يُحكى أنّ :
ـــــــــــــــــ
يحكى أنّ ذئبة كانت تستعرض حسن قوامها الفتّان ، حيث مازت بعينين جميلتين عسليتين مع ميلهما إلى الصفرة البرّاقة ، وبفم جذاب طابق فكّهُ الفكَّ ووافق النابُ النابَ ، خاصة إذا بَسَطَت ذراعيها الأمامية أمامها ثم أرخت رأسها عليهما وجعلت تحدّق يمينا ويسارا ، وبخطم دقيق كاد لا يتناهى لطافة ،،، وبذيل خلاب ما أن تلوح به حتى يقع طريح حبها أي ذئب يلمح لائحتها ،،، وكانت ذات لون دون الحمرة وفوق الصفرة ، بلون رمال الحَمَاد ،،، الله الله ما أفتنها في عتمة الدّجى عسّالة ، وما أتقنها للقلب خلابة ، وما أحسنها للناظر جذّابة !!! .
فتبعها ذات مرة ذئب ،،، وكان من قبل قد هام بها ،،، حين سمع أنباءً تتحدث أن هذه الذئبة من أكثر بنات جنسها فيضاً إن صدقَتْ ، وأنقاهن سلالة إن استُولِدتْ ، وأطيبهن وُدّا إن ودّتْ .
وحين عرف أيضا أنه انتسق في عمرها اليوم بعد اليوم ، والشهر بعد الشهر ، والسنة بعد السنة ، حتى اكتملت فلا جَهِلتْ ولا اكتهلتْ ،،، وحتى استوت تقاطيعها فأودِعت حسنا ثم صُبّ كل هذا فيها ،،، ثم أُفْرِغ على كل هذا السحر ،،، فعاد الذئب في مثل حَيرة المجنون لا يُئَوِّل الحَدَث ! بل تَعْرُوه متاهات العَتَه وغياهب الجهل .
ومن غير ما سبب ،،، ومن غير ما دعوة ، قام هذا الجمال فاكتسح قلب الذئب كالفلاّح كسح الأرض يقلبها رأسا على عقب .
فلما توالت عليه الأنباء تترا ، ورآها بالقلب قبل العين ، ذهب هناك عند سفح ذلك الجبل ثم جلس يتربص بها ،،، فإن غلبه النعاس نام بإحدى مُقلتيه ، وكأنه الطير يكذب الإغفاءة ثم يفيق .
ثم خرجت فنظر إليها بمجاميع عينه ،،، وصار يحدث نفسه يسترجع أقوالا في الجمال ! .
فوجد كل الجمال ليلا أسودا جاء يلتمس له محلا قرب الشمس فلم يجده ،،، وكانت هي الشمس ،،، ومن ذا يحجب الشمس ؟
ثم هي الأخرى رأته ،،، وكان ذا هيبة ما تأتّت لذئب ، كالأسد إن جلس ، لا يتحرك إلا إذا دعته الحركة ، وليس كسلا وإنما حكمة ، ثقيل الخُلُق متّزن ، بعينه النُّبْل ، نُبل النظر ، وسيم وسامة ذكورة الذئب لا أنوثتها ، تجد الذئبة ضالّتها فيه .
فأقعت أمامه تفتنّ بحياكة السحر شأنها شأن اللئيمات من التقلّب لليمين تارة ، ولليسار أخرى ،،، تستجلبه طبعا وهي النّفور ! وكالتي تنزل العين تستحم دون ستر وتقول للمحروم إياك والنظر !!! أليس هذا هو اللؤم بعينه ؟ .
وكالقطة تتقلب تستجلب الذكر ، فإن غازلها قاتلته ! فإن أحْجَم عادت للتقلب والدّلّ .
يحيرني ويحيرني لؤم إبليس ، حين يزيّن المعصية إلى أن تُقترف فيفرح ! ثم يجيء يوم العرض الأكبر ويقول : أنه لم يكن له على تابعيه المقترفين أي سلطان ! إن دعاهم فقط فاستجابوا ، وعليهم يقع اللوم ،،، وأنه مما نُسِب إليه براء ! .
يال لؤمك يا أبا مُرّة !
وما أكثر تلامذتك !!! فها هي الذئبه الحسناء ، تتمطّى أمام المسكين وتتمدّد كعروس الخِدْر ، أو كلحم طيب أمام مَنْ ضَوّرَه الجوع .
وها هي تخرج لسانها ضاحكة لتزيد من وقع النكاية ، وليبوء هو بمباءة الأثر المتبقّي الذي لا محالة ضارب أطنابه .
ومن دون ما كلمة افترقا ،،، والمسكين يأمل وُدّها ، فهل الوداد شِرعة فاسدة طالما اعتمل السحر ؟ .
******
وذات يوم وعلى حدّ قولها أنها أرسلت إليه ، غير أن الرسول لم يصل .
فأرسلت أخرى بدلّ وتحبّب ، وقد نصّت رسالتها بكلمات معدودات : أنا غاضبة ! .
فقط !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! .
رغم أنه استغرب هذا النص ،،، ورغم أنه أرسل يستوضحها الأمر ، إلا أنه كاد يذوب ذوبان الثلج ، حيث لم يعهد دلّ ذئبه وغنجها من قبل .
فقالت : أرسلتُ إليكَ فلم تكترث لأمري ! .
