من أسماء الله الحسنى العزيز
مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( العزيز) :
أيها الأخوة الأكارم : مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم : "العزيز" .
ورود اسم العزيز في :
1 ـ كثير من آيات القرآن الكريم :
أيها الأخوة ، هذا الاسم ورد في كثير من آيات القرآن الكريم ، لعله ورد قريباً من مئة آية ، من أبرز هذه الآيات :
وفي صحيح الجامع الصغير من حديث عائشة رضي الله عنها أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
(( لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار )) .
[ أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني عن عائشة أم المؤمنين ] .
من معاني اسم العزيز :
1 ـ العزيز هو الغالب :
معاني هذا الاسم "العزيز" هو الغالب .
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
( سورة الصافات ) .
لمجرد أن تتحقق جنديتك لله عز وجل فأنت الغالب ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تكون جندياً لله ولا تنتصر .
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ .
( سورة محمد الآية : 7 ) .
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
بطولة الإنسان أن يكون مع الغالب دائماً :
لذلك أيها الأخوة ، إن لم ننتصر فالخطأ منا ، الكرة في ملعبنا ، هناك خلل في جنديتنا لله عز وجل ، ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ، الله عز وجل يقول في آيات كثيرة من هذه الآيات :
أي غلبني ، "العزيز" هو الغالب ، فالبطولة أن تكون مع الغالب دائماً ، والخطأ المدمر أن تنحاز إلى المغلوب ، إذا كنت مع الغالب فأنت الغالب ، إذا كنت مع الله فأنت المنتصر ، إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .
قوة المؤمن تنبع من تطبيقه لمنهج الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، كلمة أقولها لكم : لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله ، هو ينصره ، ولكن لنقلق على أنفسنا .
أول معنى من معاني هذا الاسم أنه الغالب ، فالبطولة أن تكون مع القوي ، قوة المؤمن من توكله على الله ، قوة المؤمن من اعتماده على الله ، قوة المؤمن من تطبيقه لمنهج الله كثمن لنصر الله ، نصر الله له ثمن ، الأمور ليست بالتمنيات ، التمنيات بضائع الحمقى .
المعنى الآخر : "العزيز" هو الشريف ، بكل مجتمع في فئة من الناس تسمى في اللغة علية القوم ، عزيز ، صادق ، كريم ، أصيل ، جواد ، صبور ، حليم ، هؤلاء النخبة من الناس هم أعزة القوم .
إذا إنسان لم يعرف ربه لكن تكلم كلمة صحيحة ، يجب أن تكون خطأ ؟ لا ، بلقيس قبل أن تعرف الله قالت : ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ خالق السماوات والأرض قال : ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ .
يعني الانفتاح يقتضي أن تصغي إلى كل قوم ، الإمام الشافعي يقول : أنا على حق ، وخصمي على باطل ، وقد أكون مخطئاً ، وخصمي على حق ، وقد يكون مصيباً ، تواضع حينما تحاور .
أي قويناهم بثالث ، إذا قلت فلان عزيز يعني قوي ، والناس يحبون الأقوياء وطبع في الإنسان أن يحب القوي ، لكن من هو أقوى الأقوياء ؟ خالق السماوات والأرض ، من هو القوي إلى أبد الآبدين ؟ خالق السماوات والأرض ، إن أردت أن تكون قوياً كن مع القوي لا تكن مع الضعيف ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإن أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله ، وإن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك .
الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد :
الآن لو دخلنا في التفاصيل ، الشيء العزيز نادر الوجود ، هناك معادن عزيزة مثلاً اليورانيوم ، معدن نادر ، غالٍ جداً ، كل شيء نادر وجوده قليل يسمى عزيزاً ، العوام أحياناً يقول لك : مادة عزيزة ، قليلة ، لكن إذا قلنا الله عزيز لا مثيل له ، لا ندّ له ، لا نظير له ، واحد أحد فرد صمد :
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ .
( سورة الإخلاص ) .
إذا قلت شيء عزيز أي قليل ، وجوده نادر ، أما إذا قلت الله عزيز يعني واحد أحد ، فرد صمد ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ .
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ .
( سورة الإخلاص ) .
﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ .
( سورة الشورى الآية : 11 ) .
وكل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك .
4 ـ العزيز من يحتاجه كل شيء في كل شيء :
الآن الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه إذا قلنا الله عزيز أي يحتاجه كل شيء في كل شيء ، الناس بحاجة إلى ملك يوفر لهم الأمن ، والحاجات ، والنظام ، ...إلخ ، لكن أحياناً يكون هناك راعٍ بأطراف المملكة ، يأكل ويشرب من هذا الذي أمامه ، من حليب الغنم ، ومن لحمها ، وليس بحاجة إلى الملك ، أي أحياناً يكون أقوى إنسان لسنا بحاجة إليه ، لكن إذا قلنا الله عزيز تحتاجه النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، يحتاجه كل مخلوق لأنه إمدادك من الله ، لو مات الإنسان ووزناه لا ينقص ولا غرام واحد ، ما الذي فقده ؟ الإمداد ، كان يتكلم ، ويبتسم ، ويضحك ، ويمشي ، ويجلس ، ويأمر ، وينهى فإذا انقطع الإمداد عنه أصبح جثة هامدة .
معنى "العزيز" أنه يحتاجه كل شيء في كل شيء ، إنك تبصر بالله ، بإمداد الله لعينك ، تسمع بالله ، الكبد في الكائن الحي له خمسة آلاف وظيفة ، فإذا مات الإنسان ، أو ذُبح الحيوان صار الكبد طعاماً نأكله ، يقول لك : سودة ، كان جهازاً خطيراً جداً يقوم بخمسة آلاف وظيفة ، فصار قطعة لحم تؤكل .
كل إنسان بحاجة إلى الله عز وجل :
لذلك أيها الأخوة ، إذا قلنا الشيء عزيز أي نادر الوجود ، إذا قلنا الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد ، إذا قلنا الشيء العزيز الذي تشتد الحاجة إليه ، الماء عزيز يحتاجه كل إنسان ، الهواء عزيز ، لكن بعض الفواكه النادرة لا نحتاج إليها ، إذا شخص لم يأكل كرزاً لا يموت ، يبقى ، يعيش ، في آلاف الأطعمة لسنا بحاجة إليها حاجة أساسية .
إذاً الشيء العزيز تشتد الحاجة إليه لكن الله "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء ، أنت بحاجة إلى الله ، بهذا الهواء الذي تتنفسه ، القلب ينبض لو توقف انتهت الحياة ، كل الأموال المنقولة والغير المنقولة تخسرها بثانية واحدة ، يعني الإنسان قوته ، وهيمنته ، و عظمته ، ومكانته ، وسيطرته ، وحجمه المالي الكبير ، وحجمه الإداري الكبير ، منوط بضربات قلبه ، فإذا توقف قلبه انتهى كل شيء ، صار خبراً على الجدران .
يذهب إنسان أحياناً إلى بلاد الغرب راكب طائرة بالدرجة الأولى ، يرجع نعشاً ، يرجع بضاعة ، إذا شخص أراد أن يُرجع فقيداً له في بلاد بعيدة تصبح له معاملة خاصة يحتاج أوراق ، ويحتاج تخليص بضاعة ، ويحتاج إلى ضرائب ، نعش .
فالإنسان يتوقف قلبه صار خبراً ، صار بضاعة ، يتجمد الدم بعروقه تنتهي حياته ، أي أنت حياتك منوطة بسيولة دمك فقط ، ولو تجمدت قطرة دم ، نقطة دم كرأس الدبوس في أحد شرايين الدماغ بمكان شلل ، بمكان عمى ، بمكان فقد ذاكرة ، كل عظمة الإنسان المتوهمة منوطة بسيولة دمه ، وبدقات قلبه ، وبقطر شريانه التاجي ، قطره ميلي وربع ، فإذا ضاق هذا الشريان دخل هذا الإنسان في متاعب لا تنتهي ، كل عظمة الإنسان ، وهيمنته ، وقوته ، وحجمه المالي ، والإداري ، ومكانته ، وثقافته ، وشهادته ، ومنصبه الرفيع منوط بنمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهى ، ورم خبيث .
