أعجب شخصية فى تاريخ الفكر الإسلامى
سبق " كنْط " و" هيوم " وغيرهما من الفلاسفة العقليين فى مسألة ( قدم العالم ) و ( الزمان والمكان ) بمئات السنين
-------------- بدأ الغزالى ، كما بدأ " ديكارت " بالإيمان بوجود الله
بدأ الغزالى تجربته الفلسفية بالشك فى العلم الموروث ، والشك فى الحسيات والعقليات ، ثم رجعت نفسه بعد طول التشكك إلى اليقين ، بنور قذفه الله فى صدره ، وهذا النور هو - كما يقول - مفتاح أكثر العلوم . والفرق بين شكه وشكّ الفيلسوف الفرنسى الشهير ديكارت أن الغزالى عاد إلى اليقين بنور قذفه الله فى صدره فى حين أن ديكارت لم يعد إلى اليقين إلا بعد عثوره فى قعر العقل على حقيقة أولى لا تقبل الشك ، وهى الحقيقة المعروفة بالكوجيتو الديكارتى : " أنا أفكر ، وإذن أنا موجود " .
ولكن هذه الحقيقة الأولى محتاجة عند ديكارت نفسه إلى الضمان الإلهى ، لأن عنده أنه لا يستطيع أن يثق بوجوده إلا إذا كان الله صادقا لا يكذب ولا يضلل ، وعنده أنه لو كان هنالك شيطان ماكر يعبث بعقله ويريه الباطل حقا ، والحق باطلا ، لما وصل إلى اليقين أبدا . إنه ليس من السهل على من شك في أحكام العقل أن يعود إلى اليقين بالاعتماد على العقل وحده . فلا بد إذن من معونة خارجية ، وهذه المعونة هى النور الذى قذفه الله فى الصدر فجعل العقل يدرك ذاته ، ويدرك صدق أحلامه . وهكذا نرى أن يقين الغزالى ويقين ديكارت بصدق أحكام العقل ، يلتقيان فى الجود الإلهى .
إن أحكام العقل فى نظر الغزالى صادقة فى العلوم المنطقية والرياضية والطبيعية ، وفى كل ما يتعلق بأمور التجربة . أما المعارف الإلهية فإن العقل لا يتحكم فيها إلا بالإمكان . وإذا كان كلام الفلاسفة فى الرياضيات برهانيا ، وفى الإلهيات تخمينيا ، فمردّ ذلك إلى عدم ولائهم فى الإلهيات بشروط البرهان المنطقىّ .
------------------------------------
الفقرة القادمة :
الغزالى لم يفقد ثقته بالله ساعةً واحدة
وقد رثاه ابو مظفر الأبيوردي في موته بهذه الأبيات الشهيرة
بَكَى على حجَّة الْإِسْلَام حِين ثوى من كل حَيّ عَظِيم الْقدر أشرفه
فَمَا لمن يمتري فِي الله عبرته على أبي حَامِد لَاحَ يعنفه
تِلْكَ الرزية تستوهي قوي جلدي فالطرف تسهره والدمع تنزفه
فَمَاله خله فِي الزّهْد تنكره وَمَا لَهُ شُبْهَة فِي الْعلم تعرفه
مضى فأعظم مَفْقُود فجعت بِهِ من لَا نَظِير لَهُ فِي النَّاس يخلفه
الغزالى لم يفقد ثقته بالله ساعة واحدة
وإذا كان الغزالى قد رجع بعد طول التشكك إلى الوثوق بأحكام العقل ، فمعنى ذلك أن شكه لم يكن إلا شكا منهجيا مؤقتا . وجد نفسه على شفا جُرُفٍ هار فالتجأ إلى الله تعالى ، فأنقذه الله من الشك ، فهو بالرغم من شكه فى كل شيئ لم يفقد ثقته بالألطاف الإلهية ساعة واحدة . وهذا النور الذى قذفه الله فى صدره لا نعرف له تأويلا إلا قولنا أنه اقتناع داخلى بصدق أحكام العقل . بل العقل لا يحتاج فى نظره إلى المعونة الخارجية إلا فى حالتين . الأولى إشفاؤه من الشك إذا انتابته آفته ، والثانية لتنبيهه وإرشاده إلى الأمور الإلهية التى لا يمكنه الاطلاع عليها إلا بالوحى والإلهام . أما فيما عدا ذلك فالعقل ميزانٌ صادق ، لا بل هو آلة سليمة صالحة لاقتناص المعرفة ، أساسه الضروريات العقلية ، وسبيله النظر ، ومِحكه الأخير الوضوح والبداهة .
ولشاعرنا ألبير تُخصص الفقرة أدناه
عرف الله بقلبه قبل عقله
على أن الغزالى لم يكن فى حاجة إلى البراهين العقلية للوصول إلى معرفة الله ، لأنه عرف الله بقلبه ، قبل أن يعرفه بعقله ، فمعرفته بالله ناتجة إذن عن تجربة داخلية ، وهى من عجائب القلوب لا من ثمرات العقول . فمن لم يُرزق هذه المعرفة بالذوق لم يدرك من حقائق الأمور الإلهية إلا الألفاظ ." لو لم تجدنى لما برهنت على وجودى " .
ويرى الغزالى أن الله خلق العالم بإرادة قديمة اقتضت وجوده فى الوقت الذى وجد فيه . وإذا كان الله قد أراد العالم وخلقه فمعنى ذلك أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة . فهو يعلم الأشياء كلها بجميع أحوالها . وعمله بها أزلى . وهو " ذات " لها صفات قديمة . ولكن تعدد صفاته لا ينافى وحدة ذاته .
لولا الشك لما توصّل الإنسان إلى الحقيقة
النور برأيي هو الفطرة السليمة التي أودعها الله في قلوب المؤمنين
رحم الله العالم الكبير أبا حامد الغزالي
مطلب شيق مثير للتفكّر
شكرا بحجم ما يليق