كلام جميل جدا استاذ خشان، وحياك الله وعودا حميدا لافياء الفرسان.
وسؤال سريع لو سمحت لي :
كل دراسة مرتبطة بهدفها،الذي به يشحذ الهمم، فماهدف تلك الدراسات؟
وكل عام وانتم بالف خير
أستاذي الفاضل أسامة الحموي
بارك الله فيك وشكرا لك اهتمامك وهذه الفرصة التي تتيجها لي لأطرح ما أراه ضروريا لشرح أبعاد العروض الرقمي.
ولست في وارد الرد هنا بل عرض وجهة نظري أملا في أن تحفز قلة للتحقق منها بدراسة الرقمي .فكل حوار تم حول الرقمي مع من لم يعرفه من خلال دراسته دوراته لم يؤد إلى أي جدوى وكان له انعكاس سلبي. إذ أن كل من لم يدرسه كان يتناول عروضا رقميا غير الذي أتكلم عنه
حتى لقد رأى أستاذ فاضل أنني أقول بجواز مجيء فعْلن في حشو البسيط. وهذا أمر لا يقول به أحد.
بل ليتك تطلع على كامل قصيدة الهجاء التي اختصني بها أستاذي ضياء الجبالي لرفضي ذلك:
سؤالك شامل فأرجو أن تصبر على الإجابة وتتبع الروابط
ثمة عدة أهداف تصنف في قسمين رئيسين :
القسم الأول - هدف في العروض له عدة أبعاد منها:
1أ - سد الثغرة الخطيرة في المكتبة والفكر العربيين الناجمة عن سيطرة منهج الحفظ على حساب ضمور منهج التفكير والتي وصفها الأستاذ ميشيل أديب بقوله في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."
ساعة البحور تلخيص وتداعياتها هما الإرث الفكري للخليل. وحسبك الشكل الذي ورد في أصل المقال دافعا لتحري صحة ادعائي عن ساعة البحور وأهميتها. ولا معنى لهذا الموضوع دون فهمهما.
1ب : إثبات وجود منهج شامل للخليل في العروض وهذا أمر مجهول عموما وبعضهم قال به وعلى حد علمي لم يفصله أحد غير ما قامت به جوانن مالينج ولم تستوفه ولو عرفت الرقمي لاستوفته. https://sites.google.com/site/alaroo...ome/almanhaj-1
تكرر الحط من قدر علم الخليل وأحيانا من شخصه من قبل بعضهم في العصر الحديث .
والسب الرئيس هو جهل الأمة بمنهج الخليل والذي لم تحط به – ولو بشكل غير مكتمل جوان مالينج.
تقول Joan Maling " " لا يقتصر تميز نظام الدوائر لدى الخليل على بساطته وأناقته وعمق تحليله ولكنه يقدم {{الأساس الوحيد}} لتوصيف عروضي كامل للشعر العربي"
ومن أمثلة ظلمهم للخليل: :
يقول الأستاذ محمد العياشي :"فنحمد الخليل على ما بذل من الجهود في خدمة العربية باهتمامه بالنحو واللغة، ونلومه على اعتراضه للإيقاع الشعري إذ نهض إلى دراسته ولم تكن له المؤهلات والمعدات الضرورية لذلك حتى تورط في الخطأ وورط من بعده في الجهل إذ امتنعوا عن تعقب كلامه."
ويقول:"وتلك هي البحور التي غامر فيها الخليل حتى إذا تنازعته اللجج وتقاذفته الأمواج راح يستنصر الدوائر ويستصرخ التفاعيل لعله يسحر بها عيون الناس ولكن خذلته التفاعيل ودارت عليه الدوائر. ولم يزل يعالج العلة موقوفا مقطوفا مكسوفا حتى عاجلته التيارات الزاحفة من هنا وهناك فكفَّته ولفَّته وخبَلته وعقَلته فكان أول المسحورين."
ينقل د. محمد تقي جون علي في معرض نقده للخليل قول النظام :" وحَّدَ به العُجْبُ فأهلكَه، وصَوَّر له الاستبدادُ صوابَ رأيه فتعاطى ما لا يحسنُه، ورامَ ما لا يناله، وفتنَته دوائرُه التي لا يحتاج إليها غيره"
يقول د. أحمد سالم: " .... سنجد أننا كلما خطونا خطوة للأمام هدمنا صنما من أصنام الخليل , ..... الدوائر ليست إلا تيها عروضيا دخله الخليل والعروضيون لما يزيد على 1200 عام ."
الأستاذ إبراهيم الوافي: " حين ينشدون لاينتظرون المطر.. لكنهم ينتظرون عصا الخليل بن أحمد تهشُّ قطيع المستمعين إلى ساحة النفاق..!"
1د : التمييز بين العروضي وعالم العروض:
ففي نظري ليس عالم عروض من لم يحط بمنهج الخليل بل هو عروضي. وحسب علمي فلم يتناول منهج الخليل بشكل يوفيه كثيرا من حقه غير جوان مالينج : https://sites.google.com/site/alaroo...-maling-theory
السلسلة الخليلية الذهبية في علم العروض وتنطبق على ما سواه هي : المبدأ – المنهج – التطبيق على الجزئيات. وحفظ هذا التسلسل يتم بحراسة الفكر. وأي قفز أو اضطراب في التلسلسل فهو خطير. ولا يتم إلا بتعطل الفكر أو تعطيله، ويستعان على ذلك أحيانا بتضخيم منهج الحفظ المنبت عن التفكير.
سنرى هنا جانبا من نور تفكير ومنهجية الخليل في الارتقاء بفهمنا للإسلام.
ثمة صياغتان لغاية الإسلام :
أ - غاية الإسلام هداية البشر إلى الحق وضمان العدل : " قل أمر ربي بالقسط "[iv] والحرية في حدود الشريعة والمساواة أمامها : " إن الحكم إلا لله " الأمر الذي يجعل الجميع سواسية أمام النظام وأحرارا في حدوده. فليس لأحد التسلط عل أحد. وهذا يؤدي بدوره إلى حفظ الخمس المعروفة لكل إنسان وهي نفسه وعقيدته وعقله ونسله وماله. تلك صياغة فلنسمها (أ)
ب - غاية الشريعة هي حفظ تلك الخمس لكل إنسان[v]
إن تحقيق (ب) نتيجة حتمية لـ (أ) فهي مشمولة فيها مترتبة عليها. من التزم ب (أ) فقد التزم ب (ب) أدرك أو لم يدرك. والعلاقة بين المبدإ والمنهج والتطبيق في ترتيبها وأولوياتها كتلك التي بين الجذر فالساق فالأغصان والأوراق. وليس من الممكن للعقل السليم تصور (ب) بدون وجود سابق لها هو (أ) ولا يكون ذلك الإغفال ل (أ) إلا بتعطيل للتفكير بطريقة أو بأخرى ولغاية بعيدة بل مناقضة لأصل المنهج والمبدأ.
لا يمكن للفكر المفعل المستنير الحارس لعلاقة المبدإ بالمنهج بالتطبيق أن يقبل صياغة مثل الدائرة المربعة. فهي متناقضة ذاتيا لا وجود لها في الواقع. ومثلها عبارتان متداولاتان:
أولاهما: شرعية المتغلب المتمكن ( المستبد). الذي يحفظ هذه الخمس. كيف يعتني بالأغصان من قطع الساق؟
ثانيتهما القول :" اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مسلمة أو مؤمنة " ولو قيل :" الله ينصر العدل أو الدولة العادلة " فقط لما كان هناك إشكال.
الفرد يكون مسلما بالشهادتين فهما أهم ما يتعلق بإسلام الفرد، وإن قصر فيما عداهما بقي مسلما. وجدلا لو أنه صلى وصام وحج دون اعتراف بالشهادتين فهل يوصف بأنه مسلم ؟
الدولة المسلمة تنطلق من تطبيق منهج الإسلام في العدل والحرية والمساواة فهذه أهم ما يتعلق بإسلام الدولة.وإن قصرت فيما عداها بقيت مسلمة. وافتراض وجود دولة تستحق الوصف بالمسلمة مع تغييب هذه الغايات المنهجية أمر محير... فما معنى أن تكون مسلمة في غياب منهج المساواة والعدل والحرية؟ بل ما الشبهة في ذلك ؟ لو أن الدولة تتوضأ أو تصلي لكان ثمة مجالا لبحث استفادتها من تلك الشبهة.
وعلى سبيل المثال لو أن هناك يلدا معظم أهلها مسلمون ولكن قيم العدل والمساواة والحرية غائبة عنها . فهل مثل هذه الدولة تمثل الإسلام؟
إن من فهم منهج الخليل سيجد نفسه مدفوعا إلى تقصي ما يلازم تلك العبارة – وهي حق - من قفز عن أساس منهج الإسلام ( العدل والمساواة والحرية) إلى ما يعتبر نتيجة له وهو حفظ الخمس الآنفة، ثم ما ترتب ويرتب على طمس ذلك الأساس.وسيشمل تقصيه الظروف التاريخية والاجتماعية والفكرية والعقدية التي رافقت ذلك. وينطبق ذلك على ما يفرزه مثل هذا المنطلق من التهجين اللعمي في الصياغة كالعبارة المهجنة التي تشبه صياغتها كائنين متباينين كتركيب جسم حمار على رأس أسد والتي تتناول شرعية المستبد أو المتغلب المتمكن .
هذا ما يمثل معنى رسالة الخليل واهميتها. فهل من مدكر؟.
قد يعترض أحدهم بالقول : " إن الحرية والعدل والمساواة " مبادئ الثورة الفرنسية أو شعاراتها.
الرد : الإسلام سبق إلى ذلك وهو الأولى به. وفرق بين حرية تستنير بشرع الله وأخرى لا تستنير به. لقد تم القفز في المنهجية عن هذا الأساس لأسباب يعرفها المحقق النابه.
لعل البشرية اليوم أقرب إلى تفهم رسالة الإسلام منها في الجاهلية الأولى.
هذا الموضوع وأمثاله يجسد مقولة أن الخليل ذو رسالة فكرية يعتبر العروض أداة توضيح لها ولكنها لا تقتصر عليه.
أرجو أن يكون ردي قد حاز اهتمامك، وهو لكل من لم يدرس الرقمي مجرد ادعاء من حقه على من يريد أن يحكم عليه أن يمحصه ويطلع على بينته حسب مفهوم المدعي. أتمنى أن تجد فيما ذكرته ما يكفي لتشجيعك على ذلك.