من قال الله تولاه الله برحمته و من قال أنا تخلى الله عنه :
الذي يقول أنا أحمق ، قل الله ، إن قلت الله تولاك الله ، وإن قلت أنا تخلى الله عنك ، حينما توهم الصحابة الكرام وهم نخبة البشر ، وفيهم سيد البشر ، أنهم لم يغلبوا من قلة في حنين غلبوا .
إذاً "العزيز" الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء "العزيز" الشيء العزيز يصعب الوصول إليه ، يعني أنت ممكن تزور أي مكان ، أما قصر الملك يحتاج موافقات مسبقة ، ليس من السهل أن تدخل هذا القصر ، فالقصر شيء عزيز لأنه يصعب الوصول إليه ، أما إذا قلنا الله "العزيز" يستحيل أن تحيط به .
لكن كاستثناء دقيق يمكن أن تصل إليه عبادة ، يمكن أن تعرفه معرفة محدودة يمكن أن تعبده ، يمكن أن تطيعه ، يمكن أن تتصل به أما أن تحيط به مستحيل ، لا يعرف الله إلا الله ، حتى سيد الأنبياء والمرسلين معرفته ليست مطلقة ، لا يعرف الله إلا الله ، فإذا قلنا الله "العزيز" واحد أحد ، فرد صمد ، وإذا قلنا الله "العزيز" يحتاجه كل شيء في كل شيء ، وإذا قلنا الله "العزيز" يستحيل أن تحيط به .
بطولة المؤمن أنه يختار هدفاً لا نهائياً لا هدفاً محدوداً :
لذلك الإنسان يكون شاباً حتى في المئة ، إذا اختار أن يعرف الله ، الله لا نهائي أما إذا اختار شيئاً دنيوياً ، ووصل إليه ، وأحاط به ، انتهت حياته ، حياته صارت مملة ، بطولة المؤمن أنه اختار هدفاً لا نهائياً ، في شباب دائم ، أقسم لكم بالله المؤمن شاب في التسعين ، طبعاً في ضعف بجسمه ، في ضعف في بصره ، لكن همته همة شباب ، لأن هدفه كبير ، وأنت لا تسعد إلا إذا اخترت هدفاً يتناسب مع بنيتك ، أنت مصمم لتعرف الله ، أنت مولف ، مصمم مبرمج ، مفطور ، من أجل أن تعرف الله .
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء )) .
[من مختصر تفسير ابن كثير]
فإن اخترت هدفاً آخر غير الله محدود ، انظر إلى إنسان وصل إلى طموحاته الكبرى مالياً ، تجده في ملل ، يقول لك شيء مألوف ، ولحكمة بالغة بالغةٍ بالغة لن يشاء ربنا جلّ جلاله أن يجعل الدنيا تمدك بمتعة مستمرة ، متعة متناقصة ، أي شيء كنت بحاجة إليه أو تطمح إليه بعد أن تصل إليه يصبح شيئاً عادياً ، أوضح شيء الزواج ، الذي لم يتزوج يظن الزواج شيئاً غير معقول ، بعد الزواج شيء عادي جداً ، الله عز وجل أبى أن يجعل الدنيا تمد الإنسان بمتعة مستمرة بل متعة متناقصة ، وإذا فيها معصية متعة متناقصة مع كآبة .
التفكر في الكون أحد طرق معرفة "العزيز" :
أيها الأخوة ، الآن الشيء العزيز يقل وجوده ، وتشتد الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، كلما كثر وجوده قلّت عزته ، وكلما قلّت الحاجة إليه قلّت عزته ، وكلما سهل الوصول إليه قلّت عزته .
الآن : كلما قلّ وجود الشيء حتى صار واحداً ، وكلما اشتدت الحاجة إليه حتى احتاجه كل شيء في كل شيء ، وكلما صعب الوصول إليه حتى أصبح مستحيلاً إنه الله ، ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ .
أيها الأخوة ، التفكر في الكون أحد طرق معرفة "العزيز" نحن لنصل إلى نجم ملتهب عدا الشمس ، نحتاج لأربع سنوات ضوئية ، كي أترجم لكم هذه المسافة بلغة الواقع :
لو في مركبة أرضية (سيارة) لو في طريق إلى هذا النجم ، نحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة ، كل تاريخ البشر عشرة آلاف سنة ، تاريخ البشرية كلهم ، خمسين مليون عام نقود مركبة كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض ، نجم القطب أربعة آلاف سنة ، المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، نجم اكتشف حديثاً 24 مليار سنة ضوئية ، هذا جزء من الكون وحتى هذه الساعة لا يزال الكون لا نهائياً ، أحدث نجم اكتشف بعده عنا 24 مليار سنة ، يعني 24 ألف مليون سنة ضوئية ، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام قيادة مركبة متى نصل إلى 24 مليار ؟ إذا كان هذا خلق الله فكيف عظمة الله عز وجل ؟
إذاً معنى الله "العزيز" يعني هنيئاً لمن عرفه ، والويل ثم الويل لمن غفل عنه .
أصل الدين معرفة الله :
إخوانا الكرام ، الذي يحدث أن في الإنسان شهوات ، لو أردنا أن نوضح هذه الفكرة لو أن شهواته أعطيناها وحدات وزن ، عشرة كيلو ، حضر درساً شَكَّل عشرة غرامات قناعة أن الله حق ، درس ثانٍ عشرة ، درس ثالث عشرة ، تبقى هذه العشرات لا توازي العشرة كيلو إلى أن يطلب العلم طلباً حثيثاً ، إلى أن يتفكر في خلق السماوات والأرض ، إلى أن يعرف الله تماماً تصبح قناعاته عشرة كيلو ، صار في صراع ، فإذا تابع طلب العلم صار مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعصي الله ، الإنسان يعصي ربه من ضعف معرفته به ، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت ، بقدر معرفتك بالله تطيعه ، بقدر خشيتك له تطيعه ، فأي إنسان يرتكب مخالفة لضعف معرفته بالله ، وأصل الدين معرفة الله ، لذلك :
ففُهم من هذه الآية أن طريق معرفة قدر الله عز وجل ، أي طريق تقدير الله حق قدره التفكر في خلق السماوات والأرض .
من دعا مع الله إلهاً آخر عُذب عذاباً شديداً في الدنيا و الآخرة :
أختم هذا اللقاء الطيب بهذه الآية :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ ﴾ .
( سورة الشعراء الآية : 213 ) .
الإله الآخر شهوتك أحياناً ، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن بيده الأمر ، الإله الآخر إنسان قوي تتوهم أن سلامتك بالانبطاح أمامه ، كما يجري ، تتوهم أحياناً أن سلامتك أن تواليه ، الله قال : ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ ﴾ .
﴿ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
أحد أكبر العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر .
أيها الأخوة ، معرفة اسم "العزيز" تجعلك عزيزاً ، معرفة اسم "العزيز" تجعلك غنياً ، تجعلك قوياً ، تجعلك حراً أبياً ، إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مع "العزيز" ، سبحانك إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت .
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم "العزيز" .
من معاني اسم العزيز :
1 ـ المعز :
"العزيز" يعني المعز ، كأن تقول الأليم أي المؤلم ، هذا معنىً آخر ، "العزيز" هو المعز ، كأن تقول هذا شيء أليم أي مؤلم ، وقد قال الله عز وجل :
الإعزاز خير ، والإذلال خير ، إيتاء الملك خير ، ونزعه خير ، لأن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق .
(( عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ))
[أخرجه مسلم عن صهيب]
لم يقل بيدك الخير والشر ، قال ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ ، لأن إيتاء الملك خير وانتزاعه خير لحكمة بالغةٍ بالغة ، والإعزاز خير والإذلال خير ، لكن الله سبحانه وتعالى يذل ليعز ، ويخفض ليرفع ، ويأخذ ليعطي ، هذه الأسماء الحسنى ، كما قال بعض العلماء : ينبغي أن تذكر مثنى مثنى ، الضار النافع ، يضر لينفع ، ويخفض ليرفع ، ويأخذ ليعطي ، ويذل ليعز ، فمن أسماء الله تعالى "العزيز" أي المعز .
