أول من قال الشعرالعربي قبل الإسلام ونشأته وإزدهاره:
الشعر العربي قبل الإسلام هو ما يقصد به الشعر الذي قيل قبل ظهور بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الشعر العربي مرّ بمراحل مختلفة حتى استوى في صورته المعروفة، ذلك أن ما ورد إلينا من هذا الشعر هو ما يقرب من 150 سنة قبل البعثة المحمدية، أما ماقيل من الشعر قبل هذا التاريخ فلم يرد إلينا أي شعرإلا النزر اليسير.
ومما لا شك فيه، أن تاريخ اللغة العربية يمتد عدة الآف من السنين قبل هذا التاريخ، حيث أن أول من تكلم اللغة العربية هو سيدنا سام بن نوح عليهما السلام وهو أبو العرب كما قاله مؤرخو اللغة العربية. لذلك نرى أنه قبل 150 سنة من ظهور الإسلام كان هناك شعراء لم ينقل لنا التاريخ من أشعارهم إلا النزر اليسير.
يقول ابن رشيق " كان الكلام كله منثوراً، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وأطيب أعرافها وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد، وسمائحها الأجواد لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيِّم، فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام ، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً لأنهم شعروا به".
ولقد حاول محمد بن سلام الجمحي أن يبين بداية الشعر العربي فتحدث عن أوائل الشعراء الذين اندثرت أشعارهم وانطمس ذكرهم ولم يحفظ لهم التاريخ إلاالقبل من الأبيات.
ومما يؤكد ذلك قول عنترة بن شداد العبسي حيث يقول في مطلع معلقته :
هل غادر الشعراءُ من متردم ِ
أم هل عرفت الدار بعد توهمِ
يسأل عنترة هل ترك لنا الشعراء الذين كانوا قبلنا شيئاً نقوله من الشعر، لقد سبقونا في إنشاد الشعر وفي مانريد أن نقوله شعراً مثل ما قالوه.
وكذلك يقول زهير بن أبي سلمى:
ما أرانا نقول إلا مُعارا
أو مُعاداً من قولنا مكرورا
و يقول مؤرخو الشعر أنه لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة، ثم تزايد عدد الأبيات وتنوعت طرق الشعراء في نظم الشعر، بتقدم الزمان، وبازدياد الخبرة والمران، وبتقدم الفكر، فظهرت القصائد المقصدة الطويلة، التي توّجت بالمعلقات، وأن الأقوال التي قيلت عن أول من قال الشعر لا ترقى إلى الصحة وكل ما جاء على لسان آدم عليه السلام والأقوام البائدة كعاد وثمود أو على لسان الجن أشبه بالأساطير، وهي أشعار لا يعتمد على صحتها ، وقيل إن أول من قال الشعر من العرب هو قحطان بن يعرب ولم ترد له أشعار ، و قيل إن أول من نطق بالأشعار العمالقة، وعاد، وثمود، ومنهم من ينسبه إلى معاوية بن بكر بن الحبتر الذي ينتهي نسبه بسام بن نوح.
و منهم من قال أن أول من قال الشعر هو الزير سالم المهلهل عدي بن ربيعة بن الحارث بن مرة التغلبي، وهذا قول الشاعر الفرزدق وأيده الأصمعي حيث يقول: أول من تروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتاً من الشعر مهلهل، ثم ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم ضمرة، رجل من بني كنانة، والأضبط بن قريع.
وقيل إن القصائد قصدت، والشعر طول في عهد عبد المطلب أو هاشم بن عبد مناف، وذلك يدل على إسقاط عاد وثمود وحمير وتبع، ولم يذكروا اسم أول من قصد القصائد وطوّل الشعر، ولكن رأي معظم علماء الشعر أن المهلهل هو أول من قصد القصائد وأول من قال قصيدة تبلغ ثلاثين بيتاً من الشعر، وزعم بعضهم أن الأفوه الأزدي أقدم من المهلهل، وهو أول من قصد القصيد، وهو ما يعني أن عمر الشعر العربي لا يزيد على ألف وستمئة سنه .
ومنهم من قال أن شعر العنبر بن عمرو بن تميم هو أقدم ما قيل من شعر العرب وهي أبيات من الرجز، وربما هناك من سبقه لكن لم تصل أشعارهم من قبل الرواة يقول العنبر بن تميم : .
اليوم يبني لدويد بيته لو كان للدهر بليّ أبليته
أو كان قرني واحداً كفيته يا رب نهبٍ صالح حويته
وُذكر من بعده اسم "أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان"، ثم الحارث بن كعب.
