المغنية اور نانشي - جذور الفن السومري-حسين الهلالي
تمثا ل المغنية أور- نانشي والغناء السومري
حسين الهلالي
من خلال ما أورده مؤرخو وباحثو التاريخ القديم ، لم يكن بمقدورنا معرفة الغناء في الحقبة التي سبقت السومريين،وسبقت ظهور الكتابة ، لكن عند ما ظهرت الكتابة (3500ق.م) في شكلها الصوري، حيث حل السومريون هذا الأشكال برسم الصورة التي تد ل على صفاتها وأفعالها او ذاتها، وهي العلا مة المرئية والمميزة التي توضح قراء تها وتورد المعنى المراد (( ومن خلال تحليل العلامة القائمة بين كلمة مغني وبين نوعية الصور المرئية التي دونت بها كلمة مغني والرجوع معها الى أقدم أشكالها الأولى، تبين بأـن العلامة المسمارية التي تلفظ نار( nar ) وتعني مغني تمثل في الأصل رأس ابن آوى - (( الدكتور فوزي رشيد- ا لغناء العراقي القديم )) ومن السير بهذا بمعنى هذا التحليل والوصول الى هذه الصلة، نجد صوت ابن آوى من الأصوات التي تثير الحزن والشجن في النفس البشرية، لذلك كانت صفا ت الألحان السومرية هي ألحان حزينة.
ومن هذا نجد أن الألحان السومرية قسمت الى ألحان حزينة وألحان مفرحة ، فالمغني (كالا ) متخصص بالأناشيد والتراتيل الحزينة (ونا ر) متخصص بإنشاد الألحان المفرحة وخا صة أغاني ( الزواج المقدس) وقد اخذت الألحان الحزينة عند النساء طابع الحزن من خلال المراثي التي يقمن بها لأهل الموتى والمناسبا ت الحزينة وهذه المراسيم تشبه مراسيم العدادات عندنا الآن . ولايمكن أن تخلوا الحياة السومرية من فترات فرح مبهجة جميلة سواءً كانت خاصة او عامة ، بدءاً من مناسبة ( ا لزواج المقدس ) الذي يتم بين الملك وبين الكاهنة العظمى ، وفى يوم زفافها تقدم الى عريسها أغنية مفرحة ومبهجة وهي تمثل الهة ( الخصب ) وقد أورد الباحث صموئيل كريم أول أغنية في ا لحب تدور حول عروس مبتهجة وملك اسمه (شو- سين ) في بلاد سومر قبل ( 4000عام ) وهو رابع ملوك السلالة الثالثة في اور.
-:وهذا جزء من الأغنية
((أيها العريس الحبيب الى قلبي ،
((جمالك باهر، حلو ، كالشهد ،
(( أيها ا لأسد ا لحبيب الى قلبي،
((جمالك باهر، حلو، كالشهد ،
(( لقدا سرت قلبي فدعتي أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة ،
(( أيها العريس سيأخذونني إليك الى غرفة النوم ،
(( لقد أسرت قلبي ، فدعتي أقف بحضرتك ، وأنا خائفة مرتعشة ((ايهاالأسد ستأخذ بي الى غرفة نومك 0
(( أيها العريس دعتي أدللك ،
(( فأن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد ،
((وفي حجرة النوم الملأ بالشهد ،
(( ذعنا نستمتع بجمالك الفاتن ،
(( أيها الأسد، دعتي أدللك ،
(( فأن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد
ولكن هذه الألحان لا تخلو من مسحة الحزن التي تتصف بها أغانينا في المنطقة الجنوبية وقد ترافقها الموسيقى ، وهناك فرق موسيقية .وغنائية تابعة الى المعبد وتستخدم في احتفالات القصر، وهي تسير في نظام دقيق وحرفة موسيقية متقنة
ويقول كبيرا :- (( إ ن مزموراً من المزامير ينشد في بعض المقا طع بنغم موسيقي ثم يهبط نغمه الى نغمة تسير على وتيرة واحدة من الابتهالات اواغنية تنشد في تمجيد اله فتعدد اعما له ثم تمتزج بالأساطير والقصص عن خلق العالم وتكوينه، ا وا ن أسطورة قديمة تصبح .بعد تغييرات طفيفة مديحاً وتمجيداً لملك محلي فتظهر وكأنها ابتكاراً جديداً
وكثيراً ما يكون عندما يقرأ مزموراً معيناً يعرّ فه بنغمات بقية المزامير الأخر ى( كتبوا على الطين –ادوارد كبيرا –ترجمة د-محمود حسين ((الأمين ص130
