هو ميمون بن قيس بن جندل بن ثعلبة الوائلي ويكنى أبا بصير كما يكنى بالأعشى الكبير، سمي الأعشى لضعف بصره، وهو من شعراء الطبقة الأولى وأحد أصحاب المعلقات السبع حسب طبقات ابن سلام الجمحي، أبوه قيس بن جندل يُدعى قتيل الجوع وذلك أنه دخل غاراً يستظل فيه فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعاً وفي ذلك يقول أحد الشعراء ويدعى جُهُنًام يهجو الأعشى:
أبوك قتيل الجوع قيس بن جندل
وخالك عبد من خماعة راضعُ
وخماعة جد قديم لأمه أخت المسيب بن علس و موطنه الذي ولد فيه يسمى منفوحة تقع في الجزيرة العربية. يعتبر من فحول شعراء العرب قبل الإسلام وسمى صنّاجة العرب لأنه يتغنى بشعره أو لأنه أول من ذكر الصنج في شعره:
ومُستجيبٍ لصوت الصًنج لسمَعُه
إذا تُرجًعُ فيه القَينَة الفُضُلً
و يمتاز على الشعراء في زمانه بوصف الخمر لا يباريه أحد في دقة وصفه لها. وقال يونس أشعر الشعراء: امرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب .
تمتاز قصائده بقوة البلاغة والجودة حيث إنه لم يمدح قوماً إلا رفعهم ولم يهج قوماً إلا وضعهم ومن الذين مدحهم في شعره المحـَّـلق، وقصة المحـَّـلق كان أباً لثمان بنات عوانس رغبت عن خطبتهن الرجال لفقرهن، فطلب من الأعشى أن يمدحه وينوه بحسن ذكره في سوق عكاظ فلم تمضي سنة كاملة لم تبق جارية منهن إلا وقد تزوجت لسيد كريم في قومه.
وأشهر قصائده المعلقة التي يقول فيها:
أدرك الأعشى الإسلام في آخر عمره ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم، لكن قريش وقفت ضد إسلامه، وكان ذلك قبل فتح مكة، قالت له قريش وهو في طريقه إلي الرسول صلى الله عيله وسلم إنه يحرّم شرب الخمر والزنا. وحتى يصدوه عن الإسلام أهدى له أبوسفيان مائة من الإ بل وقال له إن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا وان ظهرعلينا أتيته، فأخذها وعاد راجعا إلي أهله فألقاه بعيره قريبا من منفوحة وهي مسقط رأسه فقتل عام 629 للميلاد، وكان قد أعد قصيدة في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم جاء فيها:
ألم تغتمضْ عيناكَ ليلةَ أرمدا
وبتَّ كما بات السليمُ مُسهَّدا
وما ذاكَ من عشق ِالنساءِ وإنما
تناسيتُ قبل اليوم خلة َمَهْددا
ثم يقول :
نبيا ًيرى ما لا ترون وذكرُه ُ
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقاتٌ ما تـُغــِبُّ ونائلٌ
وليس عطاءُ اليوم ِمانـِـعَـهُ غدا
إذا أنتَ لم ترحلْ بزادٍ من الـتــُّقَى
ولاقيتَ بعد َ الموتِ من قد تزوَّدا
ندِمتَ على أن لا تكونَ كمثلِهِ
فترصُدَ للأمر ِالذي كان أرصدا
وكان الأعشى كثيراً ما يفد على ملوك العرب و ملوك فارس ولذلك كثرت الفارسية في شعره كقوله:
فلأشــربن ثمانياً وثـانياً
وثمانَ عشــرة واثنتين وأربعا
من قهوة باتت بفارس صفوة
تدعُ الفتى ملكا يمـيلُ مصرًعا
بالحُلًسـان وطيـب أردانُهُ
والصنجُ يضرب لي يكرٌ الإصبعا
والناي نرمِِ وبَرْبَطِ ذي بُحًةٍ
والصنج يبكي شجوه أن يوضعا
ومن قصيدة يمدح فيها هوذةَ بن علي من سادات بني حنيفة:
إلى هوذة الوهّاب أهديتُ مد حتي
أرَجي نوالاً فاضلاً من عطا ئكا
سمعتُ برحب الباع والجود والندى
فأ دليت دلوى فا ستقت برشا ئكا
فتى يحمل الأعبا ء لو كان غيره
من الناس لم ينهض بها متما سكا
وأنت الذى عوَّتنى أن تَرِيشنى
وأنت الذى آويتنى في ظلالكا
وإنك فيما نابنى بَىَ موزعٌ
بخيرٍ وأني مولعٌ بثنا ئكا
تدل أخباره وأشعاره على أنه كان كثير التنقل والأسفار في أنحاء الجزيرة يمدح سادتها وأشرافها كما تدل أشعاره على تجاوز رحلاته إلى بلاد الفرس فيقول:
وقـد طفـت للمال آفاقـه
عُمـان فحمـص فأورشليـم
أتيت النجاشي في أرضه
وأرض النبيط وأرض ا لعجم
كان في بداية أمره راوية لخاله المسيب بن علس. يقول عنه ابن سلام" وكان من الشعراء من يتألَه ويتعفف في شعره ولا يستبهر بالفواحش، ومنهم من كان يتعهر ولا يبقى على نفسه ولا يتستّر، منهم امرؤ القيس ومنهم الاعشى".
