تعود كعادتها من مزرعتها القابعة في اقاصي الجبال ، تعود بعد أن انهكها التعب في قطف الثمار وري الحشائش وتقليمها تبدأ من شروق الشمس وتنتهي عند الغروب وتعود كل يوم لتكرر مافعلته ، هكذا حياتها سلسلة روتين لاتنقطع، تبعث على الرتابة والملل ، لاوقت لديها للمرح،اي مرح انها ارملة في العقد الثالث من العمر تعول تسعة اطفال جائعين ،وتعتني بوالدها المقعد المسن، أطفالها صغار وحدها تعاني وتتحمل كل هذه المسؤلية ، حملها ثقيل ويشكل عبئا كبيرا عليها، ذات يوم حينما كانت منشغلة في مزرعتها البالية ، أتت امراءة تدعي انها تعرفهم طرقت الباب ففتح لها الصغير ، تغافلت الجميع وأخذته وهربت بعيدا، كان والدها نائما من شدة المرض لم ينتبه، وكان اخوته لاهون، بعد الغروب عادت وصنعت لهم الطعام، وقدمت حصيلة ماجنته من يومها الشاق، دعتهم لتناول الطعام تفقدت وجوههم الصغيرة بلطف وحنان ، شعرت انها فقدت احدهم ،انقبض قلبها وفقدت اعصابها وانهارت ، سئلت اخوته أين اخيكم ؟ أين ذهب؟ ذهل الجميع وابدى دهشة ، لم ينتبهوا لفقده ، فهم مازالوا صغارا ولايعتمد عليهم،فقد أضناهم تعب دوام دراسي، وكل انشغل بنفسه،غرقت في البكاء وانهارت وذهبت مسرعة تشكو لأبيها، فزع من هول ماسمع وحاول أن يخف عنها ، لم تتمالك نفسها اغمي عليها للحظات ، ثم استيقظت ذهبت مع ابيها المقعد الى أقرب مركز شرطة وقدمت بلاغا، ولأنهم اسرة فقيرة ولم يرى احدا المراءة ،لم تستطع أن تجد الولد، فقد ضاع الى الآبد فقدت الأمل ولم تذهب لعملها ، اعتنت با أولادها وجعلت إحدى قريباتها تذهب للمزرعة عوضا عنها ،أنحل الحزن جسدها النحيل وزادها نحولا،بدت أكبر سنا مما تبدو عليه ، فقد أضناها التعب وطواها الشوق لم تفقد الأمل في ان ترى فلذة كبدها في يوم من الأيام، مرت السنين كبر وكبر اخوته، وكبر الشوق في ان ترى أخيهم، تزوج بعضا من إخوته، وأنشغل كل في حياته، ذات يوم بينما كانت تتسوق في المدينة، رأت بائعا للأقمشة، ذهبت الى المحل تريد أن تشتري هدية لابنتها بمناسبة زفافها ، اختارت قطعة وذهبت اليه لتحاسبه ، تفحصت وجهه انقبض قلبها، وشعرت كأنها تعرفه، اخذت تتفحصه أكثر ، نفس العينين الحانيتين، ونفس الملامح البريئة ، جدبت ذراعه لتتأكد وسط ذهول منه، فرأت ندب جرح قديم اصابه ولم يذهب اثره، بكت بحرقة واحتضنته ، وقالت له ولدي لقد اشتقت اليك كثيرا، طوال السنين الماضية لم انساك أين كنت؟ تفاجأ الولد وابتعد عنها وقال ماذا دهاك؟ من أنت؟ لااعرفك؟ قالت يابني لقد فقدتك مذ كنت صغيرا، أخذك احدهم وأبعدك عني، وشاء القدر أن اجدك اخبرني من يرعاك؟ قال ترعاني امراءة عجوز توفي زوجها ، ولا ابناء لها، اخبرتني انها والدتي، طوال هذه السنين لم اشعر انها امي قط، والآن أنا ادير احد محلاتها ، شعر بحنانها واحتضنها بكيا معا، ذهبت الى المراءة وسألتها ؟ فأجابت بندم نعم إنه ولدك،أنا لااولاد لدي شعرت بالوحدة فأخذته سامحيني بكيا معا ،واصبح يزور هذه المرأة التي جعلتها ظروفها القاسية ، تقدم على أمر سيء كهذا.