ومع أنه أيضا لم يتلق أيّا مما ذكَرَتْ ،،، إلا أن النبأ أفرحه ،،، فقد كان يقعد لها في كل مرصد ،،، وهي هي من بادرته ،،، وهي هي من دعته ، وإذن فالفرصة سانحة ، والفرج آت ، وإذن قد منّ الله عليه طالما كان صادقا وفيا ، فجنّبه ذُلّ السؤال ، وانساقت إليه الحاجة طوعا دون إراقة ماء الوجه ،،، وهذه مكافأة النبلاء .
فانكب عليها يخبرها ما يسرّ وما يعلن ، حتى كشف لها الدقائق ، وحتى عرفت عنه قَضّه وقضيضه ،،، وهذا برهان براءته من الغش والخداع ،،، وهذا برهان أنه يحمل راية الإخلاص ، لا بيارق الاستيلاء كما تفعل الغُزاة .
فسألها ذات يوم : ماذا تتمنين ؟
قالت : كذئبة ،،، أن أحِب وأُحَب .
قال : ما تقولين بذئب ملك ما ملك ، وساد ما ساد ، ذو أنفة بالغة السمو لا يرقد إلا على أنف الجبل الشامخ ،،، ليصير أشمخ منه ؟؟؟
قالت : تقصد مُحَدِّثي ؟
ضحك وقال : نعم .
قالت : لا مثيل له ! .
فبيّت النية على أن يعالنها الحب ،،، ولكن كيف ؟
فراح في كل سَحَر يحادثها فيؤنسها ، وتحادثه فتؤنسه ،،، ويسامرها فيفرحها ، وتسامره فتفرحه ،،، حتى شغفته حبّا ، وحتى تقطعت نِياط قلبه ،،، فقرر بعد أن استوثق كلامها من قبل من أنها تتمنى أن تُحب وتُحَب ، وأنها أصدقت نبأها ، وكشفت مكنونها ،،، أن يطلعها على حبه لها ، ويعرض عليها عشقه ،،، وكم من أنثى نالت الحب ولم تنل العشق ، حيث أن التعشق كأعمى يتحسس اللين فيقبله لينا كيفما اتفق دون أن يعرف ماهيته .
وحيث أنه كعقل استوقفه الحبس ، فلا يأمر ولا ينهى ،،، ولا يُقر ولا ينفي ،،، بل خلا من كل تدبّر ،،، ولا مندوحة إلى القبول ينقاد ،،، كذلول يقوده الصبي .
******
وكعادة الذئاب تكون المواعدة دوين الفجر ، فواعدها واشترط عليها الوفاء ، وها هو على وشك أن يفُكّ ما يُصرّه في جُعبة الحب ، التي لم تهتك سترها ذئبه من قبل .
فلما وافاها قال كلمة خرجت من جميعه لا من لسانه وحسب : أحبكِ .
صَمَتَتْ ،،، كأنها الخُشُب المُسَنّدة !!! .
وصَمَتَتْ ،،، حتى الزفير شحّت به !!! .
ولأنه الذئب الأبيّ ، النبيل ،،، أحس بخجل مرير أمرّ من الحنظل ، وأحرّ من النار ، إذ جعل يتعرّق ويتفصّد ،،، وهذا ما كان يحسب له ألف حساب .
النبيل يُعْطَى لا يطلب .
النبيل يُمْنَح لا يسأل .
والنبيل أيضا يَعْطِي قبل أن يطلبه الطالب ، ويمنح قبل أن يسأله السائل .
والنبيل لا يُلحِف بطلبه ،،، بل يموت متلذّذا بحزّ السكين على رقبته قبل أن يسأل الناس إلحافا .
لأن هذه الشيمة ،،، أنفة ، وعزّة نفس ، وسمو رفعة ، وشموخ هامة .
ثم راح يسوق إليها الإعتذار بقوله : خجل أنا ،،، إن أحرجتكِ أو تسببتُ بأدنى إزعاج ،،، فاقبلي عُذري .
قالت : لا ،،، ليس هكذا !!! إنما قد شُدِهتُ ، وذلك لهول النبأ ! .
ثم صارت تهرج بأحاديث تنم عن استغرابها الحب ! وإن لم تصرّح .
فبصبص الذئب بذيله هنيهة وحك رقبته ، ثم استوى ينظر إليها كأنه يتطلع إلى غريبة من الغرائب ، وعجيبة من العجائب ! ما من ذئبة في الحي إلا وذهبت تستفحل ذئبا أطلسا عسالا لتشاركه العسلان كغزل ، ثم تقرّه على نفسها زوجا .
فنظر في عينيها وأطال ، فلم يجد غير صندوق مغلق ولا يدري كيف أُحْكِم ! .
إذن ،،، لم الاستعراض والفتنة ونصب الشَرَك من قبل ؟ هذا ما صار يحدث نفسه فيه .
لم ،،، لم ؟ طالما أنكرت أنوثتها على نفسها .
أم أنها كـ .( ثَدي العجوز ) لا حسن قوام ولا لبن ،،، وكبطنها لا حسن اتساق ولا ولد ؟؟؟ .
فطاف حولها يرمقها ، ثم قال لنفسه : لا والله ،،، ليست ثدي عجوز ، فما سرّها إذن ؟
فقال لنفسه وفي سرّه : ربما أرادت أن تشرح درسا عن ( خائنة الأعين ) فشرحته على طريقتها ،،، ربما ! .
