عظماء "بنو أمية" -(5)

عظماء "بنو أمية" - الفصل الخامس

الوليد بن عبد الملك
فترة خلافته من سنة 86 هـ إلى سنة 96 هـ
في عهده اتسعت الدولة الإسلامية فبلغت أقصى اتساعٍ لها وشمل هذا الاتساع بلاد السند والهند وما وراء النهر شرقا وبلاد الأندلس غربا . ولكنا هنا معنيون أكثر شيئٍ بفتح الأندلس الذى كان ثورةً كبرى فى التاريخ الإسلامى . ذلك لأن الأندلس تختلف فى نوعيتها عن بلاد المشرق بشكلٍ عام . فالدخول فى الأندلس كان يعنى الدخول لقلب أوربا ، أكثر بقاع العالم استعصاءً على المسلمين بسبب دينها المسيحى وبسبب ميول أهلها للعلوم المادية التجريبية . ولكن المسلمين أثبتوا جدارتهم لهذا التحدى وبرهنوا لأوربا بأن دينهم هو خاتم الأديان المرسل لكافة الناس ، وبأنه دين العلوم المادية والتجارب فى المختبرات والفلسفة والنظريات الحديثة والحضارة الراقية..إلخ . وكان فتح الأندلس حقا أكبر إنجاز تحقق على يد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك . ولم يكن عملا هينا بل استغرق التفكير فيه والإعداد له أعواما طويلة فإسبانيا كانت تحت حكم الإمبراطور لذريق القوى وتحت إمرته جيش القوط الجرار الذى يبلغ تعداده مائة ألف مقاتل فكيف لموسى بن النصير فى شمال افريقيا مواجهة هذا العدو الشرس وهو لا يملك سوى بضع ألوفٍ من الأمازيغ البربر حديثى العهد بالإسلام؟
سنرى كيف جابه المسلمون هذه المصاعب والأهوال التي يشيب لها الرأس فى الحلقات القادمة !!

من المتابعين لكم
شكرا لك

بأنتظار المزيد...بوركت

شكرا للعمدة وقيس
من المشكلات التى واجهت القائد موسى بن النصير قلة المراكب التى سيحتاج لها للعبور إلى الأندلس فبدأ فورا بإنشاء موانئ على شواطئ المغرب ومن ثم صناعة السفن .
ومن المشكلات الكبرى أن ميناء سبتة كان ما زال في يد النصارى ويحكمه النصرانى "يوليان" . ولكن يوليان كان صديقا للملك غيطشة الذى انقلب عليه لذريق واغتصب السلطة في الأندلس مما أثار حقد يوليان عليه فكان يتحين الفرص لمعاونة صديقه غيطشة لاسترداد حقوقه المسلوبة . استخدم موسى بن النصير دهاءه ليستفيد من هذه الفرصة فاتفق مع يوليان أن يعيد إلى صديقه أملاك ولايته التى كان يحكمها مقابل معاونته للمسلمين ومدهم بالسفن وإرشادهم بطبيعة الأرض داخل الأندلس فكان هذا أول الغيث للمسلمين . وبدأ موسى بن نصير يعلّم الأمازيغ أصول الدين الإسلامي ويحبب إليهم الجهاد في سبيل الله . ثم اختار رجلا منهم ليكون قائد الجيش ألا وهو طارق بن زياد الأمازيغى المؤمن التقى الملهم . وكان لهذا الاختيار وقعٌ حسن في نفوس الجنود فهم يفهمون قائدهم ويفهمهم وكان طارق يتحدث اللغة العربية والأمازيغية بطلاقة . تهيأ للانضمام إلى الجيش سبعة ألف مقاتل جلهم من الأمازيغ . ولكن وصلت رسالة من الخليفة الوليد إلى موسى بن نصير يأمره بأن يرسل سرية اختبار كخطوة أولى قبل إرسال الجيش فأرسل القائد سرية بقيادة طريف بن مالك ليتحسس شواطئ الأندلس ويختبر مدى المقاومة التى سيجدها المسلمون وتكونت السرية من خمسمائة رجل نزلوا على جزيرة سميت حتى اليوم بجزيرة طريف . ونجحت السرية في مهمتها نجاحا تاما وقامت بعدة غارات وظفرت بغنائم وأسرى ولم تجد أدنى مقاومة من سكان ذلك الجانب من الأندلس .