وسأل الحجاج أيوب بن زيد ابن القِرِّيَّه عن اول من نطق بالشعرفقال سيدنا آدم عليه السلام حين قتل قابيل أخاه هابيل :-
يقول:
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الارض مُغْبَرٌ قبيحُ تغير كُلُّ ذي طعمٍ ولونٍ ولم يُرَ في الدُّنى شئ مليحُ
بكت عيني وحُقّ لها بكاها وجفني بعد احبابي قريحُ
فرد إبليس على قوله هذا فقال :-
تنوح على البلاد ومن عليها وبالفردوس ضاق بك الفسيح
وكنت به وعرسك في نعيم من الدنيا وقلبك مستريح
فما زالت مكايدتي ومكري الى ان فاتك الثمن الربيح
وُذكر من بعده اسم "أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان"، ثم الحارث بن كعب.
إلا أننا نرى امرئ القيس يقول في إحدى قصائده :
عوجا على الطلل المخّيل لعلنا
نبك الديار كما بكى ابن خذامِ
ومطلعها:
لـمن الديـار غشيتها بسحام
فعمايتيـن فهضب ذي أقـدام
فصفاالأطيط فصاحتين فغاضـر
تـمشي النعاج بـها مع الآرام
دارلهنـد والربـاب وفرتنـى
ولميـس قبل حـوادث الأيـام
عوجا على الطلل الـمحيل لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابن خذام
من خلال أقوال هؤلاء الشعراء يترآءى لنا شاعرٌ ُيدعى ابن خذام إلا أنه لم ينقل لنا التاريخ شيئاً عن شخصيته ولا عن شعره. يقول ابن سلام الجمحي " إن ابن خذام رجل من طيء لم نسمع بشعره الذي بكى فيه ولا عن غيره إلا هذا البيت الذي ذكره امرؤ القيس."وهذا يدل لنا أن بكاء الديار والوقوف على الأطلال ليس في زمن امرئ القيس، لقد كان هناك شعراء من قبله منهم ابن خذام . كما اختلفت الروايات عن اسمه الحقيقي فقالوا ابن خذام و ابن حذام وابن حُمام وابن الحُمام وكذلك اختلفت الأبيات المرويّة عن أمرئ القيس في الأبيات التالية :
عوجا على الطلل القديم لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابن حُذام
عوجا على الطلل المُحيل لأ ننا
نبكي الديار كما بكى ابن خذام
يا صاحبي قفا النوا عج ساعة
نبكي الديار كما بكى ابن حِمام
وعن ابن الكلبي" أول من بكى الديار امرؤ القيس بن حارثة بن الحُمام واياه عناه امرؤ القيس ." ويقول بعض الرواة أنه عمّر أكثر من مئتي سنه.
وعن أبي عبيدة: هو ابن خِذام وأنشد :
عُوجا على الطلل المُحيل لعلّنا
نبكي الديا رَ كما بكى ابن خِذامِ
وهناك بيت لعنترة في نفس المعنى، يقول فيه:
ولقد كررتُ المهر يدمى نحرُه
حتى اتقتني الخيل با بني حِديم
كما يورد بعض الرواة أن هناك شعراء لم يسجل لنا التاريخ من أشعارهم إلا القليل منهم سهل بن شيبان البكر الملقب بالفند الزماني والعنبر بن عمرو بن تميم والبراق بن روحان بن أسد. وزعم آخرون أن أول من قال الشعر وقصَّد القصائد هو عمرو بن قمينة بن سعد البكري. هؤلاء الشعراء قالوا الشعر بزمن طويل قبل المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس ومن جاء بعدهم.
وكذلك نورد قول ابن سلام الجمحي "أن أول ما وصل إلينا من الشعر هو قول العنبر بن عمرو التميمي وهو من الرجز:
قد رابني من دلوي اضـطرابها
و النأي في بهراء واغـترابها
أن لا يجىء ملأى يجىء قرابها
وكذلك قول مالك و سعد ابني زيد بن تميم:
يــظل يوم ورودها مزعفرا
وهي خنا طيل تجوس الخضرا
و كذلك قول نوار بنت عجل بن عدي :
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا تورد يا سعد الإبل
يقول ابن سلام الجمحي:" ...وكان الشعر عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذون وإليه يصيرون. فالشعر عند العرب له منزلة عظيمة تفوق منزلة تلك الأبنية. ومع إهتمام العرب العظيم إلا أننا لم نقف على محاولاتهم الأولى، وإنما وجدنا شعراً مكتمل النمو مستقيم الوزن تام الأركان. "
ونستخلص من كلام ابن سلام قوله " أننا لم نقف على محاولاتهم الأولى." لذك نرى إن الشعر الذي عرفناه من امرئ القيس وغيره من الشعراء قد يكون حصيلة شعر لشعراء كانوا قبلهم، من مئات السنين حتى تدرج من جيل إلى جيل إلى أن وصل إلى جيل المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس والنابغة وغيرهم.