ثم أقعى غير بعيد وجعل يتفكّر في جميع أمرها ،،، وما يكاد يسلم من تساؤل حتى يباغته آخر ! .
ويح الذئاب ،،، كيف تتمنى الحب وتستغربه !!!؟؟؟ .
بل كيف تريد أن تُحِب وتُحَب وهي لا تعرفه ( أي الحب ) ؟
وبعد حوار طويل مع تفسه تارة ومعها أخرى ، آذن الصبح بالبلج ، فافترقا بعد أن استودعها الذي لا تضيع ودائعه ، وعلى أن يلتقيا في الغد .
******
فلما خلص إلى نفسه جعل يناجيها بخلوته وهي لا تعلم كأنه المجنون ! يحادثها ويجيب هو على نفسه بلسانها فيسعد نفسه بنفسه .
وفي لقاء كانا اتفقا عليه ، دار بينهما الحديث ،،، ولاحظ الذئب أن الذئبه تحب الحديث عن الحب ،،، تريده أن يسترسل في الحديث وفي الغزل ،،، فينزل عند رغبتها ويسترسل ،،، ثم تريده أخرى ، فقال وأطال ، وأخرى !!! حتى لم يعد بعد ما يقول .
فقال لها : هلا نطقتِ ؟
قالت : وماذا أقول ؟ قل أنت !!! .
قال باستغراب : أنا !!؟؟ .
قالت : نعم .
قال : أتحبين أحدا من الذئاب ؟
قالت : لا .
قال : ولا أنا ؟
قالت : لا أعرف .
قال : أتكرهيني ؟
قالت : لا ،،، لا أكرهك .
قال : إذن تعرفين إجابة ما سبق ،،، إما نعم ، وإما لا ، أليس كذلك ؟
قالت : ربما نعم وربما لا ! .
ثم استطردت تخوض الأشجان ومظانّ الحديث ، حتى أعجمت عليه من الأمور شتّى .
فحاول لفت انتباهها من أنه ليس هذا الهرج من شأنه ،،، وذكر لها ذئبة كانت تميز بذكاء حاد فيما مضى أثناء رصده الطرائد .
وفجأة وفيما هو يسترسل ، إذ وجدها تغيرت من حال إلى حال ! والغضب لفّها لفّا ،،، ولو كانت أقوى منه لهجمت عليه وافترسته ! .
فقال لها : ما بكِ ؟
فصمتت ،،، ولا يسمع إلا همسا ! .
فكرر السؤال .
وبعد عناء نطقت وقالت : أيكون الذئب مع أنثاه الذئبة ،،، ويذكر على مسامعها ذئبة أخرى ؟
فخفق قلبه فرحا ورهبة بآن واحد وقال : هاه ؟؟؟ ثم اعتذر إليها ، وأنه لم يقصد .
فصار يتفكر ،،، أتحبني هذه النفور ؟ أتحبني هذه الذئبة ؟
ثم لمّت رحلها ودخلت وكرها مخلفة وراءها ذلك العاشق في العراء .
******
وفي اليوم التالي ،،، جاء يطرق بابها ،،، فلم تجب ،،، كأنها خلت من أهلها الدار .
فنادى ،،، فلم يسمع إلا صوته ! ،،، فطرق وطرق وطرق ،،، حتى همّ بالرجوع .
ولكنه حاول لمرة أخيرة فطرق بابها ،،، فقالت : نعم ،،، وكانت تجهش بالبكاء .
قال : ما يبكيكِ ؟
قالت : لا شيء ، ولستُ بكيئة ! ؟ .
قال : أكرر ،،، ما يبكيكِ ؟ ولم لم تفتحِ الباب ؟
لم تتكلم ،،، غير أنها تجهش ، كأنها تنشق السُّعُوط ! .
هنا قال : الآن عرفت حبّكِ لي ،،، وأنكِ غيورة جدا ،،، وسأعتذر إليكِ الإعتذار اللائق .
فضَحِكَتْ .
وكلما تودد إليها ضحكت ،،، ثم قاطعته قائلة : نعم غيورة جدا ، بل غيرتي قاتلة .
وقالت أيضا : وكيف ستعتذر إليّ ؟
قال : إسمعي يا جهيزة ،،، ذهبتُ ذات مرة أستطلع نبأ ذئب من بلاد غريبة مما وراء البحار .
قالت : وكيف ذهبت إليه ! لأمّك الثكل ؟
قال : لم أذهب إلى بلاده ،،، وإنما جاء به أحد أفراد البَشَر إلى هذه البلاد .
قالت باستغراب : البشر ! ؟ .
قال : نعم .
قالت : كيف ذلك وهم لا يحسنون الكلام ،،، بل لا ينطقون ؟
ضحك وقال : وهم يرونك لا تنطقين ،،، بل لا تفقهين .
ثقي أن أخطر من خلق الله هو الإنسان .
سخرت منه وقالت : ها ها ،،، كيف بالله عليك ؟
قال : أرأيتِ الفأر كيف يقتل خصمه الفأرَ إن اقترب من حماه ؟ ،،، وهو يفتن بشتى الضربات وشتى التنكيل ،،، حتى بعد موت خصمه يستمر بالضرب والتهشيم والرقص فرحا كأنه حقق ما لم يحققه الملك .
قد جعل الله له القط بالمرصاد ، ليصير هذا القاتل الشرس من أضعف خلق الله .
