الفن التشكيلي له القدرة على نقل انفعالات الإنسان الذاتية والتي تحملت تأثيرات قضايا الواقع وتطلعاته نحو الأفق الآخر ، فدفعت هذا الإنسان المبدع إلى التعبير بخطوط وألوان وأبعاد عن موقفه تجاه هذه القضايا وبجمالية تكمن فيها حالة التجلي والصدق مع أدوات التعبير ، لذا يأتي تأثير هذا على المتلقي متوازيا مع الرؤى والمواقف ومع جمالية هذا الفن ، وتبقى مع الأسف في ساحاتنا العراقية موضوعات الحزن والألم ، الدم والعنف لها تأثير على الفنان ، بسبب مرور هذا البلد بمسار تاريخي حمل الكثير من مصائب الدهر وويلات الغزوات القديمة والحروب الحديثة وهي أعباء اثرت نفسيا على الشخصية العراقية وعبر عنها الفنان والمبدع العراقي وظلت تلازمه وتقود لاوعيه ، ولكن الذات الإنسانية الواعية داخل هذا الفنان المبدع جعلته يتطلع إلى أفق التفاؤل وصنع المستقبل ، هكذا أرى من هذا المنطلق ، بدأ الفنان العراقي يصنع لوحاته المطعمة بالحزن المخضرم والمتطلعة إلى أفق الحرية والفرح والسعادة ..
ومن هنا نكتشف هذا التطعيم المتخفي بين خطوط وألوان الفنانة كفاح عبد المجيد ، حيث لحنت معزوفة موسيقية كان إيقاعها الحزن وكلماتها المعبرة الخطوط والألوان وافقها المتطلع هذا الأمل الذي يدغدغنا جميعا في بناء الحياة وفق رؤية المستقبل الآن بعد انقشاع ظلمة التسلط وإشاعة أنوار الأمل ، وعبرت لوحات الفنانة كفاح عن هذا القلق ، حتى جاءت خارج سياقات الأسلوب المقنن الذي يعرف الأبعاد إلى الاعتماد على الفطرة والتلقائية ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل بلا أدنى شك على إن الفنانة هادئة وتبحث بروية عن خيوط بحثها الفني ، فهي تعمد إلى لانهائية الأعماق وانفتاح إبعاد اللوحة وبطريقة جمالية تلم في الأخير بأطراف التنافر والتجاذب بين الألوان ، لأنها متوترة تعيش حالات القلق ، مما دفعنا أن ندل على ذاتها الفنية المحترقة والباحثة في ساحة الإبداع ..
بحيث ظل الفن هاجسها في التعبير الصادق عن مكنوناتها ، وهي دلالة على تبلور مواقفها تجاه الحياة مستثمرة المفردات التي تعاملت معها مثل الحزن والإرهاب والحوار المغلق والمقابر الجماعية والمقدس الخانق وغيرها من موضوعات معرضها ، رابطة بين الحاضر الآن وزمن الدكتاتورية التسلطية وهذا كما أسلفت اظهر أفق الأمل عقب التغيير في 9/4/ 2003 رغم إن هذه المفردات تبدو بمسمياتها الآن مباشرة فجة ، لأننا تعاملنا معها وأخذت منا الكثير ولازالت مرارتها عالقة في أذهاننا إلا إن الفنانة حاولت تعميقها وتعميق الجرح فينا من خلال هذا العمق اللوني الذي اخذ يتباعد في متاهات البحث ، والحقيقة تشابك الألوان وعناقها وتنافرها خلق حالة القلق بين أن يكون الإنسان وبين إن تأخذه في متاهات الضياع وحينما نحاول الاستغراق والتمعن في هذه اللوحات نجد أننا أمام هذا الهم الذي يسكن المبدع العراقي سواء كان فنانا تشكيليا او مبدعا في فنون القول الأخرى ، حتى نرى أن هذا الهم يتصاعد من قاعدة الارث الحضاري الكبير ويكبر صعودا مع العصور المختلفة ، حتى عصر الحداثة والتحديث السريع ، ويتخذ حجم الشخصية المبدعة بين الإبداع المتواضع والإبداع العميق الذي كلما حاولت معه أعطاك أشياء وأشياء لـ(ان قوة الفن لاتكمن في ما يقوله وحسب بل في ما لا يقوله أيضا ، أي في ما يرمز إليه ويوحي به . وهذا بعض سر خلود الأعمال الفنية الأصيلة وحيويتها المتجددة والعمل الفني يقترب من لحظة الإبداع الكلية بقدر ما يحمل من غنى في المضمون في إيحاءاته ودلالاته ) .1
هكذا تتسع مساحة الإبداع العراقي في التشكيل والمسرح والموسيقى ناهيك عن مساحات فنون القول الشعر والقصة والرواية والمقالة ..
لا شك أن لوحات الفنانة كفاح عبد المجيد عكست صورة تبدو متطلعة نحو أفق الأمل محاولة منها لم شتات ذاتها المهشمة متطلعة نحو الخروج من المقدس الخانق إلى المقدس في أجواء تمتلأ بالحرية والهواء الخالي من التعسف . مع استغلالها للمساحات المفتوحة في اللوحة .
المصادر :
1 / كتاب (في الأدب الفلسفي) الدكتور محمد شفيق شيا
مؤسسة نوفل / بيروت ـ لبنان 1980 ص 49