من جواهر الأدب
الـخــط
سئُل بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف بالجودة ؟ فقال:
إذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه, واستقامت سطوره , وضاهى صعوده حدوره, وتفتحت عيونه ولم تشبه راءه نونه .
وصف أحدهم خطاً فقال:
لو كان نباتا لكان زهرا, ولو كان معدنا لكان تبراً, أو مذاقا لكان حلواً , أو شراباً لكان صفواً .
اعتذر رجل إلى محمد بن عبدالله بن طاهر من شيء بلغه عنه ، فلاقى خطه قبيحاً، فوقّع في الرقعة : أردنا قبول عذرك ، فاقتطعنا عنه ما قابلنا من قبح خطك ولو كنت صادقاً في اعتذارك لساعدتك حركة يدك، أوما علمت أن حسن الخط ينا ضل عن صاحبه بوضوح الحجة، ويكن له درك البغية.
كان أبو هفان عبد الله بن أحمد المهتزمي من أقبح الناس خطاً وكان يبتدئ الخط من رأس الورقة ويعوج سطوره حتى يبقى في الورقة كلمة واحدة, فوصفه يحي بن علي قائلا : إنه خـط كـأنـه أرجـل الـبـط .
قال أحد الحكماء :
أمر الدنيا والدين تحت قلم وسيف , وقيل إنه يتحرك وهو ساكن .
وقيل:الخط لسان اليد، وبهجة الضمير،وسفير العقول، وناقل الخير،وحافظ الأثر
ووحي الفكر،وسلاح المعرفة .
وقيل : الخط الجميل حلية الكاتب .
وقيل :
إذا كان الخط حسن الوصف , جميل الرصف ’ مفتح العيون , أملس المتون , كثير الائتلاف , قليل الاختلاف ، هشت إليه النفوس , واشتهته الأرواح حتى أن الإنسان ليقرؤه ولو كان فيه كلام دنيء , مستزيدا منه ولو كثر من غير سأمة تلحقه , وإذا كان الخط قبيحا, مجته النفوس ولفظته العيون والأفكار وسئم قارئه .
ومن فضل حسن الخط أنه يدعو الناظر إلى قراءته , وإن اشتمل على لفظ مرذول , ومعنى مجهول , وربما اشتمل الخط القبيح على بلاغة وبيان وفوائد فيرغب الناظر فيه عن المنفعة به لوحشة صورته , وكان مشايخ الكتّاب ودهاة العمال يختارون أن يكون ما يرفعونه من حسابا تهم إلى دواوين السلطان بخط قبيح, ومداد باهت ليثقل تصفحه فيترك استقصاء النظر فيه.