أرأيت هذا القط الذي يعبث بالفأر قبل قتله وأكله ؟ آه لو ترينه كيف تتسع أحداقه خوفا وجزعا حين يرى الكلب ، ويعود لا يبالي الدنيا وما حوت أمام هذا الكلب ، بل يضرب كأعمى لا يدري من يضرب من شدة الهلع كالغبي الأحمق ،،، ثم يموت ميتة لا رحمة فيها وهو راغم .
قاطعته الذئبة وقالت على سبيل المُزاحة : وأنت تخاف من الكلب ،،، ثم ضحكت .
قال : لا
أنا لا أخاف من الكلب ،،، ولا يستطيع قتلي ، وإن كانت الكلاب بعضها لبعض مددا ! .
أدارت حماليقها تعجبا وقالت : لم تهرب إذن إن نبح أو ركض وراءك ؟
تبسم وقال : أعرفُ كما تعرفين أنتِ يا عزيزتي ، أن الإنسان استأنس الكلب ، فاتخذه صديقا وفيّا واتخذه حارسا أمينا .
فإن نبح أعرف أنه أراد مناداة صاحبه الإنسان ليتداركني بأسلحته فيقتلني برميته ،،، وما من كلب نبح إلا وكل من في الحي من البشر قد خرجوا ينظرون ما الأمر ولم نبح ،،، فأهرب منهم لا من الكلب .
قالت : هذه ،،، ربما ،،، ولكن لم تهرب إن لحق بك ؟
قال : أولا : إن عاركته بحماه اجتمع حولي البشر ، وهنا سينالون مني .
وثانيا : أهرب أمامه لأستدرجه إلى العراء حيث لا بشر ولا سلاح ،،، وهنا يدرك الكلب أنه باندفاعه الغبي قد وقع في قبضة الذئب ،،، فيحاول الخلاص ، ولكن هيهات فقد حانت ساعته ، وهو لا محالة مقتول .
نظرت إليه بفخر وقالت : يال دهاءك أيها البطل ! .
قال : لو لم أكن بطلا ،،، لما اتّهم بنوا إسرائيل جدي بدم من أطهر الدماء ،،، دم يوسف .
ثم عاد وقال وقال وقال حتى وصل إلى الأسد ،،، فقال : أرأيتِ الأسد الوِرد ، الأسد الغضنفر ، الأسد العِتْرِيْس صاحب العرين ؟
قد جعل الله له الإنسان ! كأقوى وأذكى وأشرس مخلوق وطأ الأرض .
قالت : لم أر ما تقول في الإنسان ! .
قال : به العقل ،،، ذلك المخ العجيب الذي أدار الأرض برمتها لا نفسه وحسب ،،، إنه يستغل جزءً يسيرا من المخ وطاقته ليدير شئونه ، فانظري عمارة الأرض كيف صارت حسب ما هو مخطط لها ،،، لقد غزى ما لا يتصوره مخلوق بقوة عقله .
قالت : والشراسة التي تقول أين هي ؟
قال : فيه أيضا ،،، غير أن الإنسان ماز بعواطف شتى ، غالبا ما تغلب عليه أثناء تصرّفه ، ولو تنحّت لرأيت من الإجرام أندره ،،، ومن العجب أعجبه .
حكت رقبتها وقالت : صدقت .
ولكن ،،، لم كل هذه الحكاية ؟
قال : ويحكِ يا ذئبة أما قلت لكِ أن أحد البشر جاء بالذئب من بلاد ما وراء البحار فاستغربتِ ذلك ؟ ،،، فقط لأشرح لكِ أن الإنسان عظيم الشأن .
قالت : آهة ،،، تذكرت ، فما كان من أمر الذئب الغريب ؟
قال : نعم ،،، جلست إليه وحادثته ، ورغم أنه أكبر مني في الحجم إلا أنه كان خلوقا ويحب الذئاب بجميع فئاتها .
وقد أحبني كأخيه ،،، فقال لي بعد عدة زيارات له : أريد أن أعلمك فنّا من الفنون ! .
قلت : ما هو ؟
قال : إن صادفت ذئبة ، فكن معها كأنك المحتاج وهي المانحة .
قلت : آهة ،،، وكيف يرحمك ربك ؟
قال : إصنع منها ملكة ،،، اجعلها فوق الهام رفعة ،،، حط براثنك تحت براثنها وارفعها وعلى أن تكون ذراعك الأخرى خلف ظهرك ، ثم انحني قليلا والعق يدها كأنك تقبلها .
قال : وكيف أضع ذراعي خلف ظهري وهي إحدى القوائم وأنا ذئب ؟
قال : ألا تحب ذئبة ما ؟
قلت : بلى .
قال : من أحب يفعل ،،، ومن أجل الحبيبة يتعلّم .
قال : صدقت ،،، من أحب يفعل ويتعلم ،،، وأشكر لك تعليمك هذا .
******
وما انتهى الذئب من حديثه ،،، حتى ران على الذئبة الغُرور ، فبلعت ريقها لشيء احتدم في كيانها ، وقالت : أهذا ما علمك إياه الذئب الغريب ؟
قال : نعم .
قالت : أهذا هو الإعتذار الذي أومأت إليه آنفا ؟
قال : نعم .
قالت : وما أنت فاعل ؟
تبسم وقال : هات يدكِ ؟
قالت : لا !!! بل خذها أنت بعد رفعها كما علمك الغريب .
