يقول خبراء اللغة إنَّ أدمغة البشر لا تتراجع مع تقدُّم العمر،
خرافة التدهور المعرفي
جيريمي دين
ترجمة لبنى عماد تركي
يتساءل الخبراء عمَّا إذا كان الدماغ البشري يتراجَع فعليًّا مع تقدُّم العمر.
يقول خبراء اللغة في أبحاث جديدة إنَّ أدمغة البشر لا تتراجع مع تقدُّم العمر، بل الواقع أنها تُظهِر مزايا الخبرة.
ويؤكِّدون أنَّ الاختبارات التي أُجرِيت فيما مضى لإثبات حدوث تدهور معرفي مع تقدُّم العمر، يتبيَّن منها في الواقع آثار معالجة الدماغ لمعلومات أكثر.
وقد نشر علماء اللغة من جامعة توبنجن الألمانية نتائجَ اختباراتهم في دورية توبيكس إن كوجنيتيف ساينس (رامسكار وآخرون، ٢٠١٤).
ورغم قبولهم لوجود الأمراض الفسيولوجية للشيخوخة، فهم يقولون إن التغيُّرات المعرفية المعهودة ذات الصلة بالشيخوخة هي بالضبط ما يمكن توقُّعه عند جمع الدماغ مزيدًا من الخبرة.
تذكُّر الأسماء
ولأنهم لغويون، فقد قرَّروا اختبار نظريتهم باستخدام الكلمات؛ وعلى وجه التحديد، عدد الكلمات التي يتعلَّمها المرء طيلة حياته.
أعدَّ الباحثون نموذجًا بواسطة المحاكاة الحاسوبية، ومع «زيادة عمر» النموذج، بدأت سرعته تقل بفعل ما تعلَّمَه من كلمات أكثر، تمامًا مثلما يحدث مع البشر لدى تقدُّمهم في العمر.
فسَّرَ مايكل رامسكار المؤلف الرئيسي للدراسة الأمر كالتالي:
تخيَّلَ شخصًا يعلم تاريخَيْ ميلاد شخصين، ويمكنه تذكُّرهما دون أي خطأ تقريبًا. فهل تقول إن هذا الشخص ذاكرته أقوى من شخص آخَر يعرف تواريخ ميلاد ألفَيْ شخص، لكنه يستطيع ربط الشخص الصحيح بالتاريخ الصحيح تسع مرات «فقط» من كل عشرة؟
فالمسألة ليست أنَّ الأشخاص ينسون الكلمات مع تقدُّمهم في العمر، بل تكون لديهم كلمات أكثر تتنافَس على جذب انتباههم.
يواجه الناس مشكلة مشابِهة مع الأسماء؛ فعندما يتقدَّمون في العمر، يعرفون عددًا أكبر من الأسماء، ومن ثَمَّ تزداد صعوبةُ تذكُّر اسم بعينه؛ لأنه يتنافس مع مجموعة كبيرة من الأسماء الأخرى في الذاكرة.
إضافةً إلى ذلك، فقد شهدت الأسماء تنوُّعًا.
قدَّمَ مؤلِّفو الدراسة مثالًا على ذلك بأنَّه في ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما كان المرء يحاوِل تذكُّر الاسم الأول لإحدى السيدات، كان يوجد نحو ١٠٠ بديل محتمَل، كلها على نفس الدرجة من التساوي.
لكن نظرًا للتنوُّع الكبير في الأسماء الأولى حاليًّا، سيكون عليك محاولة الاختيار من بين ألفَيْ بديل محتمَل.
العُمْر والخبرة
يقول علماء اللغة إن النبأ الأفضل من هذا للمسنِّين هو أنهم أكثر حِنكةً فعليًّا في استخدام المعلومات الزائدة المصاحبة للخبرة.
ففي بعض الاختبارات المعنية بتعلُّم أزواج من الكلمات، يكون أداء كبار السن أفضل لأنهم يمتلكون حصيلةً أكبر من الكلمات التي تعلَّمُوها طيلةَ حياتهم.
علم الأحياء
قد تتساءل: وماذا عن كل الأدلة العصبية الحيوية على أنَّ القدرات المعرفية تتدهور مع تقدُّم العمر؟
الحقيقة أنه باستثناء الأمراض الحقيقية مثل ألزهايمر، اكتشف العلماء أنَّ الدماغ يتغيَّر فحسب مع تقدُّم العمر، لا أن تلك التغيُّرات هي السبب في حدوث أي تدهورٍ معرفيٍّ.
لقد «افتُرِض» أن التغيُّرات العصبية الحيوية في الدماغ مرتبطة بالتدهور المعرفي؛ إذ اعتُقِدَ أنهما يحدثان في آنٍ واحد.
والآن بعد التشكُّك فيما إذا كان التدهور المعرفي يحدث فعلًا أم لا، ربما يتعيَّن إعادةُ تقييم تلك التغيرات العصبية الحيوية.
هل التدهور المعرفي خرافة؟
يُعرِب الباحثون عن قلقهم من أنَّه إذا كان التدهور المعرفي مع تقدُّم السن خرافةً حقًّا، فإن مجرد إخبار المرء بأنَّ دماغه يتراجع مع تقدُّمه في العمر أمرًا مضرًّا.
والسبب أن الناس عندما يقال لهم إنهم يزدادون غباءً، فإنهم يتصرَّفون «كما لو كان ذلك صحيحًا».
يختتم الباحثون حديثهم بقولهم:
… تُعتبَر الشيخوخة مشكلةً بسبب الخوف من أن يكون كبار السن عبئًا على المجتمع، والأرجح أنَّ خرافة التدهور المعرفي تفضي إلى إهدارٍ لا معقولٍ للقدرات البشرية ورأس المال البشري. والأرجح أن الفهم المطَّلع للعيوب والمزايا المعرفية المصاحبة لتقدُّم العمر سيعود بالنفع على المجتمع كله، وليس كبار السن فيه فحسب.