[هل ستغفرين لي إذ التقينا ..؟ ]
حمدي .....! نعم : يا أمي
أم حمدي : انتهت الدراسة وجاءت العطلة الدراسية وعليك .....!
حمدي : ماذا يا أمي
لحظة صمت .. وانتظار انتظر مصغياً لما تقول من حديث ...!
كأنها سكتة لطيفة : أو كأنها تستجمع قواها لتحدثه ..
أم حمدي : ألم يحن الوقت لتسافر لتطمئن على أختك ؟ فمنذ أن تركنا أبوك وانتقل إلى جوار ربه لم ير أحد منا أختك ويطمئن عليها وأنت ابنه الوحيد وخليفته وقد تركك أبيك لترعى إخوتك وتسأل عنهم .. ألست أنت برب البيت ورجله ؟...
حمدي : وهل أنا قصرت معها يا أمي أو مع غيرها من إخوتي ؟
أم حمدي : لا .. ولكن أهملنا السؤال عنها بعد وفاة أبيك..
حمدي : كما تشائين يا أمي ... سوف أسافر ..ولكن لم أذهب إليها من قبل ولا أعرف أين تقيم
أم حمدي : لا عليك يا حمدي لا تشغل بالك سأحضر لك العنوان ولا تنسى أنك متعلم ستعرف كيف تصل إليها ؟ وهناك ستجمع لك أختك وزوجها عملاً تعيش منه و تستطيع من خلاله أن توفر مصاريف دراستك وتشتري لوازم مدرستك وتخفف بعض العبء عنا ...نظر إليها وهو يرى في عينيها ما تود قوله وقبل أن ينطق ويجيب بادرته بالحديث كأنها تود أن لا تعطيه فرصة للتراجع ...قاطعها حمدي...!(العين بصيرة واليد قصيرة يا أمي ) أعلم ذلك يا حمدي ،،
حمدي : لا بأس يا أمي كما تشائين سأسافر ...
أم حمدي : يناسبك صباح يوم الخميس ...!
حمدي : نعم يناسبني يا أمي
أم حمدي : على البركة إن شاء الله
مرت اللحظات سريعة ووجد حمدي أمه توقظه في الصباح الباكر وقد أعدت له كوباً من اللبن لإفطاره وأناء مليء بالماء وضعته على موقد الجاز كي يستحم ويستبدل ملابسه قبل السفر ... أخذ حماماً بالماء الساخن الذي أعدته أمه على عجل واستبدل ملابسه وجلس يتناول افطاره ، فإذا بأمه قد أعدت عدتها وعبأت قفة من سعف النخيل ببعض الأشياء وراحت تغطيها بقطعة من قماش نظيفة وهي تحيكها بمخيط ودبارة حتى لا تسقط منها الأشياء لو مالت أو سقطت منه ..
حمدي : ما هذا يا أمي .. ؟ أم حمدي : بعض الأشياء لأختك وأولادها يا حمدي حتى لا تدخل على أختك فارغ اليدين بين الناس وقد يسألونها ماذا أحضر لك أخيك من الصعيد ؟ .. فرغ حمدي من إفطاره بسرعة وسرعان ما فرغت أمه كذلك مما في يدها ونظرت إلى الخلاء كأنها تنظر ساعتها السماوية ورجعت مسرعة وهي تقول : القطار لا ينتظر ركابه يا حمدي ..انحنت أم حمدي وأمسكت القفة بين يديها وقالت : أرفع على رأسي يا ولد ، فقد اقترب موعد القطار ... حاول حمدي أن يمنعها من الذهاب معه لكنها أصرت لتودعه حتى القطار ولتطمئن عليه ... وقد غلبتها الدموع وهي تسمع صوت القطار وهو يطلق نفيره معلنا قدومه إلى الرصيف ودخوله إلى المحطة وتهيأ المسافرون واصطفوا واستعدوا للصعود إلى القطار وهي ما زالت تحمل القفة فوق رأسها ولا تريد اعطائها له إلا بعد ركوبه ودموعها لا تتوقف وهي تدعوا له بالسلامة وتوصيه بتجنب العربات المسرعة في الشوارع والاعتناء بنفسه ...تناول حمدي القفة من فوق رأسها ووضعها على كتفه وهو يسير بين المقاعد ينظر إلى أمه وهي تسير بمحاذاته تلوح بيدها وهو لا يكاد يسمع صوتها وهي تدعو له ، وصوت القطار وأصوات المسافرين يطغيان على صوتها فلا يكاد يسمع بداخل القطار ...وراح صوتها يتلاشى كما هي صارت تتلاشى من أمام عينيه ، وراحت الأرض تجري تحت عجلات القطار للخلف تاركاً أمه فوق الرصيف تبكي على فراقه ......