يمتاز شعره بكثرة القصائد الطويلة كما يمتاز بكثرة تصرفه في فنون الشعر من مديح وهجاء وفخر ووصف وخمر وغزل، أما المديح فقد قالوا إنه أول من سأل بالشعر واستجدى بالقريض واتخذه مستجراً يطوف به البلاد، فقد طاف في أطراف الجزيرة العربية يمدح السادة والأمراء ذاكراً مايفيضون عليه من الإبل والجياد والإماء وصحاف الفضة وثياب الخز والديباج منوَّهاًً في أثناء ذلك بسؤاله لهم غيرمبق على شيء من نفسه.
ومن أهم ما يميز مديحه الإسراف والغلو وكذلك كان إذا هجا أوجع بالشتم والهجاء المقذع وبالتهكم والسخرية والاستهزاء ويظهر ذلك في قصيدته التي هجا فيها علقمة بن علاته إذ يقول:
تبيتون في المشتى مِلاءً بطونكم
وجاراتكم غَرْثَى يبتن خَمائصا
حتى زعم الرواة أن علقمة بكى حين سمعه، وواضح أنه لم يجعله بخيلا فحسب بل جعله هو وعشيرته يملأون بطونهم ويتحمون في ليالي الشتاء الباردة على حين يشتد كلب الجوع والمسغبة على جاراتهم، واختار النساء لينزع من قلوبهم كل عطف ورحمة فهم ليسوا بخلاء فحسب بل إن قلوبهم لأشد قسوة من الحجارة.
والأعشي كثير الفخر في شعره بقبيلته وعشيرته وهو يجمع لهما ضروب المفاخر والمناقب التي كانوا يعتزون بها من الجود في الجدب والشجاعة في الحروب والرعي في المكان المخوف وإغاثة المستصرخ، كما يكثر في شعره من وصف الصحراء وناقته ويصور الأودية وما يجري فيها من ظلام وأمطاركما يصور طرقها الوعرة ورمالها ومناهلها ووحشتها وعزيف الجن فيقول في معلقته:
وبلدة مثل ظهر الترس موحشة
للجن بالليل في حافاتها زجَلُ
لا يتنمى لــها بالقيظ يركبها
إلا الذين لهم فيمــا أتوا مَهَلُ
جاوزتها بطلي جَسرةٍ سُرُحٍ
أديبتنا الغالية ليلى أمين
تحية ود وتقدير
بل أنا السعيد أن تمر على مشاركاتي أستاذة جامعية وناقدة أدبية راقية.
لذلك اتمنى بعد أن ننهي حوارنا حول قصيدة " النهر المتجمد " أن نبدأ بحوار
آخر ...وآخر وهكذا. لأنه كما قلتُ سابقاً الحوارات أو " المساجلات" كما أحب أن
أصفها تفرز إبداعات أدبية وثقافية وفكرية.
دمتِ مع كامل ودي وتقديري.
شكراً على هذا الحضور السامق بهذه العبارات الأدبية الراقية.
التسكع على أورقة تراثنا العربي المجيد لهو قلبل من الوفاء لهؤلاء القامات العملاقة التي
أسست لنا الشعر وبحوره وقوافيه، واللغة العربية المجيدة، ليس هذا فقط بل مكارم الأخلاق
والفروسية والأمانة، وأحترام المرأة وقد كتبتُ بحثاً مطولاً حول مكارم الأخلاق في شعر ما قبل الإسلام.
وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق" .
من المؤسف أن نرى من أدبائنا المشهورين أكثر تمجيداً للأدب الغربي .( وسأحاول أن أكتب دراسة حول هذا الموضوع بإذن الله.)
لاباس أن نطلع على الشعر الغربي وناخذ منه ما هو صالح لنا. لكن الواقع أن أكثر المفاهيم
والمدارس الادبية التي نعتبرها مدارس غربية هي أساسا مستقاه من أدبنا العربي القديم. على سبيل المثال :
الشعر الرومانسي : الحاضن الأول لهذا الشعر هو الشعر العربي القديم .
الانزياح في الشعر : الحاضن الأول هو الشعر العربي القديم ، إنما كان تحت مسمى " العدول" وقد كتبت بحثاً مطولاً عنه.
وغير ذلك من المفاهيم والمدارس الأدبية.