بوركتم وعافاكم الله

حلقة للعمدة وقيس وألبير
من جند الله المجهولين طريف بن مالك رجلٌ من المغرب العربى . هو الذى قاد سرية الاستكشاف الأولى وهو أول مجاهد مسلم وطئت قدماه أرض الأندلس . فيا له من بطل . وقد سميت الجزيرة باسمه تخليدا لذكراه فهو ليس أقل شأنا من طارق بن زياد الذى عبر المضيق البحرى بين سبتة وجبل طارق (طوله حوالى ثلاثة عشر كيلومترا) بجيش المسلمين . وكان قوامه سبعة آلاف مقاتل . وكان تعداد جيش العدو أمرا مجهولا آنذاك لدى المسلمين عند عبورهم ، ولكنهم توكلوا على الله ومضوا كما مضى رفاقهم من قبل لغزوة بدر متوكلين على الله . وهبط طارق بجيشه في شاطئ الأندلس في شعبان سنة 92 هـ . وأول ما قابله جيش المسلمين كان حامية صغيرة للنصارى بقيادة نصرانى اسمه (تُدمير) سرعان ما استسلموا لجيش المسلمين فأرسل تدمير رسال عاجلة إلى لذريق في طليطله يستنجد به ويقول " أَدْرِكْنا يا لُذريق؛ فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أَهُمْ من أهل الأرض أم من أهل السماء؟! فعلم لذريق أن الأمر خطير فجمع جيشا قوامه مائة ألف رجل وتوجه جنوبا للدفاع بنفسه عن وطنه الذى صار فجأةً في مهب الريح !
لقد اندهش رجال الحامية من جيش المسلمين . إنهم ليسوا غزاةً ينشدون الغنائم والسلب والنهب . فقد عرضوا عليهم إما الدخول فى الإسلام ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وتُترك لهم ممتلكاتهم . أو يدفعوا الجزية وتُترك لهم ممتلكاتهم كذلك أو الحرب . ومع ذلك أخذتهم العزة فاختاروا الحرب وسرعان ما هُزموا أمام المسلمين . إذن جيش المسلمين جاء لنشر الدين الإسلامي ولم يجئ لسلبٍ أو نهب . وبهذا المفهوم اكتسب أول ما اكتسب انطباعا حسنا في أوساط الاسبان . وهذا في حد ذاته بداية طيبة بإذن الله حتى لو هُزم المسلمون ، لا قدر الله .

قوم تمسكوا بالأسلام وجعلوا مرضاة الله غايتهم فأعزهم الله ونصرهم..
سلم مدادك

بوركتم أيها القدير
نتابع هذا الألق دائما
دمتم بحبور

غزوة بدر الكبرى تُعاد فى وادى لُكّة
-------------------
رسالة المسلمين للذريق ، كبير القوط ، كانت نفس رسالتهم للحامية الصغيرة: إما الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب . ولكن لذريق توجه من عاصمته طليطلة جنوبا على رأس مائة ألف وهو ينوى الانتقام الرهيب من المسلمين لدرجةٍ جعلته يحمل أثقالا من الحبال على ظهور البغال من أجل تقييد أسرى المسلمين وجعلهم عبيدا له . وأعاد التاريخ مشهدين هنا ، مشهدٌ قديم حينما قال المؤمنون "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرة بإذن الله" ومشهدٌ حديث فى أول صدامٍ مسلح بين المسلمين ، وهم أذلة ، وجيش قريش العرمرم فى بدر . اختار طارق بن زياد أرض المعركة ، بعين مهندس الحروب ، فى مساحة كبيرة تسمى الجزيرة الخضراء فى وادى لُكة بجانب النهر الكبير جاعلا الجبال الشاهقة من خلفه وعلى يمينه وبحيرةً على يساره ووضع حامية قوية بقيادة طريف بن مالك على حراسة الجبال لضمان حماية ظهره وميمنته من التفاف العدو حولهم . اثنا عشر ألفا من المسلمين سيواجهون مائة ألف من النصارى . ووضع طارق بن زياد أقوى جنوده قوة وشكيمة فى المقدمة فهو الأمازيقى ذو الدراية بجنده وذلك لامتصاص الصدمة الأولى فى القتال . وبدأت المواجهة المسلحة فى يوم الأحد المصادف للثامن والعشرين من شهر رمضان سنة 92 هـ ولسان حال المسلمين يقول: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . واستمرت المعارك الدامية بين الجيشين فكانت أمواجٌ من جيش القوط تنهال على المسلمين وهم صابرون فى ثبات وشجاعة نادرة حتى ظن المراقبون للمشهد أنه الفناء . وامتلأت الساحة بجثث القتلى حتى أن تلك الأرض اكتست بياضا من العظام والجماجم زمنا طويلا بعد الحرب . واستمر القتال سجالا بين الفريقين ثمانية أيامٍ متصلة . وكانت كراهية جند القوط للذريق الطاغية واتفاق يُليان مع المسلمين لإعادة أملاك غيطشة لأولاده أثرهما فى ترجيح كفة المسلمين وبث الفرقة والوهن والخور فى جيش القوط . ومع قدوم يوم الأحد لخمس خلون من شهر شوال سنة 92 هـ ،أى فى اليوم الثامن لبدء المعركة الحامية الوطيس ، ظهرت بشائر النصر المؤزر للمسلمين وبدأت فلول القوط فى الاستسلام وفرّ لذريق من أرض المعركة ووُجد فيما بعد غريقا فى النهر وظفر المسلمون بمغانم هائلة كان أهمها الأعداد الكبيرة من الخيول . واستشهد من المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل رووْا بدمائهم الزكية أرض المعركة . وبذلك طُويت صفحةٌ من الظلم والجهل والاستعباد فى الأندلس وبدأت صفحةً جديدة من صفحات التحضّر والرقىّ .

رعاكم المولى وأيدكم لكل خير