منذ أن اندلعت الثورة في تونس ونحن نسمع عن شباب الفيس بوك, لا أحد منا سعى لمعرفة هوية هؤلاء, وتحليل خطابهم, وتحديد فئاتهم العمرية, ومستوياتهم الثقافية, والاستقصاء عن مشاربهم ومآربهم. ولهذا سأحاول من خلال سلسلة مقالات أن أسلط الضوء على هؤلاء, لأعرف, ويعرف أهلنا في الوطن العربي من هم حكامنا الجدد.
قبل كل شيء سأسأل: من ينطبق عليه صفة شباب الفيس بوك؟
قبل أحداث تونس ومصر, كان شباب الفيس بوك في مجملهم عبارة عن شبكة أصدقاء واقعية, وجدت لها في هذا المنبر الافتراضي مكانا للتواصل, وأغلب هذه الشبكات تضم طلبة جامعيين, وتلاميذ ثانويات وإعداديات. ولو أردنا أن نحلل خطاب هؤلاء سنجده أقرب للمراهقة منه لأي شيء آخر, كما أن الخطاب يكاد يخلو من السياسة إلا في حالات خاصة, كحرب غزة, والمعركة الكروية بين الجزائر ومصر, والشحن الطائفي في العراق المحتل ...إلخ.
استأذنت أصحاب أحد هذه المجموعات "الفيسبوكية" وأعطوني مطلق الحرية في نسخ ونقل ما أريد من صفحتهم, ولهذا أبدأ بشكرهم على هذا الكرم وأتمنى أن يكون هذا التصريح في ميزان حسناتهم:
هذه المجموعة غالبية أعضائها طلبة جامعيون يدرسون في مختلف الجامعات الجزائرية وغير الجزائرية, واسمها: "المغتربون (الـ...) في الجزائر". ستكون نموذجا نستطيع من خلاله استتنتاج ما يمكن استتنتاجه عن مجتمع الفيس بوك, ونوعية الخطاب الموجه فيه قبل عصر الثورات العربية.
قبل أحداث تونس كان تعريفي وتعريف الكثيرين من رواد هذا الموقع التواصلي لشباب الفيس بوك: مجموعة من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين الـ12سنة والـ22سنة (طبعا مع وجود استثناءات ترفع العمر إلى ما فوق الـ25سنة). يقضون أغلب أوقات فراغهم في هذا الموقع, يجتمعون على نكتة بذيئة, أو صورة طريفة أياما وليال لا يملون من التعليق عليها وتبادل الضحكات والشتائم.
وحتى لا يثير كلامي هذا حفيظة أي "فيسبوكي" ناضج وواع وعلى خلق أقول: بأنني أحد المشتركين في الفيس بوك ومن سنوات طويلة, وقائمة أصدقائي تضم أسماء محترمة ومقدرة فأغلبهم أدباء ومفكرون ومثقفون, وأعمار أغلبهم تتخطى بمراحل الفئة العمرية التي حددتها. فالأكيد أن الفيس بوك قد استطاع أن يجمع جميع شرائح المجتمع وطبقاته العلمية والثقافية والعمرية, لكن ما يقضيه كاتب هذا المقال في الفيس بوك على سبيل المثال لا يمكنه من بلوغ رتبة "مساعد جندي" فيه, والغالبية الساحقة من المثقفين والأكادميين لا يختلفون عني في شيء.
بيني وبين الكهولة بضعة أشهر, ورغم هذا تربطني علاقات جيدة مع فيسبوكيين يصغرونني سنا بكثير, وهؤلاء هم من سمحوا لي بالاستشهاد بهم وبصفحتهم, ويعلمون جيدا بأن ما أقوله صحيح, ورغم ما في كلامي من تجريح لهم (غير مقصود طبعا) إلا أنهم قبلوا بهذا التجريح من أجل شيء أهم منهم جميعا ألا وهو الوطن والأمة.
فهجم الفيسبوكيون على الوليمة وإليكم عينة من ردودهم(مجموع الردود75ردا):
ـ Zahra Kapoor وشو المناسبة لحتى عازمنا عالعشى؟؟ ههههههههههه
ـ Anwar Bin Jumaan هذا والله كرم منك بس وين حتى أجي ☝☟☞☜☠
ـ Salim Crb تاكل الررهج جمل بوفاه
ـ Akram Al Ahdal [ثامر ]انت للان عليك دين حق الغدا وما غديتنا بعدين انا عزمتك حشمه من ابوك وولد خالك وعصام اتوسط لك ولا انت حراااااام فيك رجل دجاجه
ـ Akram Al Ahdal [زهره بنت الحاج كابووور] بدووووون مناسبه انتو كلكم غاليين على قلبي واموووووووووووت فيكم
ـ Ramy Aletsamie والله انا مجرد ماشفتها جعت
ـ Khaled Dziri تاكلو بالهناء
ـ Ahlem Pinky Dz mdrrrr...
