها اغتسل بماء المطر، أو وحل الأرض الرطبة
ـ نهض النقيب لؤي وقد أضناه التعب، كانت ساعات عصيبة، أمضاها ورِفاق المعركة، لم تلح بالأفق بعد راية النصر، المعركة لم تًحسم!
ـادلهم المساء، وكلٌ بمكانه، حذر يترقب شيئاً ما، عاد ليرتسم طيف عائلة النقيب لؤي، جاءه صوت ابنته الصغيرة، مازال عناقها يأسره، تذكر حين ودعها قالت
له: عِدني بالعودة، وإلا سأزعل منك كثيراُ، راح يبحث عن مكان يحرق فيه سيجارته بشيء من ألمٍ، ليل الصحراء على ما يبدو طويلٌ!!
ـ أنه الإنتظار يا صديقي، وأنت مُصر على أنه نوعٌ من التأمل، أجابه أحمد والتعب قد بدا بنبرات صوته.
استلقى( باسل) خلف مُدرعةٍ لم تتعب من تأمين الحماية لِمُقاتليها طيلة اليوم،
استسلم بسلامٍ لذكراها، كانت صورتها تحاصره في أرض المعركة، عِندما
انقض صباحاً على أحدهم، كانت عيناها تستدرجه للنيل من المُعتدي، وكان
صدى صوتها ملهمه، فيشعر بالأمل يتسرب من شعاع الشمس الضئيل الذي
تغلب عليه غُبار الصحراء، وسط ساحة المعركة.
غازلها بينه وبين نفسه، وراح يستدعي لحظات لقائه بها، عِندما تنته المعركة
لابد وأن تنتهي، فلكل بداية نهاية، ويحسم النصر، سوف يعود لها كما وعد عينيها
إنه لا يعرف أن يخون عينيها، سوف يزين إصبعها بخاتم ذهبي، لا بماسي، نظر
حوله صحراء، ومعدات ثقيلة، كان يبحث عن زهرة يحدث أريجها عن فتاته التي
تنتظره بشوقٍ، هل تُحبه، وهل هي مُنشغلةً به، وأغمض عينيه بابتسامة رضى
لا شك أنها تُبادله الشعور ذاته!!
...عاد النقيب لؤي إلى رفاقه، بماءٍ وبعضٍ من طعامٍ بحقيبةٍ قماشية، كان الليل بدأ
بِمُداهمة المكان، همس أحمد: لا أُحب هدوء الصحراء، وافقه الرِفاق على رأيه
واتجه كلٌ إلى سلاحه، بشكل عفوي.
استراح القمر في كِبد السماء بينما السحاب
أخذ يتراقص الهوينا، وكأن الريح كانت الإيقاع المُرشد لحركاتها، جاء صوت
كما زخات راعدة حِقداً، وبدأت مواجهة جديدة، بين الفرقة الحادية عشر، وأشباح الظلام، لم تأبه النجوم لعبث المعركة، ظلت تتلألأ أملاً في أن يُحسم أمر النصر
لصالح نُشداء الأمن والسلام.
مر شهابٌ من جانب (المُلازم حسن) مزق ساعده الأيمن، مما اضطره لرمي سلاحه مُتألماً، ليبتعد عن رفاقه بأسى ومرارة، بينما انشغل الطاقم الطبي
بمداواته، تحت وابل الرصاص، وزخم المجنزرات والآليات.
كُل شيء كان يسير وفق ما يكون في ساحات المعارك، إلا أن عِناد أعضاء
الفرقة كان الأشرس، والأقوى في هذه المعركة، التي لخص فيها الجميع أسمى معاني التضحية والعطاء، توقف صوت الرصاص بالتدريج، وكأن ذخيرة العدو
بدأت بالنفاذ، لتتقدم التغطية الجوية، راميةً العتاد والذخيرة لأبطال الفِرقة
الذين استقبلوها بالتكبيرات والأهازيج الحماسية.
*******
يتبـــــــــــــع