أن الحديث عن طرق قراءة النص الشعري وما يتعبه من انفعال سيكولوجي تجعل كاتب النص يسعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنونات الشاعر ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابة النص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص ، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب ،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلى معاني هذه الموجودات ، وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي ،فيخرج هذا التأثير على شكل رموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها ، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كوامنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني ، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي ، لتبقى مساحة الذات هي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي ،حيث عند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلى التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلى البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تتفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية ، والتي تتفجر في لحظة الكتابة ، لأن التعبير عنها تحدد الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية ، كلما كان الشاعر يمتلك معرفة واسعة يكبر نسق هذه الكلمات الموحية بالرموز البسيطة أو العميقة وطبعا هذا يعتمد على عمق ذاته وقدرتها على الاقتراب من اللاوعي فيه ورموزه التي تجاري التوتر العقلي في كشف المكنون وفق طاقة التعبير عنه أو الاقتراب منه حيث أن النص الحقيقي ينمو ويأخذ المساحة المدركة في مراحل التلقي إلى كل محسوسات الشاعر والتي هي المحددة إلى مرحلة أخرى من توالد النص وهي مرحلة التأويل أو الاستعارة لمقاربة إحداث الانزياح الصوري في تشكيل النص الشعري ، أي أن الشعر هو اللغة الذاتية المعبرة عن الهواجس الكامنة فينا وكلما أدركنا هذه الهواجس كلما كان النص أكثر اقترابا من وعنا المقارب إلى كوامن اللاوعي وهنا تصبح اللغة رموز وبناء لكل هذه المدارك في لحظة كتابة الموضوع الشعري للنص ، وهذا يختلف من شاعر إلى أخر بمقاربة الكامن مع الظرف الخارجي وطبعا هذا يؤدي إلى اختلاف في مستوياته النصية والذي بموجبه تتباين المعاني والدلالات الموحية لهذه النصوص بين الشعراء اعتمادا على أن الشعر هو منظومة نصية داخل نماذج متغيرة من المنظومات الثقافية ، كما أن النص لا يمكن اعتباره ذو معنى واحد بل النص هو عدة معاني متراكبة ومتداخلة في نسيج نفسي وفكري يعبر عن هذه الدلالات المتعددة وتبقي قدرة الشاعر على ربط هذه المعاني بخيط الحياة الذي يربط بين كل هذه المعاني دون فقد المعنى المركزي أو الجوهري الذي نشأت بسببه أزمة المعاناة الشعرية ، حيث أن هذه المعاني ما هي إلا مستويات هذه الأزمة الشعرية وتطورها داخل نفس الشاعر وحضور كل تاريخه المعرفي الذي يخرج الرموز المقاربة لكل الظروف الخارجية والداخلية ، والنص الحديث هو التجاوز المستمر لكل ما هو مألوف أو سائد بعيدا عن أفق الأيديولوجيات أو الخطاب الاجتماعي المألوف ويخضع إلى بلاغة العصر المتجدد متجاوزا مقولة الأجناس الأدبية واعتبار مفهوم النص مقولة أدبية أساسية تبحث عن المعنى الكامن في الحياة والذات ، ومبتعدا عن التكرار والاستنساخ، ومن أجل هذا سوف أتناول كثير من مقاطع النصوص الشعرية لمختلف الشعراء العرب ، لكي أبين ما حددته في القراءة الجدية للنص في لحظة كتابته مع الذات المعبرة عن هذا النص ، أي أني لا أسعى إلى تفكيك النص خارج الذات المنتجة له بل أسعى نحو معرفة ولادة النص الشعري في زمن الكتابة والظروف التي تكون أجزاء من منطق النص ومساهمتها في أعادة هيكلة الوعي الذاتي الشعري و تكوينه :-
أستاذ: عباس باني المالكي...لأن المعنى في نفس الشاعر دائماً ، لذا نادى بعض النقاد بأن الشعر لايفسر، ووجهة نظرهم الخاصة هنا أنه مع الشرح تفقد القصيدة وميضها وحلاوتها وندرتها!
طرح بناء أستاذنا الكريم. و مثلما ورد في النص، ما بالمستطاع انكار دور المؤثرات الخارجية في ميلاد الفعالية الابداعية و اكسائها القيمة الجمالية التي تتغيى احرازها، بيد أن دور " الذات المتكلمة " أو " الذات الشاعرة " يتعرض للتهميش إذا اقتصر النقد على متابعة مواصفات العلاقة القائمة بين الأركان الثلاثة الكبرى للإبداع : البيئة الخارجية و النص ( أو المخلوق الابداعي بصورة أكثر شمولية ) و صاحب النص، و تحديدا، العلاقة السببية - الميكانيكية - التي يهتم بها الكثير من أنصار القراءة الانطباعية للنص الابداعي و خصوصا قصيدة النثر و قصيدة التفعيلة و القصة القصيرة ( و القصيرة جدا ).
نحن بحاجة لازبة إلى أفكار جديدة، إلى مسارات تحليلية غير مطروقة قد تساهم في بناء تصور عام للقراءة الانطباعية الحداثية للفعاليات الفنية بمختلف تجلياتها، كما أننا ندعو إلى نشاط نقدي عابر للفنون الانسانية و قادر على تشييد قنوات و جسور التواصل و الاشتراك بينها.
تقديري العميق
التوقيع
لا تأكلي الشمس...فما في حوزتي سوى كلمات و وردة ...هي لك
أستاذ: عباس باني المالكي...لأن المعنى في نفس الشاعر دائماً ، لذا نادى بعض النقاد بأن الشعر لايفسر، ووجهة نظرهم الخاصة هنا أنه مع الشرح تفقد القصيدة وميضها وحلاوتها وندرتها!
تقبل إحترامي أستاذ.
أخي العزيز علي
نعم أنا معك بأن الشعر لا يفسر والنقد ليس تفسير النص بل النقد بيان جمال اللغة والمعنى والدلالات الموحية لهذا المعنى ضمن عملية توهج الذات في الأنزياح والثكيف .. أي النقد ليس نقد حين يدخل في شرح النص .. محبتي وتقديري
طرح بناء أستاذنا الكريم. و مثلما ورد في النص، ما بالمستطاع انكار دور المؤثرات الخارجية في ميلاد الفعالية الابداعية و اكسائها القيمة الجمالية التي تتغيى احرازها، بيد أن دور " الذات المتكلمة " أو " الذات الشاعرة " يتعرض للتهميش إذا اقتصر النقد على متابعة مواصفات العلاقة القائمة بين الأركان الثلاثة الكبرى للإبداع : البيئة الخارجية و النص ( أو المخلوق الابداعي بصورة أكثر شمولية ) و صاحب النص، و تحديدا، العلاقة السببية - الميكانيكية - التي يهتم بها الكثير من أنصار القراءة الانطباعية للنص الابداعي و خصوصا قصيدة النثر و قصيدة التفعيلة و القصة القصيرة ( و القصيرة جدا ).
نحن بحاجة لازبة إلى أفكار جديدة، إلى مسارات تحليلية غير مطروقة قد تساهم في بناء تصور عام للقراءة الانطباعية الحداثية للفعاليات الفنية بمختلف تجلياتها، كما أننا ندعو إلى نشاط نقدي عابر للفنون الانسانية و قادر على تشييد قنوات و جسور التواصل و الاشتراك بينها.
تقديري العميق
أخي العزيز هشام
نعم أنا معك في هذا وكما أن طرحي هنا لا يخضع الى مدرسة خاصة أو تفسير مرجعي للنص بل هو أبتكار طريقة جديدة في الوصول الى المعنى في داخل النص ... محيتي وتقديري