الاستقامة هي الطريقة العملية لإعزاز الإنسان :
لكن ما الطريقة العملية لإعزاز الإنسان ، الله عز وجل بيّنها ، قال تعالى :
متى تكون عزيزاً ؟ يعني بالتطبيق العملي تكون عزيزاً ، إذا كنت محسناً حينما تكون طبيباً وتراجع الدراسات التي أتقنتها ، وتسأل المريض هل عندك حساسية من هذا الدواء ؟ أما إن لم تسأله ، وأصابته صدمة ، ولم تكن قد أعلمته فأنت مسؤول ، أي أنك إذا كنت محسناً تكون عزيزاً في عملك ، إذا كنت زوجاً محسناًَ تكون عزيزاً في بيتك ، إذا كنت أباً محسناً تكون عزيزاً عند أولادك ، إذا كنت تاجراً صدوقاً نصوحاً تكون عزيزاً عند زبائنك ، إذا كنت مدير مؤسسة محسناً تكون عزيزاً عند موظفيك .
كأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا طريق العز ، أنت تكون متقناً ، أن تكون محسناً ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ الجنة ، ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ النظر إلى وجه الله الكريم ، و ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾ أي غبار ، و ﴿ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ ، تكون عزيزاً إذا كنت محسناً ، تكون عزيزاً إذا كنت نظيفاً ، تكون عزيزاً إذا كنت صادقاً ، تكون عزيزاً إذا كنت أميناً ، لا أحد يستطيع أن ينال منك ، وكأنك ملك ، المستقيم عزيز ، النظيف عزيز ، الطاهر عزيز ، الصادق عزيز المخلص عزيز ، تكون عزيزاً إذا كنت مستقيماً ، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ .
متى يكون ذليلاً ؟ إذا كان خائناً ، حينما تكشف خيانته يُذل ، إذا كان سارقاً يُذل ، إذا كان كاذباً يُذل ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إياك وما يعتذر إليه )) .
[ أخرجه الطبراني عن سعد رضي الله عنه ] .
العمل الذي تضطر أن تعتذر منه إياك أن تفعله ، تبقى رافع الرأس ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ .
﴿ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ .
( سورة يونس الآية : 27 ) .
المؤمن الصادق خلوته كجلوته و سره كعلانيته :
إذا كنت مع "العزيز" كنت عزيزاً ، إذا كنت مع "العزيز" قطعاً سوف تكون مستقيماً ، لأنه لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً ، فإذا كنت مستقيماً طبيعة الحياة ترفعك عند الناس تكون عزيزاً .
أيها الأخوة ، هذا معنى أن "العزيز" هو المعز ، إن أردت الدنيا والآخرة فاستقم على أمر الله ، إن أردت أن تكون فالحاً ، وناجحاً ، وعزيزاً ، وكريماً ، ورفيع المقام ، كن مستقيماً ، الاستقامة أصل من أصول الدين ، لن تقطف من ثمار الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً ، المؤمن الصادق لا يوجد عنده موقف مزدوج ، خلوته كجلوته ، سره كعلانيته ، سريرته كعلانيته ، باطنه كظاهره ، مع الناس حاله كحاله في خلوته .
الصدق و الاستقامة و الأمانة هذه الأخلاق بحدِّ ذاتها تجعل الإنسان عزيزاً :
إخوانا الكرام ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، كما قال السيد المسيح ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، الإنسان يعيش بكرامته ، كرامته تتأتى من استقامته .
تصور إنسان كُشف أنه كاذب ، كُشف أنه خائن ، كُشف أن مختلس ، كُشف أنه يحابي أقرباءه ، انتهى ، سقط من عين الناس ، ومن عين الله عز وجل ، ولأن يسقط الإنسان من السماوات إلى الأرض فنتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله .
معنى "العزيز" المعز ، ولأنه أمرك أن تكون صادقاً ، مستقيماً ، أميناً ، عفيفاً ، هذه الأخلاق الرفيعة هي بحدِّ ذاتها تجعلك عزيزاً ، يقول لك : فلان نظيف ، فلان صادق فلان أمين .