ـ شاكر السلطان هذا جمل اوخروف بالهنا والشفاء
ـ Khaled Saleh Hedayed ناس عايشه وناس محتاجه....
ـ Thamer Ahmed Thamer انا اعزمك انت والله لو تبوس ايدك وش ودئن وبعدين ماقدرك تشتري جلد دجاجه ياجااااااوع
ـ عصام محمد والله ان بطني صغيره يكفيني الفخذ وخلوه سفري لاني مشغول ومش قادر اجي على العزومه
طبعا هذا غيض من فيض..!!
بالمقابل لنر ما عدد ردود أي موضوع سياسي, أو أدبي:
في 16 فبراير، 2010، الساعة 08:34 مساءً نشرت على صفحتي في الفيس بوك هذه القصيدة:
أخضرٌ ريَّان
شعر: عدي شتات
عَلَمُ الجَزائِرِ أَخْضَرٌ رَيَّانُ
بدَمِ الشَّهادةِ دائماً يَزْدانُ
قلبي يُسَبِّحُ إِنْ سَمِعْتُ نَشيدَهاَ
ويَفُورُ دَمْعي إِنْ سَنَتْ أَلْوانُ
وهاهي ردود القصيدة (المجموع 4ردود+3ردودي على المارين):
ـ Nabila Haiahem كم أنت كبير يا دكتور تحياتي ومودتي
ـ أبو آدم مع نوتات موسيقية مناسبة والكل سيغني
ـ Aboudoukhane Kamel قصيدة رائعة من ابن الجزائر وفلسطين فيض من غيض وفقك الله
ـ نافذ جعرور يسلم فمك
مع العلم أن عدد الأصدقاء قرابة المائتي صديق وأغلبهم شعراء وأدباء وأكاديميون.
في هذا النموذج الأول, نستطيع أن نرسم صورة لشباب الفيس بوك(وعدد منهم في قائمة أصدقائي طبعا), فالوليمة جمعت العشرات منهم, بينما لم تجمع القصيدة ولا واحدا منهم (فكل من ردوا أعرفهم وهم أصدقاء حميمون وليسوا سوى عابري سبيل حالهم كحالي).
صورة الوليمة كما أسلفت نشرت في 10-06-2010م, سأعود بكم قليلا إلى الوراء, إلى حادثة أسطول الحرية والتي هزت الأمة والعالم ففي 29-05-2010م تحرك الأسطول باتجاه غزة وحدثت المجزرة الصهيونية بحقه فجر الـ31-05-2010م, أي قبل أيام من الوليمة الفيسبوكية, فما تأثير هذا الحدث على المجموعة؟ لا تأثير مطلقا..!!
بحثت في نفس الصفحة عن أثر لأحداث تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلدان, فلم أجد شيئا, باستثناء صورة كاريكاتورية منقولة من صحيفة الوطن الجزائرية وفيها الملك السعودي وفي حضنه الرئيس التونسي المخلوع, وتبشر بانضمام كل من الرئيس المصري المخلوع والرئيسين الجزائري والليبي ولم يعلق عليها أحد رغم طرافتها..!!
وأتساءل هنا: لماذا بقي هؤلاء الفيسبوكيون على طبيعتهم, ولم ينضموا إلى شبكة الفيسبوكيين الثوار؟ ولماذا لم تستغل صفحتهم المفتوحة للجميع لخدمة الثورات المزعومة في شتى أنحاء وطننا الكبير؟
لا أملك جوابا قاطعا لهذين السؤالين, ولكن أظن بأن طبيعة ونوعية المشتركين في المجموعة هو التفسير المنطقي لعدم انضمامهم, فهم جميعا يعرفون بعضهم البعض, وإن فرقت بينهم المسافات؛ ولا وجود لغريب أو لمدسوس بينهم, فهي مجموعة حقيقية واقعية, وليست مجموعة افتراضية. كما أن وجود علم دولتهم وصور رئيسهم, أعطى للصفحة طابعا شبه رسمي, وكل من يمر من هناك سيظن بأنها صفحة أو مجموعة لرابطة مغتربين رسمية. ولهذا يعتقد بأن اختراقها واختراق أعضائها صعب جدا, وخاصة إن اعْتُقِد أن بعض أعضائها قد يكونون على علاقة بجهات أمنية في بلدهم.
لكن مجموعات أخرى في الفيس بوك, كانت لا تختلف كثيرا عن المجموعة آنفة الذكر قد تم اختراقها, وأصبحت أبواقا للثوار المزعومين في ليبيا, وسوريا, واليمن. حين نتفقد أسماء أعضائها سنجد بأن غالبيتها الساحقة أسماء مستعارة, أو أسماء لا تعني شيئا فعلى سبيل المثال لا الحصر: في العالم الإسلامي يوجد ملايين يحملون اسم "فراس عبد الله" أو "أحمد إبراهيم"..!!