قال : تقدمي يا حسناء ؟
قالت : لا !!! بل تتقدم أنت ،،، ألم يعلمك الغريب كيف تصنع الملكة ، وكيف ترقيها فوق الهام ؟
قال : بلى ،،، ومن أجلك أفعل .
فتقدم ،،، ورفع يدها بعد أن نحّى يده الأخرى وانحنى حبّا لا خضوعا ، واحتراما لا عبودية ، ثم لعق يدها مرة ،،، فوجدها طيبة الريح فلعقها أخرى ، ثم ثلّث بأخيرة .
قالت : أليست اللعقة واحدة ؟
قال : بلى ،،، وما ضرّكِ إن رُحت أستزيد ؟
تبسمت وقالت : إلعق ما تسنى لك اللعق ،،، ثم وضعت يدها الأخرى على رأسه وراحت تمسحه برفق حيال أذنيه .
فلما فرغ قال : أرضيتِ ؟
قالت : نعم .
فقال : أحبكِ .
لاذت بالصمت ، ولم تنطق بحرف ، كأنها عادت سيرتها الأولى ، الخُشُب المُسنّدة ! .
فقال : أترككِ الآن على أمل أن ألقاكِ في الغد .
قالت : لا بأس .
قال : متى ؟
قالت : في الموعد نفسه ، دوين الفجر ،،، ثم افترقا .
******
فلما غادرها وغادرته ، جلس في حماه يتأمّل ، وإذا بِسَحّالة تمر أمامه ، وكانت من قبل قد استأذنته الإقامة بحماه ، فأذن لها .
فسألها : إلى أين يا سحّالة ؟
تنهدت وقالت : آه يا أبا سرحان ،،، إنها قصة طويلة .
ضحك وقال : ويحكِ ،،، ما عندكِ ؟
قالت : ذلك الأحمق ،،، زوجي السُحلي ، هجرني منذ ثلاث وتركني وصغاري لا عائل لنا .
قال : ولم ؟
قالت : نفث بيننا الفتنة ذلك الخبيث ( سامَّ أبْرَصْ ) !!! الذي منه يخرج الشر وإليه يعود .
وقف الذئب وقال : وهل ذلك الماجن العربيد ما زال هنا ؟
قالت : يخرج عندما تغيب أيها الذئب .
قال : ويحه ،،، كنت قد حرّمتُ عليه المكوث بأرضي ، فتعهّد بذلك ،،، غير أنه نقض العهد ،،، وعقوبة هذا وخيمة .
قالت : جاء الخبيث إلى زوجي كأوقح ما يكون هيئة ،،، ولا أدري بم يتباهى ، برائحته النتنة ، أم بمنظره القبيح ،،، ثم قال : هيا إلى المرح يا سُحلي ، فالراقصة على وشك الوصول ولا أريد أن يفوتك العرض .
بكل جرأة ،،، وبكل وقاحة قالها يا ذئب أمامي ، وأنا أسمع وأرى !!! لم يراع حرمة ، ولم يبال زوجة .
فقلت لهما : إلى أين ؟
قال زوجي : نريد أن ننهِ بعض عمل بيننا ، وأعود ، فلن تطول غيبتي .
قلت : كل يرى الآخرين بعين طبعه ،،، أتحسبني حمقاء يا زوجي العزيز ؟ ما المرح والراقصة والعرض الذي سمعته توّا ؟
قال : لا ،،،، لا ، ليس الأمر كما تظنين .
إن صديقي سامّ أبرص يريدني تُرجمانا ، فهو يصفق في التجارات هنا وهناك ، ويبدو أن هذه الراقصة إحدى صفقاته ، فيريد أن يُتم العقد بمعرفتي وإشرافي ،،، فكما تعلمين يا حبيبتي أنا متعدد الثقافات ، نهلت العلوم من منابعها ، حتى أني أتقنت لغة أفعى الهند ! .
ضحك الذئب وقال : يبدو أنكِ صدّقته يا سحّالة .
قالت : هذا لسان حالي يخبرك ،،، نعم .
فكما ترى خرجت الآن أبحث عنه ، ثم وجدتك .
قال : لا بأس ،،، عودي إلى صغاركِ الآن ،،، ويجعل الله بعد ذلك أمرا .
قالت : وماذا ستفعل ؟
قال : لن أبرح ،،، حتى يعود زوجك ،،، فمرّده إليكِ ،،، وأما سامّ أبرص فسترين ما سيكون من امره ! .
******
ثم مكثا يتناثّان الحديث حتى أشرف من بعيد كل من السحلي وسامّ أبرص ، فلما انتشيا رائحة الذئب هَمّ سام أبرص بالهرب ،،، غير أن أبا سرحان تداركه ووقف أمامه بسرعة الريح المرسلة ثم ساقهما إلى حيث مجلسه وحيث السحّالة تنتظر .
فقال الذئب : أين أنت منذ ثلاث يا سُحلي ؟
قال : كنتُ في بعض شأني .
قال : بعض شأنك ،،، أم بعض خبث هذا الخبيث الذي ما انفك يفسد ما بين المرء وزوجه ؟
قال سامّ أبرص : ما أنا كذلك يا ذئب ،،، إن دعوته فاستجاب .
نظر الذئب إلى السحلي وقال : أسمعت قوله ؟ يريد أن يتبرّأ منك ! .
وقد وضّح لنا أمورا كانت مغيّبة عنا ! .