2 ـ أن يكون الله عز وجل أغلى عندك من أي شيء آخر :
أيها الأخوة ، معنىً آخر من معاني "العزيز" : يستحيل أن تصل إليه ، ويستحيل أن يتجلى على قلبك ، ويستحيل أن يقربك إذا كان في حياتك شهوة أو معصية أغلى عليك منه ، فالطريق ليس سالكاً إلى الله ، هو عزيز ، أحياناً إنسان تسترضيه بشيء بسيط ، أما في جهة أخلاقية لا تسترضى ولا بشكل ، إلا إذا كنت مستقيماً ، نقطة دقيقة ، الله عزيز ، لا يمنحك وده ، لا يمنحك حبه ، لا يمنحك رعايته ، لا يدافع عنك ، لا يقربك إلا إذا كان الله عز وجل أغلى عليك من شيء ، إن كان الله عندك هكذا منحك قربه ، ودّه ، توفيقه ، محبته ، أما إذا في شهوة أغلى عليك منه ، أو في مخالفة مقيم عليها ، وتعلم أنها مخالفة لن تصل إليه ، ولن تأخذ من ثمار الدين شيئاً ، هذه حقيقة ، الدليل ، قال تعالى :
سلعة الله غالية ، يعني الجنة لن تكون بركعتين ، وليرتين ، تكون باستقامة ، تكون بمجاهدة ، تكون بضبط نفس ، تكون بصبر ، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾.
من طمع بجنة عرضها السماوات والأرض عليه أن ينفق من وقته وماله في سبيل الله :
تنفق من وقتك الثمين ، تنفق من مالك العزيز ، تنفق من خبرتك ، أما أن تطمع بجنة عرضها السماوات والأرض وأنت حريص على المال ، حريص على الراحة ، حريص على ألا تضع نفسك في موضع محرج ، ولا تعبأ بأي عمل صالح ، ليس هذا من شأن المؤمن ، لكن الآية التي توضح هذا المعنى بشكل جلي هي قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 24 ) .
والله هذه الآية تقصم الظهر ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ ، يعني الأب غني ، وقوي أمر ابنه بمعصية فالابن من شدة حرصه على أن يأخذ من مال أبيه ، وأن يبقى مقرباً إليه فعصى الله إرضاءً لأبيه هذا المعنى ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ :
﴿ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 24 ) .
من أجل أن تجعله رفيع الشأن في المجتمع ، أكلت المال الحرام ، كان ابنه أغلى عنده من الله ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ﴾ :
﴿ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 24 ) .
من أجل أن تكون عندهم كبيراً المجتمع فاسد ، المجتمع منحل ، فمن أجل أن تكون عندهم كبيراً عصيت الله وأرضيتهم ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ﴾ .
﴿ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾ .
( سورة التوبة الآية : 24 ) .
تحبها كثيراً ، طلبت منك طلباً يُغضب الله ، فمن أجلها أغضبت الله عز وجل ، مرة كان الحسن البصري رحمه الله تعالى ، وهو من التابعين الكبار عند والي البصرة ، جاءه توجيه من الخليفة إلى هذا الوالي ، لو أنه نفذه لأغضب الله عز وجل ، ولو أنه لم يعبأ بهذا التوجيه لأغضب الخليفة ، فعزله ، كان عنده الإمام الحسن البصري ، قال له : ماذا أفعل ؟ والله أيها الأخوة ، أجابه إجابة يجب أن تكون منهجاً لكل واحد منا ، منهج ، قال له : إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .
الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى :
أحياناً الإنسان من أجل ابنه يرتكب كل المعاصي والآثام ، يسافر إلى بلد بعيد يستقر هناك ، يتجنس ، وينسى أن يتصل بأبيه بالعامين مرة ، يتزوج ، لأنه عصا الله من أجله ، فكان ردّ ابنه هكذا ، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ﴾ .