و يقول الرواة أن أول من وصلتنا أشعاره هو المهلهل بن ربيعة من قبيلة تغلب ويأتي بعده امرؤ القيس، لذلك فقبيلة تغلب هي أول من وصلتنا أشعارهم، ومن أعلام شعرائها المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس والحارث بن حلزة اليشكري وطرفة بن العبد والأعشى ميمون وعمرو بن كلثوم وتلي هذة القبيلة قبيلة قيس ومنها النابغة الذبياني والنابغة الجعدي وكذلك لبيد بن ربيعة. والقبيلة الثالثة هي قبيلة تميم وهي أكبر القبائل العربية ومن شعرائها المشهورين أوس بن حجر وعلقمة الفحل والسليك بن السلكة ، وضمرة بن أبي ضمرة وعدي بن زيد العبادي والأسود بن يعفر وأكثم بن صيفي المشهور بالحكم. ثم قبيلة مضر والقبائل العدنانية والقحطانية ومن أشهر شعرائها عنترة بن شداد العبسي.
لقد اختلف الرواة عن كيفية بداية الشعر العربي فمنهم من قال أن بداية الشعر العربي أن العرب الأوائل حاولوا تقليد وقع خفاف الإبل في الصحراء وتدرجوا بعد ذلك أن جعلوا لها أوزان موسيقية لحداء الإبل حيث أن الإبل تطرب وتسرع في المشي عند سماع الحداء، وآخرون قالوا إن منشأ الشعر كان السجع الذي كانوا يسمعونه من الكهان ثم تطورالى الرجز وأخذ في التطور إلى إنشاء البحور الشعرية المعروفة. وقال آخرون إن بداية الشعر كان مصدره الغناء ثم تدرج الى بحر الرجز وتطور إلى بحور الشعر الأخرى. وبعد ذلك توالت الأشعار من المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس وطرفة بن العبد وغيرهم.
لكن من الثابت أنه لو لم يكن هناك شعراء قبل المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس وطرفة وغيرهم لما وصل إلينا هذا الشعر المتكامل الناضج لغةً وأدباً، إذ أنه من المؤكد أن الشعر العربي مر بمراحل عديدة حتى وصل إلينا شعر شعراء أمثال امرئ القيس وطرفة وغيرهم.
ومنذ عصر المهلهل وغيره من الشعراء بدأ ازدهار الشعر العربي وكذلك كثير من الفنون الأدبية كالخطابة والأمثال والوصايا في إمارتين، هما إمارة المناذره التي كانت تحت إمارة الفرس والغساسنه تحت إمارة الروم فقد كان كبار الشعراء والخطبا ء والحكماء العرب يتوافدون على المنذر بن ماء السماء وأكثرهم على عمرو بن هند وكانت المنافسة على أشدها بينهم مما أفرزت إبداعات أدبية رائعة شعرا ً كان أم نثراً من فنون الأدب من خطابة ووصايا وأمثال وغيرها .
ومن الذين كانوا يتوافدون على عمرو بن هند، الحارث بن حِلـّزة اليشكري وعمرو بن قميئة وعمرو بن كلثوم والنابغة الذبياني وأوس بن حجر وطرفة بن العبد والمنخل اليشكري ولبيد بن ربيعة العامري وحجر بن خالد والمسيب بن علس والمثقب العبدي وكان التنافس بينهم شديداً لنيل الهبات والجوائز وللتقرب لهؤلاء الأمراء .
وأثناء هذه الفترة ظهرت بيوت وأسراشتهرت بقول الشعر والخطابة و الحكم والوصايا أمثال كعب بن مالك بن زهير بن أبي سلمى و النعمان بن بشير أبوه وعمه شاعران. كما عرف ذلك العصر شاعرات أمثال أم الصريخ الكندية، والخنساء بنت الشريد، وخويلة الرئامية القضاعية وجليلة بنت مرة امرأة كليب وقيسة بنت جابر، وأميمة امرأة ابن الدّمينة وكبشة أخت عمر بن معدي كرب، وخرنق.
لقد كان ذلك العصر ديوان العرب و السجل الحقيقي للحياة العربية الأدبية والثقافية فقد حفظ هؤلاء الشعراء العظام لأمتنا العربية أصالتها ولغتها وتاريخها. وأرسوا لنا قواعد القصيدة من بحورها وقوافيها وغيرذلك من فنون الشعروالخطابة والوصايا والأمثال، كما أن الشعر الأموي لم يكن بذلك الشعر الرائع لو لم يكن هناك شعراء قبلهم. فالشعراء في عصر بني أمية استقوا من معين هؤلاء الشعراء في ذلك العصر.
وتبقى لأشعار القدماء قيمتها الخاصة جدا
برغم التطور اللاحق في كافة المراحل بعده
إلا أنه فعلا كان ديوانا حفظ لفصحانا الجميلة رونقها وجزالتها وألقها الأبدي
سلمت أناملكم أيها القدير وهذا الموضوع القيم جدا
وكل مواضيعكم لها قيمتها وأثرها
محبتي والاحترام