قال السحلي : وما هي ؟
قال الذئب : أولا ،،، أن سام أبرص رضع ثدي إبليس فارتوى بلبان الخبث .
قاطعه سام أبرص وقال : لم أرضع ثدي إبليس .
زجره الذئب بصوت عال وقال : صَهْ ،،، لا تتكلم وانتظر ريثما أُنْهِ كلامي ،،، ومن بعد ذلك إن سُئِلت أجب .
ثانيا ،،، أنك يا سحلي كذبت ، حيث قلت أنك كنت في بعض شأنك ، وحيث فنّد صاحبك قولك بقوله : إن دعاك فاستجبت له .
وثالثا ،،، أن هذا الخبيث نقض عهد الرحيل .
ثم نظر الذئب إلى سامّ أبرص وقال : ما قولك ؟
قال سام أبرص : مولاي الذئب ،،، والله كنتُ قد أزمعتُ رحيلا ،،، غير أن هذان قد زينا لي زخرفا من الحمى ،،، وقالا لي لا يغادر الوطن إلا من كان دنيئا لئيم الدّخلة .
فلما شددت رحلي ،،، نظرت إلى ذلك الكثيب المُذّهّب ،،، وإلى تلك الأجحار المُشيّدة ،،، وإلى هاتيك الحُشُوش التي لطالما ارتعى فيها أسلافنا العظام ،،، بكيت سيدي وأذرفت الدمع مدرارا ، بحارا وأنهارا ، حرقا ونارا .
أظن مولاي أنه تم تأويل نقض العهد ! .
انبهر الذئب وقال : يا لئيم ،،، تمتحنني بحب الوطن ؟
كنتُ سأقتلك ،،، ولكن اذهب الآن وكن على الحدود والأرباض .
وأما أنت يا سحلي فخذ بيد زوجتك ولُذ بجحرك .
******
وما أدارت السحالة ذيلها ميممة شطر جحرها حتى غافلها سام أبرص وعض ذيلها وولى هاربا ! .
فتداركه الذئب قبل أن يغيب بأحد الأجحار المجاورة ،،، ووطأه ، ولا حاجة لأن يُثَنِّي ،،، فقد صار أثرا بعد عين ،،، وكأنه لم يكن من قبل بالحمى سامّ أبرص .
فنظر الذئب إلى السحلي وقال له : كيف رأيت الأمر ؟
قال بعد أن تبسّم : قد وعيتُ الدرس ،،، ولعل سحالتي الحبيبة تفغر لي .
قال : ستغفر لك ،،، فقد بحثت عنك كثيرا حتى كاد أن يطير من رأسها طائر .
وبعد أن سمعت السحالة قول الذئب ، ذَبَّت نفسها على زوجها وجعلت تبكي وتقول إياك أن تحرق كبدي أخرى ،،، ومسكت يده كأنها ترشده إلى جحر يليق بعروسين متحابين ،،، والذئب يرمقهما بعين كريمة نبيلة ، والبسمة كبسمة الملك خُلِعت عليه خلعا .
******
ثم جلس يهيم بحبيبته الذئبة ينتظر الميعاد .
فلما وافاه الوقت ذهب إلى وكرها وطرق بابها ، فخرجت إليه وكلها هلع ! .
فقال بعد أن سلّم عليها : خيرا إن شاء الله ، ما الأمر ؟
قالت : أريد أن أخبرك بشيء جلل ! .
قال : ما هو ؟
قالت : إن ابن عمي يريدني زوجة له ! .
قال : وأنتِ ما موقفكِ ؟
قالت : أنظر إليه كأخ ولا أتصور أنه زوج مهما حدث .
قال : وهل يعرف ذلك ؟
قالت : قلت له أنه أخ لي ،،، وأني أحب ذئبا من خارج حمانا ،،، فلم يبال ! .
قال : وكيف يقبل ذلك ،،، أن تكون زوجته مشغوفة بغيره ويقرها زوجة ؟
قالت : هو كذلك ، وأضاف أنه يحبني ولا يطيق الحياة بدوني .
قال : وأنتِ يا ذئبة ، ماذا ستفعلين ؟
قالت : لن أتزوجه ،،، غير أن المشكلة تكمن بولي أمري .
قال : وما ذاك الآخر ؟
قالت : إنه يقول أن ذئبتنا لن تخرج من حمانا ، ولن تصير إلا إلى ابن عمنا .
قال : توجهي إلى الله ، فما خاب من لجأ إليه .
وطالما قلتِ الآن أنك تحبي ذئبا آخرا ،،، فقد خفق بين الجنبين قلب حين سمعت هذا النبأ ،،، وتربصي بالحبيب ،،، فوربك ليوشك أن يأتي إلى وليّكِ يخطب إليه ودّك .
ثم قال : أحبكِ .
فلم تنطق بحرف ، كأنه يكلم شجرة بيوم لا عصف فيه .
فحار في أمرها ،،، والله لو أراد أن يستنطق حجرا لأنطقه ! .
فنظر إليها ثم قال : أستأذنك في بعض أمري ،،، أتسمحين لي ؟
قالت : شأنك ،،، ولكن إلى أين ؟
قال : سأخبركِ في قابل ،،، ثم ذهب .
******
فلما عاد إلى حماه ،،، جلس إلى ثُلّة من عِلية قومه ،،، من بينهم أبو الأسود حكيمهم وأحد أشراف الذئاب .