يعني الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هو عزيز لأن الله عز وجل ، حينما تستسلم له كلياً ، حينما تخضع له كلياً ، حينما تؤثره على كل شيء ، ترى من الخيرات ، والرفعة والمكانة ، والشأن ، والراحة ، والتوازن ، والسعادة ، والاستقرار ، والشعور بالأمن ، والشعور بالتفوق ، ما لا يوصف .
القرب والحفظ والتأييد من الله عز وجل لا يكون إلا بالخضوع لأمره والاستسلام له :
حقيقة دقيقة في الدين ، أن تجمع بين الدين والدنيا ، أن تجمع بين الدين وبين مخالفات وتجاوزات في الدنيا ، بإمكانك أن تصلي لكن لن تستطيع أن تتصل بالله ، بإمكانك أن تحج بيت الله الحرام لكن لن تستطيع أن تكون مُقبلاً على الله ، بإمكانك أن تصوم رمضان ، هذه العبادات الشعائرية بإمكانك أن تؤديها أداءً تاماً ، أما إذا كان هناك شهوة ، أو معصية ، أو انحراف أغلى عليك من الله ؛ فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هذه الآية أعيدها مرة ثانية :
الله "العزيز" إن أخلصت له ، إن خضعت له ، إن استسلمت له ، إن وضعت تحت قدمك كل حظوظك ترى شيئاً لا يوصف ، ترى القرب ، ترى الحب ، ترى التوفيق ، ترى التأييد ، ترى النصر ، ترى التوازن ، ترى السعادة ، ترى الطمأنينة ، فإن آثرت عليه شيئاً فالطريق إليه ليس سالكاً ، ممكن تشتري هاتفاً بأعلى مستوى ، وبأغلى ثمن ، لكن ما في خط ما في ونة لن يكون الخط حاراً إلا باستقامتك على أمر الله .
طاعة الله عز وجل ثمن حلاوة الإيمان :
شاهد آخر :
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ] .
الإيمان له حلاوة ، أو هناك حقائق وهناك حلاوة ، الحقائق واضحة جداً ، أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، أحكام الصلاة ، الصوم ، الحج ، والزكاة ، يسهل حفظها ، ويسهل أن تعلمها أيضاً ، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق ، حلاوة الإيمان يجعلك بطلاً ، حلاوة الإيمان يجعلك تضع تحت قدمك كل حظوظ الدنيا .
سيدنا خبيب قبل أن يصلب ، قبل أن يصلبه المشركون سأله أبو سفيان ، أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ وأنت معافىً في أهلك ؟ قال خبيب : والله (سيموت بعد قليل) والله ما أحب أن أكون في أهلي ، أمامي زوجتي ، وأولادي ، وفي بيتي ، ومستقراً ، ومرتاحاً ، وعندي عافية الدنيا ونعيمها ، النعيم ، في زهور ، في أنواع منوعة من الفواكه في كل الأجهزة الكهربائية في البيت ، بيت مساحته واسعة ، إطلالته جميلة ، أمامك زوجتك شابة في ريعان الشباب ، أولاد ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ، وعندي عافية الدنيا ، ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة ، فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً .
هذا الإيمان ، حينما يستوي عندك التبر والتراب تكون مؤمناً ، المليون مثل الليرة في شبهة ؟ تركلها بقدمك ، حلاوة الإيمان لها ثمن ، ثمنها طاعة الله عز وجل .
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) .
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ] .
أكيد ، لو سألت مليار وخمسمئة مسلم ألا تحب الله أكثر من كل شيء ؟ يقول لك : طبعاً أعوذ بالله ! هذا كلام ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته حينما يتعارضان مع مصلحتك أن تؤثر جانب الله عز وجل ، وجانب رسوله ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان .
سلعة الله غالية :
مرة ثانية : ألا إن سلعة الله غالية ، نحن في الدنيا يا أخوان ، حتى تكتب جانب اسمك دال فقط معك ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وجامعة ، ودبلوم عامة ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثلاثة و ثلاثون سنة دراسة ، من أجل إضافة كلمة دال ، يأتي ملك الموت ينهيها لك ، عميد أسرتهم الدكتور فلان ، انتهت ، اللقب العلمي انتهى .