الفصل الثاني :-
كانت الساعة تقترب من الخامسة عصراً حين توقف القطار بمحطة الوصول بكفر الزيات .. فقد استغرقت المسافة من محطة القيام بالصعيد من سوهاج إلى محطة الوصول عشرة ساعات كاملة ..حمل بعدها قفته على كتفه يبحث عن مخرج من المحطة وسار وسط المسافرين يلتمس طريقا لنفسه ومخرجاً ....دار حمدي برأسه يميناً وشمالاً كي يخرج من المحطة فلم يجد بداً، فراح يقتفي أثر الركاب ... انحنى جانباً وسأل أحد الجالسين من أصحاب المحلات عن وسيلة تنقله إلى عنوانه الذي يقصده والذي حمله في جيبه وعض عليه بأسنانه ..فأرشده الرجل وأشار بيده على موقف السيارات الذي لم يبعد كثيرا عن المحطة حيث وجد المركبات واقفة تنتظر دورها ، كانت السيارات ربع نقل قام أصحابها بتجهيزها لتصلح لركوب البشر بدلاً من نقل البضائع ...لقد وجد الأمر لا يختلف كثيراً عما تركه بالصعيد نفس السيارات هي التي تقوم على نقل الركاب للضواحي والتوابع ، وجد حمدي أن السيارة لا يوجد غير مقعدين فقط يواجهان بعضهما البعض ، صعد إلى السيارة وبين يديه قفته التي حشرها تحت قدميه ونظر فإذا بسيدة ريفية كانت في المعقد بجانبه في العقد الخامس من العمر تجلس بجانبها فتاه تقترب ملامحها منها .. فتاة بهية مثل فلقة القمر في العقد الثاني من العمر ..حينها مالت برأسها تنظره على حياء ، وقد أسبلت جفنيها بنظره المعجب .. فأخذته بجمالها الأخاذ ..لم ينتظر كثيراً ولم يطل الوقت واكتمل ركاب السيارة وتحركت السيارة تأخذ طريقها إلى الضاحية المقصودة ،، سل حمدي تلك السيدة التي تجلس بجواره عن قيمة الأجرة فردت هي والفتاه في آنٍ واحد بقرشين صاغ يا أبني ، وضع حمدي يده ليخرج الأجرة فوجد السيدة تسبقه لتسدد أجرته بدلاً منه ..فامتنع حمدي وأبى وأقسم أن لا تدفع له شيئاً ... لم يكن الأمر غريباً عليه فهذه هي طباع الناس عنده في الصعيد ، وهذا ما يحدث عندهم في صعيد مصر حينما يحس الناس بضيف بينهم فهم يتسابقون في كرمه وأضافته والاعتناء به ... لقد أبى أن تدفع المرأة أجرته وشكرها وهو محرج منها .. ولقد كان من حسن حظه أن تلك المرأة الكريمة تعرف عنوانه الذي يقصده وهي تشاركه إياه ..... توقفت السيارة ونزلت السيدة وبنتها وأخذت القفة من يده ووضعتها على رأسها ، حاول أن يثنيها عن ذلك فأبت بشدة وهي تقول ( ليه = لماذا ..أنا (مش زي) أي مثل أمك وأنت زي ابني ) تعالى يا ابني يظهر إنك صعيدي ؟ رد حمدي : نعم ... قالت : من أين ؟ قال: من سوهاج قالت : أجدع ناس الصعايدة لقد كان لسان تلك المرأة ينقط عسل أحس أنه لم يفتقد أمه بل وجد أمه أمامه في حنيتها وطيبتها ....سرعان ما وصلوا إلى عنوان أخته وزوجها وكانت المفاجأة أن أخته تسكن في بيت تلك المرأة الطيبة لم يصدق أذنه ولا عينيه حينما رآها تنادي على أخته بصوتها الرقيق يا (بنت يا ام صابر ) يا بنت ( يا ام صابر ) خالكم وصل .. خالكم وصل وأخته لم تصدق أيضاً وقد أتت وتعلقت به وتعلق به أولادها وطافوا حوله وهم ينادون خالي.... خالي ..كان الاستقبال حارا حميماً بينه وبين أخته وأولادها وزوجها وصاحبة المنزل السيدة الطيبة الذي عرف اسمها فيما بعد حينما أخبرته كلما أراد أن يناديها ، فعليه أن يناديها ب (أم شعبان ) ... الحق : لم يكن يتصور أنه سوف يقابل بهذا الود حتى من أخته لولا مقابلته لأم شعبان المرأة التي لم ير مثلها بين النساء في تلك اللحظة بما أحاطته به من دفء المودة ...لقد مضت ثلاثة أشهر بالتمام والكمال مثل لحظة وصوله وصباح ابنة أم شعبان لم تغادر عينه..كانت رقيقة ندية بيضاء بحمرة خفيفة شعرها يتدلى مظفرا على كتفها ،، كان حمدي يحاول التقرب منها كلما لاحت له الظروف واقتربت منه والآن وقد اقتربت الإجازة الصيفية على الانتهاء وحان وقت عودته لدراسته وقد حقق في تلك الفترة بعضاً مما يبغي تحقيقه من كساء للمدرسة وبعض مستلزمات الدارسة من مصاريف وأعدت له أخته ملابسه وأمتعته واستبدل القفة بحقيبة جلدية ولم يتبق إلا لحظات ويلتحق بقطار الصعيد القادم من الإسكندرية ...لقد كانت أم شعبان سيدة لا تسعها الكلمات مدحاً فقد أعدت له مفاجأة قبل أنا يغادرهم عائداً إلى الصعيد حينما جاءت وقبضت على يده وصباح تقبض على الأخرى لينهضاه ويأخذانه مأخذ المقبوض عليه ليجد نفسه فوق مائدة ملئت من طيبات الطعام لفلاحة مثلها ..وقد راحت تنادي زوج أخته وتركته مع صباح وأولتها أمره ، كان حمدي في غاية الخجل وقد جلست صباح بجانبه ، كانت هي المرة الأولى التي صباح بجانبه ويلامس جسدها جسده عن قرب ،، لترتفع حرارة جسده ويحس بالارتباك ، لكن صباح كسرت كل الحواجز في تلك اللحظة وهي تحاول أن تطعمه بيديها قبل أن يأتي محمود وأخته على المائدة ،ها لقد حضرت أخته أم صابر وزوجها وأولادهما وجلسوا سويا على المائدة . وقد لا حظ أن شهيته للطعام قد انفتحت فأكل بغير عادته بالرغم من خجله في بداية الأمر وقد ساعده على ذلك ما رآه من صباح وقد تفاعلت وجدانه وشعوره معها لأول مرة منذ لحظة وصوله وإقامته عندهم بالدار ...
******
الفصل الثالث :-
سرعان ما انتهوا جميعاً ً من تناول الطعام فتركهم محمود زوج أخته أم صابر وذهب إلى المقهى وبقي حمدي مع صباح وأم شعبان وبين الحين والحين تأتي أم صابر لتجلس معهما لحظة سرعان ما تعود لبيتها ، فقد قضى حمدي ليلته الأخيرة في جو رومانسي لم يعتده من قبل كأنه وجد ما فتح شهيته لشيء ما كان ليس له علم به من قبل ولا معرفة وليس له تجربة به فكان كالطائر البري الذي أخرج من عشه على حين غرة ، فصافحته الشمس فغشيت عيناه فلم ير ما حوله حين خرج من عشه ...حتى ود أن لا يترك صباح في تلك الليلة وقد نال بعض من دفء الهوى والغرام وتسارعت دقات قلبه واضطربت وجدانه والتهب الكلام بينه وبينها واشتعلت الأحاسيس وانتصبت غريزة المراهقة بينهما وتقابلت شفتاهما في غلفة ممن حولهما ...
ود حينها أن لا ينهي ما بينهما وأن لا يستجيب لأي نداء سواء كان من أخته أو زوجها أو غيرهما وأن يعصي أوامرهما بالرغم من تكرار النداء ولم يدر وقد جاءت أخته وأم شعبان في وقت واحد كأنهما أحسَ باشتعال النار في الحطب فهبا سوياً ليطفأها قبل أن تمتد فتحرق الأخضر واليابس إذا ما تركاهما على هذا الحال ،،،اعتلا حمدي الكسوف والخجل بعض الشيء ـ ثم راح يتمالك نفسه ويسترد أنفاسه و يبدد الخجل الذي انتابه بداخله فشيء وكاد يعصره .. وامتدت يد صباح لتمسك يده وكأنها تود أن تنزع منه ما علق به من خجل فلا تفلته من يدها هي الأخرى وتركت يده في يدها لا يودان أن يفلتا بعضهما البعض .. ولولا الخجول لركعا حمدي وصباح تحت أقدامهما يطلبان منهما أن يتركاهما لحالهما تلك الليلة
...لقد ذهب حمدي مع أخته إلى الفراش مضطراً وهو يطأطأ رأسه .. وينتظر منها ما لا يليق به حيث كانت ترميه بنظراتها الحادة مثل سكين تذبحه ..لكنها يبدو أنها آثرت أن لا تتكلم معه في تلك اللحظة وكتمت غيظها منه حتى باتت أنفاسها تسمع وهي خارجة من صدرها كأنها لهيب مؤجج يكاد يحرق كل من حولها ..عرف حمدي أنها تكظم غيظها منه ، فأوى إلى الفراش في سكينة المسروق وراح في حلم اليقظة بين الخوف والرجاء والخيال والقلب يدق وهو يتظاهر بالنوم خشية أن تراه أخته متيقظاً ، فيسمع منها ما لا يسره ، بعدما رأته مع صباح في وضع لا يليق به ،، أي في حالة تلبس بينهما يقبلان بعضهما البعض ... وهذه حالة يأنف منها الجميع عندهم في الصعيد وهي نادرة الحدوث لكن شيئاً ما جرهما ليفعلا ما فعلا ... فراح حمدي يتقلب يمينا ويساراً والخيال يمسكه والحلم يمسكه إلى أن أخذه النوم عنوة ، وهو يضم الوسادة بين ذراعيه ويعصرها بين ذراعيه كأنه في حالة صحو ويقظة ، لقد كان الحلم جميلاً ولم يقطعه إلا اشتداد الطرق على الباب وينهض مفزعاً ناحية الباب فإذا بأم شعبان أمامه واقفة فطأطأ رأسي وأسبل جفني عينيه ، وهو موقن أن الأمر لم ينته فقد جاءت أم شعبان لأجل ما رأت عيناها بالليل بينه وبين صباح .. ظن حمدي أنه سيطرد اللحظة وسيكون طرده هو وأخته وأولادها سويا ....لكن أم شعبان سبقته بصوتها الرقيق يا بنت يا ام صابر ... صباح الخير يا حمدي .... صباح الخير يا حمدي ...! لقد تفاجأ بها وظن غير ذلك بمجرد أن رآها ... أم شعبان : مستغربة بعدم سفره وهي تقول ( أيه ولا إيه ) ليه ما (سفرتش )؟ (هو أنتو نمتو كمان ) ولا فيه حاجة ولا إيه (لغيتو) السفر ؟ ... حينما لفظت أم
شعبان وتكلمت وهي تسأل عن سفره هدأت أعصاب حمدي وتيقظ ، وقد كان يظن أنها أتت لطرده من دارها هو وأخته وأولادها ... والحقيقة قد أخذت الجميع سنة من النوم ورحوا جميعاً في نوم عميق حتى ارتفعت الشمس في كبد السماء وأصبحوا في منتصف النهار ... لكن أم شعبان عرفت سبب التأخير وقالت : (محصلش= لم يحدث شيء ) ، كل تأخيره وفيها خيرة وجاءت أم صابر وأستيقظ محمود زوج أخته على صوت أم شعبان وهي تقول: حمدي فاته معاد (القطر)نظر : محمود في ساعته وبدون مبالاة قال : بكرة نركبه القطار إن شاء الله وأحضرت أم صابر الفطار وأفطرت حمدي ومحمود وعين حمدي معلقة لم تترك الباب لحظة ولم تغفل عنه ، وهو يتلطع ليرى صباح ..لكن صباح لم تأت فخرج بعدها يقتل النهار بعيداً يحمل أول بذور العشق معه للخلاء تؤنسه .....
******
الفصل الثالث :-
سرعان ما انتهوا جميعاً ً من تناول الطعام فتركهم محمود زوج أخته أم صابر وذهب إلى المقهى وظل حمدي مع صباح وأم شعبان ، بين الحين والحين تأتي أم صابر لتجلس معهما لحظة ـ، سرعان ما تعود لبيتها ، فقد قضى حمدي ليلته الأخيرة في جو رومانسي لم يعتده من قبل كأنه وجد ما يفتح شهيته لشيء ما كان ...! ، ليس له علم به من قبل ولا معرفة ، فليس له تجربة ، فكان كالطائر البري الذي خرج من عشه على حين غرة ، فصافحته الشمس فغشيت عينيه فلم ير ما حوله حين خرج من عشه ...حتى ود أن لا يترك صباح في تلك الليلة وقد نال بعضاً من دفء الهوى والغرام ، فتسارعت دقات قلبه واضطربت وجدانه ، والتهب الكلام بينه وبينها واشتعلت الأحاسيس وانتصبت غريزة المراهقة بينهما وتقابلت شفتاهما في غلفة ممن حولهما ...
ودا حينها أن لا ينهِ ما بينهما وأن لا يستجيب لأي نداء سواء كان من أخته أو زوجها أو غيرهما وأن يعصي أوامرهما بالرغم من تكرار النداء ، لم يفق حمدي إلا صوت أخته وأم شعبان معاً في وقت واحد كأنهما أحسا باشتعال النار في الحطب فهبا سوياً ليطفأها قبل أن تمتد ، فتحرق الأخضر واليابس إذا ما تركاهما على هذا الحال ،،،اعتلا حمدي الكسوف والخجل وراح يتوارى بوجهه عن نظراتهما ـ ثم بدا له أن يتمالك نفسه ويسترد أنفاسه و يبدد الخجل الذي انتابه ، فشيء ما كاد يعصره .. امتدت يد صباح لتمسك يده ، كأنها تقول له تماسك يا فتي .. حان الوقت ليعرفوا ما بيننا ، وهي تود أن تنزع منه ما علق به من خجل فلا تفلته من يدها، فإن تركت يده يدها استدارت لتمسكه بالأخرى ..حتى فطن حمدي بما تريد صباح ، فتمسك بها .. ولولا الخجول لركعن حمدي وصباح تحت أقدامهما يطلبان منهما أن يتركاهما لحالهما تلك الليلة
...لقد ذهب حمدي مع أخته إلى الفراش مضطراً وهو يطأطأ رأسه .. وينتظر منها ما لا يليق به حيث كانت ترميه بنظراتها الحادة مثل سكين تذبحه ..لكنها يبدو أنها آثرت أن لا تتكلم معه في تلك اللحظة وكتمت غيظها منه حتى باتت أنفاسها تسمع وهي خارجة من صدرها كأنها لهيب مؤجج يخرج من بركان يكاد يحرق كل من حوله ..عرف حمدي أن أم صابر تكظم غيظها منه ، فأوى إلى الفراش في سكينة المسروق وراح في حلم اليقظة بين الخوف والرجاء والخيال وقلبه يدق وهو يتظاهر بالنوم خشية أن تره أخته متيقظاً ، فيسمع منها ما لا يسره ، بعدما رأته مع صباح في وضع لا يليق به ،، أي في حالة تلبس بينهما يقبلان بعضهما البعض ... وهذه حالة يأنف منها الجميع عندهم في الصعيد وهي نادرة الحدوث لكن عنفوان المراهقة واكتشاف الذات جرهما ليفعلا ما فعلا ... فراح حمدي يتقلب يمينا ويساراً والخيال يمسكه والحلم يلاعبه إلى أن أخذه النوم عنوة ، وهو يضم الوسادة بين ذراعيه ويعصرها كأنها بين ذراعيه في حالة صحو ويقظة ، لقد كان الحلم جميلاً لذيذاً ، فامتد به حتى قطعته يد الطارق على الباب ، فينهض مفزعاً مسرعاً ناحية الباب فإذا بأم شعبان أمامه واقفة ...! ،فطأطأ رأسه ويسبل جفني عينيه ، وهو موقن أن الأمر لم ينته فقد بعد ...وهو يظن أن أم شعبان جاءت لأجل ما رأت عيناها بالليل ما كان بينه وبين صباح .. ظن حمدي يقيناً أنه سيطرد اللحظة ، وسيكون طرده هو وأخته وأولادها سويا ....لكن أم شعبان سبقته بصوتها الرقيق يا بنت يا ام صابر ... صباح الخير يا حمدي .... صباح الخير يا حمدي ...! لقد تفاجأ بها وظن غير ذلك بمجرد أن رآها ... أم شعبان : مستغربة بعدم سفره وهي تقول ( أيه ولا إيه ) ليه ما (سفرتش )1؟ (هو أنتو نمتو كمان ) 2ولا فيه حاجة ولا إيه (لغيتو) 3السفر ؟ ... حينما لفظت أم شعبان وتكلمت وهي تسأل عن سفره هدأت أعصاب حمدي وتيقظ ، وقد كان يظن أنها أتت لطرده من دارها هو وأخته وأولادها ... والحقيقة قد أخذت الجميع سنة من النوم ورحوا جميعاً في نوم عميق حتى ارتفعت الشمس في كبد السماء وأصبحوا في منتصف النهار ... لكن أم شعبان عرفت سبب التأخير وقالت : (محصلش)4 ، كل تأخيره وفيها خيرة وجاءت أم صابر وأستيقظ محمود زوج أخته على صوت أم شعبان وهي تقول: حمدي فاته معاد (القطر)نظر : محمود في ساعته وبدون مبالاة قال : بكرة نركبه القطار إن شاء الله وأحضرت أم صابر الفطار وأفطرت حمدي ومحمود وعين حمدي معلقة لم تترك الباب لحظة ولم تغفل عنه ، وهو يتلطع ليرى صباح ..لكن صباح لم تأت فخرج بعدها يقتل النهار بعيداً يحمل أول بذور العشق معه للخلاء تؤنسه .....
******
ليه ما سفرتش = لماذا لم تسافر
هو أنتو كمان = وهل أنتم مثلهم
لغيتو السفر = أبيتم السفر
محصلش = لم يحدث
مع فصل أخر إن شاء الله تعالى