كيف اخترقت هذه المجموعات ولماذا؟
ببساطة الاختراق تم من خلال قوائم الصداقات المفتوحة والتي تضم أسماء لا نعرفها, فأحد معارفي على سبيل المثال قائمة أصدقائه فيها أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة صديق, وحين سألته هل تعرفهم قال لي: "لا هم يطلبون صداقتي وأنا أوافق دون أن أعير الأمر أدنى اهتمام" من خلال شخص كصديقي هذا يستطيع المئات من المدسوسين وأصحاب الأجندات بأن يخترقوا أية مجموعة في الفيس بوك, فأول أمس فقط أضافني صديق إلى مجموعة جديدة تسمى: "قاوم لحس العقل العربي" وأنا بدوري أضفت العشرات من أصدقائي لها.
في المقابل كيف يستدرج الفيسبوكيون إلى الصفحات والمجموعات المشبوهة؟
طبعا بالطريقة آنفة الذكر, وبطرق أخرى, فعلى سبيل المثال لا الحصر, كنت مشتركا في مجموعة تهتم بالكمبيوتر والبرامج, فجأة تغير اسم المجموعة لتصبح صفحتها منبرا من منابر الثورة المصرية. المجموعة كانت تضم الآلاف, وأصبح أعضاؤها يبتلعون ما يضخ لهم فيها من غث وسمين.
حين اشتعلت أحداث ليبيا, انضممت إلى مجموعة فيسبوكية تسمى: "ليبيا" كانت هذه المجموعة تدافع عن ليبيا, وتحاول كشف زيف الإعلام الناطق باللغة العربية, لم تكن ذات أهمية تذكر, لكن سرعان ما انضمت إليها أسماء مستعارة, أو أسماء بلا أسماء كـ"أحمد إبراهيم" مثلا وبدأت المعركة.
مكنني هذا من قراءة الأثر النفسي للخطاب الموجه من طرف هؤلاء, وملاحظة أمور بالغة الأهمية:
أهم ملاحظة لاحظتها, أن ما ننشره نحن المدافعون عن ليبيا ورايتها الخضراء, لا يهتمون به إلا حين يكون كلاما عاما فتنهال الردود المكفرة والشاتمة ووو.. أما حين نكتب أمورا مؤثرة ومدعومة بالبراهين والأدلة, وروابط الفيديو وما إلى ذلك تهمل ردودنا تماما, ويدخل أحدهم فيضخ ردودا بالعشرات كلها تصب في دورق الغرائزية.
وإليكم هذا النموذج:
دخل أحد أعضاء المجموعة من المدافعين عن ليبيا ويسمي نفسه: "رجل عربي" ونشر هذا التعليق وهذا الرابط:
رجل عربي 28 مارس 08:48 مساءً
العدوان الصليبي الامبريالي الرجعي على ليبيا يقصف مستشفى مزدة
بعد دقائق دخل أحد الأعضاء الجدد, وإليكم نموذجا عما ضخه ولاحظوا معي التوقيت ونوعية المادة المنشورة:
Feras Abd Alla 28 مارس 09:27 مساءً
السلام عليكم و صابحين احرار انشاء الله
---------
Feras Abd Alla 28 مارس 09:33 مساءً
ولد الجردافى تزوج وحده من اسرائيل
خالة القذافي اليهودية الفلم الثالت بالعربيwww.youtube.com
ليبيا ثورة القذافى قتل المدنيين ارهاب قصف صوارخ اليهودى الصهيونى طرابلس بنغازي تونس مصر الجزائر المغرب فلسطين اليمن لبنان العراق سوريا الاردن قطر دبى الامارات السعودية يمكنك ايضاً مشاهدة الفلم باللغة الانجليزية على هذا العنوان
-------------------
Feras Abd Alla 28 مارس 09:45 مساءً
هذا هادى شلوف ليس وطنياً فهو كان ع الجزيرة يبارك فى بوش اللى احتل العراق فأرجوا التنبه له
---------------
Feras Abd Alla 28 مارس 10:50 مساءً
أخبار من غريان : تم اليوم قصف معسكر الدروع الثامنة وكتيبة سحبان وتم قصف مخزن الذخيرة في منطقة القحاصات
----------
Feras Abd Alla 28 مارس 11:51 مساءً
ليبيا / ثورة ثورة حتى النصرwww.youtube.com
libya tripoli bahrain benghazi arabs muslims shia sunni Believers Islam shaheed martyrs shuhada islamic state republic democracy khilafah al mahdi end times dajjal shaytan antichrist nwo ww3 soon peace truth freedom march protesters protestors people revolt revolution 2/21 2/22 2/23 february feb 21