فمن أجل أن تكون مؤمناً ، من أجل أن تصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، هذا يحتاج إلى جهد كبير .
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما )) .
عند التعارض .
(( وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )) .
3 ـ عجز اللسان عن وصفه سبحانه :
أيها الأخوة ، من معاني "العزيز" من ضلت العقول في بحار عظمته ، وكلت الألسنة عن وصف كمالاته ، هذا المعنى عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
(( سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك )) .
[ صحيح عن علي بن أبي طالب]
من تواضع لله رفعه و من تكبّر وضعه :
الآن أيها الأخوة ، كلما تواضعت لله تزداد عزاً ، علاقة عكسية ، وكلما ترفّع الإنسان وتكبّر وضعه الله عز وجل ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
(( لو دُعيتُ إلى كُراَع )) .
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ] .
يعني أقل أنواع الضيافة ، قدم غنم .
(( لو دُعيتُ إلى كُراَع أو ذراَع لأجَبتُ ولو أُهْدِيَ إليَّ ذِراعُ أو كُراعَ لَقَبِلْتُ )) .
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ] .
في تواضع ، سيدنا الصديق ، له خدمة لجارته ، له جارة عجوز ، كان يحلب لها الشياه ، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على هذا البيت ، لأن هذه الخدمة سوف تنتهي ، في صبيحة اليوم الأول من تسلمه الخلافة ، طرق باب العجوز ، فقالت لابنتها : افتحي الباب يا بنيتي ، فلما رجعت إليها قالت : من الطارق ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أمي ، قالت : إنه أمير المؤمنين ! جاء حالب الشاة ، أمير المؤمنين يحلب الشياه لجارته العجوز .
كلما تواضعت لله زادك عزاً ، وكلما تكبرت وضعك .
سيدنا عمر دخل رسول عامله على أذربيجان إلى المدينة ليلاً ، كره أن يطرق بابه ، فتوجه إلى المسجد ، سمع رجلاً في الليل ، وفي الظلام يناجي ربه ويقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي ، أم رددتها فأعزيها ؟ قال له : من أنت يرحمك الله ؟ قال له : أنا عمر ، قال له : أمير المؤمنين ! ألا تنام الليل ؟ قال له : أنا إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، دعاه إلى البيت ، أتأكل عندنا أم عند فقراء المسلمين ؟ قال له : عندك ، يوجد فرق كبير جداً ، قال : يا أم المؤمنين ماذا عندك من طعام ؟ قال لت : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، فقال لها : هاتيه لنا ، أكل مع هذا الضيف والضيف توهم أن الطعام عند أمير المؤمنين شيء كبيرة ، أما مع الفقراء ! الفقراء يأكلون اللحم ، هو يأكل الخبز والملح ، فلما أكل وشبع قال : الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فروانا ، هذا التواضع ، كان في مجاعة ، خاطب بطنه ، قال : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة : 3020 ]
(( التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة ))
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة : 3424]
لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً :
آخر شيء أيها الأخوة ، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، إن أردت أن تصل إلى شيء بمعصية هذا الشيء بَعُد عنك ، والخطر اقترب منك ، لكن الحقيقة الدقيقة : لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، فإن لم تكن موحداً ، يمتلئ القلب خوفاً عندئذٍ تنبطح من شدة الخوف ، لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
الموحد يرى أن يد الله فوق أيديهم ، يرفع رأسه ، لا ينافق ، لا يتذلل ، لا يتضعضع ، لا يساوم ، الموحد رقم صعب ، الموحد ما له ثمن ، أما أي إنسان آخر له ثمن وكل إنسان له ثمن ، لمجرد أن يكون لك ثمن أنت انتهيت كإنسان ، مبلغ معين يبدد قناعتك انتهيت ، أما الموحد رقم صعب ، ليس له ثمن .
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) .
[السيرة النبوية]
اسم "العزيز" أيها الأخوة ، يهب المؤمن العزة ، والكرامة ، والمؤمن حينما يطيع الله عز وجل يكون عزيزاً .
والحمد لله رب العالمين
منقول من أسماء الله الحسنى لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي