ما من مرّة تصفحت بها أوراق رواية ( زيتون الشّوارع ) للرّوائي والشّاعر الفلسطيني (إبراهيم نصر الله) إلا وحاصرتني لوحة غلافها بصمتها الجليل ، وربما يحاصرني شيء يشبه الملائكة حين تموت أو حين تصلي
ويطاردني السّؤال : أليست الفتاة في لوحة الغلاف تشبه بثوبها وموتها ( أو نومها) زيتونة مغتصبة على رصيف عربي منتهك؟ ؛ إنّها تتوسد لونا أحمر مائلا للقتامة يشبه لون الدّم الذي تقادم عهد نزفه .. شعرها القصير ينبئ بطفولة قصيرة الأمد طغى عليها صمت البرتقال كما طغى على شوارع الرّواية وخرائط فلسطين المحتلة والمنسلة من الفواجع والحروب ، وفستانها الذي لم يتم ستره لظهرها يشي بمظلوميتها، ولونه الكحلي الحزين يشبه لون زيتونة ملقى بها على قارعة الطريق .. التفاف ذراعيها نحو الأمام نحو الهالة البيضاء الفاتحة المحيطة بها يسكب البرد وقشعريرته الحزينة في قلبي وفوق هذا وذاك تجيء الصّفحة رقم 153 من الرّواية بما يطابق لوحة الغلاف فتجعلني أغوص في ذاكرة الزّيتون :
مجنون ذاك الذي يترك زيتونة في المقبرة إلى الأبد وحيدة
" فهذه أشياء ليست عابرة ، أشياء لها علاقة بالرّوح ومايحدث فيها . متى بدأ السّوس ينخر هذه الرّوح ؟ من زمان ؟ اعرف ولكن متى بدأ الإنسان منا يراه ؟ لاأريد منك أن تحددي مذبحة أو حربا ، تذكري فقط ، حاولي أن تتذكري متى رأيتِ أول زيتونة يلقى بها هنا ؟ إلى أرجل المارة ، وقطعان الأغنام العابرة ، ثمّ حدّقي فينا نحن، في أطفالنا الذّاهبين إلى برد المدارس ، والنّساء المذبوحات بانتظار كيس الطّحين ، حدّقي في سلالهن الطّافحة بفضلات السّوق ، وحاولي أن تتصوري معي ، أي زيتون ذاك الذي كنّاه ، وأي زيتون ذاك الذي أصبحناه ياسلوى ، لم نكن خارج الوطن أكثر من زيتون شوارع "
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