ثم جعل يستشيرهم بأمره وأمر الذئبة ،،، فرحبوا بالفكرة من حيث المبدأ ،،، أما أبو الأسود فزاد وقال : خيرا تفعل بُني فتوكل على الله ، فما هدفك إلا العفة ، وما شاءه الله كان وما يشاءه يكون وسيكون .
ثم جعلوا موعدا لا يخلفونه ، ليفدوا على وليّها يطلبون ودّها إليه .
وانطلق العاشق كالرمية يكاد يسبق الريح يريد أن يزف البشرى إلى حبيبته .
فلما وافاها وانبأها النبأ ، لم يجد ما يطمح إليه ،،، حيث كان يتوقع أن يحس منها بأثر ولو يسير ،،، غير أنه تفاجأ أنه كمن يعطي كسرة خبز من الشعير إلى شبعان ريّان ! .
ثم قال لها سأذهب الآن ، فإن القوم ينتظرون عودتي لنعد العدّة .
استوقفته جهيزةُ قائلة : تمهل ،،، أحبك ،،، نعم ،،، ولكن كصديق لا كحبيب ! .
قال : ومن ذاك الذئب الذي تحبينه من خارج الحي ؟
قالت : تلك كلمة قلتها ، ولا أعني شيئا ! بل كانت موجهة إلى ابن عمي .
قال : ولم أخبرتني بكل الحكاية ؟
قالت : كي تساعدني ! .
قال : بم ؟
قالت : بما تستطيع للخلاص من ابن عمي .
نظر إليها وقد احمرّ وجهه خجلا ، ولا عيب فإن الخجل من سمات الأشراف ومن مقومات السيادة ،،، وقال : أتسمحين سيدتي لي بالذهاب ؟
قالت : شأنك .
******
فلما رجع إلى قومه ، ووقف عند الوصيد والأسف على مُحيّاه ،،، وقف الجميع ينظرون إليه وكأنّ على رؤسهم الطير .
فبادره أحدهم بقوله : ما الأمر يا فتى الذئاب ؟
فقصّ عليهم القصص .
فقال أبو الأسود الشيخ الحكيم : تريث بني ،،، أنتَ من أصحاب يوسف الذين برّأهم الله من فوق السبع الشداد ،،، وهنّ من صويحبات يوسف نفسه ،،، وشتان ما بين هذا الصاحب وهذه الصاحبة .
فأجابه الذئب : ولكن الصويحبات اللواتي ذكرتَ من البشر .
قال الحكيم : نعم ،،، غير أني سُقتها على سبيل الجنس لا النوع ، فأناثيّ الأمم على الحدّ سواء !!! وما في جميع أنثى تجده في جميع أختها ، فقد أبرمن الإتفاق على التنكيل بالذّكران ، وتعاهدن على الوفاء به ،،، من أمة الذئاب كنّ أم من أمة البشر .
فغادر الذئبُ المجلس محموما ، ينظر إلى الشيخ بعين أتقنت لغة الحب ، كأنه يقول : أحبها وأحبها ، ثم أحبها .
فتبعه أحد إخوته ليطامنه الأشجان ،،، فصاح به الشيخ وقال : دعه ،،، يجب أن يختلي إلى نفسه بعض الوقت .
خلا إلى نفسه ،،، ومعقف الأمل بيده ،،، فقال لنفسه : يجب أن أطرق بابها لعلها تفقه الحب فتفهمه ، وتستشعره فتستلذه .
فانطلق ،،، ثم قرع بابها فلم تجب ! ،،، عاد إلى بيته .
وفي اليوم التالي قرع بابها فلم تجب ! ،،، أحس بقلق وعاد إلى بيته .
وفي اليوم الثالث قرع الباب ،،، فلم تجب ، فقرع أخرى وثالثة ورابعة حتى أجابت .
فقال : ما الأمر ،،، ولم كل هذا الصدّ ؟
قالت : كنتُ مريضة .
فبكي الذئب الوفي ، وقال لها : أعطني مرضكِ وخذي عافيتي ،،، سلمكِ ربي يا ذئبة من كل سقم ،،، لم أكن أعلم أنكِ مريضة ،،، ولكن يجب أن تنالي قسطا من الراحة فتناولي الدواء بدقة ونامي جيدا كي تتعافي ،،، فأنا بانتظارك ،،، وسأترككِ الآن .
******
عاد إلى منزله ،،، والحزن من هنا والبكاء من هنا ، لم يحتمل مرض الحبيبة ، ولم يغفر لنفسه شكوكه تلك عندما ظن إحجامها هروبا ،،، فعاقب نفسه بما يجب ، حيث لم يأكل ليومين كاملين .
ثم وعلى حين رهق ران عليه ، خرج إليها يبحث ريحها العبق ، فوجدها تعافت من كل سقم ، ففرح وعاد قويا كأن لم يكن هناك التعب ولا الجوع .
فحادثها وأسعد نفسه بها ،،، وحيث علم من قبل أنها تريده صديقا لا حبيبا ،،، نزل عند رغبتها وقال : أتسمحين أن أحبكِ وأن أقول أحبكِ ،،، ولستِ مضطرة إلى القول بالمثل ، ولست مضطرة إلى حبي ؟؟؟ .
بل أنت حُرّة فيما تشعرين .
قالت : نعم ،،، أسمح لك ،،، أما أنا فصديقة وحسب ! .
قال : لكِ ذلك .