----------
هذا النموذج يبين للقارئ الكريم كيف يتم تغافل الخبر الذي يهز المشاعر الإنسانية, والمدعوم بالحجة والبرهان, وكيف يواجه بسيل من الأخبار المدروسة جيدا نفسيا ووجدانيا. فمن من العرب سيهتم بأمر شهداء مستشفى مزدة الذين سقطوا على يد القصف الصليبي الهمجي, أمام عنوان مبهر كـ: "ولد الجردافى تزوج وحده من اسرائيل--خالة القذافي اليهودية الفلم الثالت بالعربي"..؟! ويختتم سيل الأخبار بصور مروعة لمن يدعون بأنهم ضحايا كتائب القذافي, مع العلم أن هذا العضو (والذي لفت انتباهي غياب حرف إتش(H) من اسمه الثاني, ولم يسبق لي أن رأيت عربيا واحدا أو مسلما واحدا يكتب كلمة الله بالأحرف اللاتينية دون هذا الحرف(H)..!!) لم يكن لوحده في الميدان, ففي نفس الوقت كان آخرون يدعمون جهده بالمزيد من الأخبار وروابط الفيديو, ولم يكلف أحدهم نفسه أن يترحم على الشهداء فهم في الأول والأخير مواطنون ليبيون لا يختلفون في شيء عمن يتباكون عليهم في بنغازي ومصراتة والبيضاء..!!
كنت لا أنوي الإطالة, حتى لا ينطبق علي المثل الفرنسي الذي يقول: "الكثير من المعلومات تقتل(أو تضلل) المعلومة" لكن الموضوع شائك وبالغ الأهمية, لهذا وقبل أن اختم كلامي, سأحكي حادثة حدثت معي في الفيس بوك: لاحظت بأن إحداهن (إن كانت حقا أنثى) قد نقلت فراشها إلى الفيس بوك, وتفرغت لبث الإشاعات والأكاذيب عن القذافي وليبيا, وفي بعض الأحيان تعرج على اليمن وسوريا, فخطر ببالي خاطر سرعان ما استجبت له, كتبت بالعبرية عبارة: "أعرف من تكونين" ولاحقتها بها حيثما حلت وحيثما ارتحلت, فماذا كان الرد؟
طلبت صداقتي في الفيس بوك في نفس الوقت الذي سألني فيه أحد أعضاء الجوقة: (ما الذي تقصده من قولك عرفت من تكونين؟ وضح..!!). والمثل العربي يقول: "اللبيب بالإشارة يفهم".
إننا جميعا نعرف من هم شباب الفيس بوك الحقيقيون, هم شباب يحبون الحياة, ويعتبرون هذا الموقع الاجتماعي أحد وسائل الترفيه, وقتل الوقت. اهتماماتهم في غالبيتها لا تخرج عن اهتمامات أي شاب في مقتبل العمر: التعارف, الترفيه, والعلاقات بكل أنواعها, تبادل النكت والأغاني والصور والرنات..إلخ وقلة قليلة منهم من يعنيهم الشأن السياسي سواء في بلدانهم أو في أمتهم. قد ينفعلون ويتفاعلون مع حدث جلل كحرب غزة على سبيل المثال لا الحصر, ولكن سرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم. هم في كل الأحوال وعاء قابل لأن يملأ بأي شيء, والذكي من يستطيع أن يملي إرادته عليهم, ويملأ عقولهم بما يخدم مصالحه. وكلنا يعلم بأن دولنا العربية دون استثناء لم تعر في يوم من الأيام أدنى أهمية لا للفيس بوك ولا لليوتيوب ولا لتويتر ولا لغيرهم, كل همها كان إما الحجب (كما كان في سوريا) لكي لا تصل انتقادات النظام عن طريقها, وإما الإتاحة لشغل الشباب وإلهائهم عن واقعهم. وأظن بأن هذا كاف ليجعلني أستنتج بأن أعداء الأمة (وهم أصحاب هذه المواقع والبارعون في إدارتها) هم من كوَّنوا ما يسمى بشباب الفيس بوك الثوريين. وبالله العظيم, كنت كلما وضعت فيديو في موقع اليوتيوب أتساءل: كيف يتاح هذا الموقع لنا في عصر أصبحت فيه الصورة هي الحاكم بأمره؟ لكن حين غصت الفضائيات المشبوهة بفيديوهات الموبايلات "الثورية" أدركت بأننا أيضا لم نُجِد استخدام هذا الموقع, ولن نجيد استخدامه أبدا, ولهذا كان سيفا بتارا انهال على رقابنا في الزمان والمكان المناسبين.