وكلمة نار وكالا تعني مغني كما أسلفنا وكذلك تعني اسم مغنية وعا زف وعازفة والمغني بطبيعة الحال عازف يحسن العزف على آلته وخير مثا ل الملك شو لكي الذي شجع الموسيقى والغناء وهو يعزف على ثمان آلات موسيقية ، ونستدل من الأمثال السومرية حول -:الموسيقى ما يلي
((اذاحفظ المغني أغنية واحدة ولكنه يجيد عزفها ،فهو مغني بحق ))
وهذا مثل آخر يؤكد علي نفس الناحية وعلى ضرورة أجادة المغني العزف على الآلة الموسيقية (( المغني( الموسيقي ) الجيد هو الذي يعرف كيف يوزن آلته ويدعها ترن عاليًاً، وماعد ا ذلك فهو مغني(موسيقي) فاشل)) ( د-فوزي رشيد – الغناء العراقي القديم—آفاق عربية—العدد3تشرين الثاني1977 — ص84)
وهناك نوع من المغنين لا يجيدون العزف على أللآلة الموسيقية ، ويعملون كمغنين ومنشدين وهم أحرار في التجوال بين المدن والقرى والأرياف وينشدون الأغاني ولاينكر ان هناك قسم منهم عازف ومغني في نفس الوقت ، وهؤلاء يطلق عليهم( زاميرو ) ( zommeru ) في اللغة الأكدية(وايشتا لو) في اللغة السومرية )estato واول ظهور لهم في مدينة ماري على الفرات قرب ال أبو كمال. )
والمغنية الشهيرة التي نالت شهرة واسعة هي من هذا النوع من المغنين والمغنيا ت ، لكنها تجيد العزف على الآلة الموسقية بدليل .وجود تمثال لها وهي تعزف وكذلك تجيد الرقص مع الغناء وخا صة في القصور الملكية والحفلات ذات المستوى العالي
.إن تمثال هذه ألمغنيه ذو أهمية كبيرة ،فهو يشترك مع تمثال ،أبيه – أيل في أسلوبه النحتي ،هذا الأسلوب السائد في عصر مسيلم
لكن التمثالين يتحرران مما يتسم به هذا الأسلوب الذي سيطر على فترة الفن (النحت المدور والنحت الناتيء ) لقد أكد لنا تمثا ل المغنية أور- نا نشي هذا التغيير المتحرر في تلك الفترة ، فهومنحوت من الحجر ورعي فيه الدقة وصقل جيد للجسم وسمات العيون الكبيرة المطعمة
(وهذا أسلوب سائد من ذ ي نشأ ت النحت السومري )
لكن النعومة في التعامل مع الوجه والأقسام الأخرى المكتنزة باللحم الأنثوي اعطىللوجه رقة . . . والأبتسا مة الخفيفة التي تخرج من الشفتين الصغيرتين البا رزتين في الوجه المدور والعينين المطمئنتين
اللتين تسحبا ن الجسم والوجه الى لحظة تعبيرية فريدة باتجاه معبو د ها الوثني وهي جالسة القرفصاء، و تشا بك ذراعها على صدرها وتقاطع رجليها بحركة طرية لاتو ّ لد السأم م لدى اورنا نشي العا بدة، ولايبتعد عد ى هذا التمثال عن تمثا ل أبيه – أيل .
ولايمكن إعطاء ملاحظات عابرة عن اهمية مدرسة النحت في ماري خلال عصر مسيلم ، إلا إذا رجعنا الى المنجز النحتي في كل الأطوار التي ظهرت في الفن السومري ،وخاصة في مناطق ديالى كون هناك تماثيل تأخذ نفس الوضعية في تقاطع الأرجل ، وخاصة في منطقة (اشنونا)
إن تفا صيل هذا التمثال توحي لنا بوضعها الأرستقراطي وتسريحة شعرها المنظم المسدول الى الخلف الواصل الى تكوير عجزها بشكل أكثر استدارة ليظهر الوفرة للحم في هذه المنطقة في الشكل المدور(( اما الملابس فهي ترتدي سروالاً داخلياً محكم الشد على رجليها (لانها كانت تؤدي الرقصات أثناء الغناء ،وهذا التمثال وضع في معبد ( نيتي زازا— nini-zaza
((في ماري مع قطع أخرى لأور- نا نشي وهي مصورةعلى شكل امرأة تعزف قيثارة – الفن العرا قي القديم – انطون مرتكات ص 113))
ويبقى تمثال أور- نانشي يشغل حيزاً مهماً في الفن السومري في عصر مسيلم ومن إنتاج مدينة ماري التي وجد وا فيها كثرة من التما .ثيل التي تمثل الحقبة السومرية ،وهذه التماثيل تضا ف الى قاعدة الفن السومري الثابتة الركائز