وبعد حوار جميل ،،، قالت أتأذن لي ؟
قال : إلى أين ؟
قالت : بعض الصويحبات يدعونني إلى اللعب بالماء والأستحمام ، ولا أريد أن يفوتني ذلك المرح .
قال : أخشى أن يسقط منكِ مخلب ،،، فترجعي ناقصة غير كاملة .
ضحكت وقالت : لا تخف ،،، لن يسقط مخلبي ولا حتى أذني تسقط .
ثم تركها وذهب .
******
وفي لقاء كانا تواعدا فيه ،،، مازحها قائلا : أكاملة أنتِ ؟
قالت : نعم .
فسألته عن بعض أمره ، حيث لاحظت شرود فكره في أمر ما .
فقالت : ما الأمر ؟
قال : لا شيء ،،، غير أن ذئبة في الجوار احتاجت سخلا صغيرا لتطعم صغارها ، فأحضرته لها .
قالت : وماذا بعد ؟
قال : لا بعد ،،، أحضرته وفقط .
فتمعرّت وقالت : أستأذنك أريد أن أنام .
فقال : مهلا ،،، ما الأمر ؟ فلم تجب !.
فناداها بكل الطرق ،،، ولكن دون إجابه .
ثم بدأ يتكلم ويقول ويدعوها ،،، فلم تبال .
فلما أغلقت الباب ،،، جلس قربه يتفكر : ليس الأمر بالشيء الطبيعي ،،، لا والله .
عجبتُ لهذه الذئبة !!! ألم تقل وما زالت أنها لا تحبني ؟ ألم تقل انها تريدني صديقا ؟ فما لها ولذئبة في الحي ؟
لم تغضب طالما لا تريد أن تُحِب ؟
من أي قبيل جاءت هذه العجيبة الغريبة ؟
أكاد أصدق أنها أنثى وأكاد أنكر ! ؟
ثم قام وطرق بابها ،،، فقالت : نعم ؟
قال : أريد أن أقول لكِ شيئا فاخرجي ؟
خرجت وقالت : ماذا ؟
قال : أولا ،،، ما الذي أغضبكِ ؟
قالت : لم أغضب ! .
قال : ويحكِ ،،، أمكشوف ويدّعي الستر ! ؟ ،،، أمذرف دمعه ويدّعي الضحك !؟ .
لمرة أخيرة ،،، ما الذي أغضبكِ ؟
قالت : إذهب إليها !!!!! .
قال بتعجب : إليها ! من ؟
قالت : ذئبتك التي سرقت لها ولد الماعزة ،،، .
قال : أنا سرقتُ ولد الماعزة ؟
قالت : نعم ،،، ومن أجل ذئبة ،،، لم ندر أنك كافل الأيامى يا أبا سرحان ! .
ليت أم السّخل مَعَزَت عليك فبقرت بطنك بقرنها .
قال : ويحكِ ،،، تريدين موتي يا ذئبة ؟
قالت : لا والله ،،، سلمك ربي .
قال : وإذن ،،، ماذا ؟
قالت : لا شيء ،،، إذهب إلى ذئبتك .
قال : أنتِ ذئبتي ،،، فسكتت ولم تتكلم .
ثم قال : أحبكِ ،،، وما قلته من أمر الذئبة كان عبثا فقط لأثيركِ ، فأنا أحب إغضابكِ .
قالت : ولم ؟
قال : كي أصالحكِ .
ضحكت وقالت : كيف ؟
أبعثُ لكِ بدني وكُلّي رسولاً عن نفسي ،،، لتأنسي أيؤنسكِ هذا ؟ .
قالت : نعم .
قال : وهذا ما تريدين وحسب ؟
قالت : نعم .
قال : لكِ ذلك .
ثم مضى وقد حار في أمرها وعجز عن وصف سلوكها ، ولو أراد وصف عنتها وغرابتها لأنفد المِداد تلو المداد حتى لو كان بحراً ومن وراءه سبعة أبحر !!!!! .
ثم مكث ومكث ، وثم مكث حتى بلغ من العمر عِتِيّا ! فبقي هو كما هو وبقيت هي كما هي .
يال العجب !!! يال العجب !!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسين الطلاع
5/يناير/2022
: الخطم هو أنف السّبُع .
: الحماد هي الصحراء الثانية بالجوف بعد النفود الكبير الشهيرة .
: العسلان هو جري الذئب بتأنّي ليلا فوق المشي ودون الركض .
: شُدِهَ أي ذُهل ذهولا مبالغا فيه .
: بصبص أي حرّك ذيله يمينا ويسارا وهي بالأصل للإبل .
: العتريس من أسماء الأسد الشديد البطش .
: السّحّالة هي زوجة السُّحْلي .
: سامّ أبرص هو الزاحف المعروف بأسماء شتى عند العامة كـ . ( أبو بريص ، بريعص ، بعرصي حسب منطوق أهل نجد ، بُرص بريصاني ........ ألخ ) .
: أسود أو الأسود أو أبو الأسود ،،، لا تعني بالضرورة اللون الأسود ،،، بل هي صيغة مبالغة للسيادة : السيد فإن بالغ قيل السيد الأسود ، كقولنا كريم فإن زاد قيل الأكرم .
حكاية توقفت بين الحب والغضب والغيرة والخيانة والقوة والعزيمة والثقة بالنفس والتعاون والخوف واختلاف القوى وسيطرة القوي على الضعيف ومطبات الحياة بما فيها من صور