قراءة نقدية لنص ( انتظار) للشاعرة العراقية وقار ناصر
قراءة نقدية لنص ( انتظار) للشاعرة العراقية وقار ناصر
انتظـــار
موحشاً كان رصيف تلك المحطةِ الخاويه
عجلاتٌ مجنونةٌ بالأكف الملوحةِ .. بالنوافذ
لم تبقْ سوى ساعةٌ صفراء
عيونٌ بليلةٌ
نوافذُ يغلقها حرسٌ وأبواق
ساعةٌ صفراء
فيها أترقب لا جدوى .. قطاراً يمر سريعاً
توهمتُ انهُ آتٍ
ابتهلت للأرض
أن تكف عن الأنحناء وتطلق من أسرها
قطارأًجديداً
قطاراً بعيداً
سأنهض ...
اسألُ حارسها الليلي
كم ستنتظر خطاي ! ؟
تلك التي ابتلعتني درباً طويلاً
ولم تطاوعني البقاء
ثمةَ كهلٌ يقهقه ، يرميني بعصاه
هذي المحطةُ
حمّلتها السنون أضعاف ما تطيق
فــأي انتظار .. ؟؟
فجأة .. صوت صفير
ضعيفٌ حنون
يلامسُ فراغَ انتظاري
ألشمسُ جاريةٌ
تلامسُ خطَ العبور نحو الضفاف
من أين لي براحلةٍ ! ؟
ساعة البحث عبر المتاهات
خلف الرؤى
بوجــه اتّبعُ آثار خطاه
تلك التي أطفأتها المخاوف
ساعة البحث
فربما ، وقد ، يعلقُ بهجةً
للحيــاة
......................
وقار ناصر
نص مشهدي يتمحور حول الصور الشعرية المركبة بشكل تضامني تصل الى نهاية المشهد بقناعة بعدم الوصول , اللاجدوى الانتظار ونشعر برغم عدم الوصول لكن تبقى الحياة هي المسافرة فينا لكي لا نصل الى الإخفاق وفق الزمن المركب في البحث عن التغير أي هنا يبرز الأمل على التغير والتغير السريع لكثرت ما تراكب الزمن الصعب حولنا وهي محاولة للبقى بأيمان الحياة برغم تراكم الزمن حولنا خارج أرادتنا والشاعرة هنا استطاعت أن تمسرح اللغة من خلال الحوار الذاتي فارتقت الحوار المسرحي داخل الى المشهدية , حيث تبتدئ بوصف المكان وكأننا أمام مشهدي مسرحي أي أن الشاعرة هنا استفادت من المسرح بلغة حوارية ما بين الذات والمكان (موحشاً كان رصيف تلك المحطةِ الخاويه/عجلاتٌ مجنونةٌ بالأكف الملوحةِ .. بالنوافذ/لم تبقْ سوى ساعةٌ صفراء ) والذي يميز النص هو برغم أن الشاعرة استفادت من المسرح من تحقيق المشهدية الحورية داخل النص لكنها بقيت محتفظة بالنبض النص الشعرية أي لن يطغي جنس المسرح على النص الشعري وهذا هو ما يجب أن يتحقق من خلال الاستفادة من الأجناس الأدبية الأخرى على أن يطغي ما نريد أن نكتبه من المستفاد منه , في هذه المقاطع وصف دقيق لمحطة القطار والذي بينى عليها النص , ثم تستمر النص بلغة حوارية عميقة يحمل الحزن العميق الخفي بعدم حدوث التغير ولكن في نفس الوقت نشعر أن هناك أمل يستمر داخل خفي داخل معنى النص , برغم اليأس هناك أمل في الوصول الى حلم تغير الأشياء حولنا حيث ندرك في نهاية النص توجد صرخة تمسح كل حالات اليأس وهذا يتم بنهوضها , فهي تنهض من حالة يأسها لكي تجد الجودى لانتظارها فهي متمسكة بهذا الانتظار لأنه يمثل لها حالة اليقين الوجودي (سأنهض .../اسألُ حارسها الليلي/كم ستنتظر خطاي ! ؟ /تلك التي ابتلعتني درباً طويلاً / ولم تطاوعني البقاء / ثمةَ كهلٌ يقهقه ، يرميني بعصاه / هذي المحطةُ /حمّلتها السنون اضعاف ما تطيق /فــأي انتظار .. ؟؟ ) وهنا إشارتان عميقتان الى طول انتظارها الأول المعنى الموحي بطول انتظارها ضمن المكان هو ( تلك التي ابتلعني دربا طويلا ) وهذه أشارة دالة على بعد المسافة داخل روح النص وما يمثله المكان من تراكم الزمن حين يحدث الفراق , حيث يبقى المكان يرسم في داخلنا الصور الوحي على خلوه من كنا ننتمي إليهم لكن أصبحوا الآن خارج المكان الذي حولنا ,والإشارة الثانية هي ابعد الزمني وطول انتظارها حيث تشير الى تراكم الزمن الى حد الكهولة أي أن زمنها قد شاخ من طول انتظارها الزمني , والشاعرة هنا توحي بالمعنى المتستر داخل دالة التأويل المفتوح على الزمن لأن القهقهة هنا توحي السخرية من الزمن الذي جعلها تنتظر كل هذا الزمن , فهي لم تعد تقدر أو أتعبها كل هذا الانتظار حتى أصبح زمنها يتوكأ على عصا أي أنها أصبحت في الحد الأخير من الانتظار الذي أفرط في الإيغال بتعبها الى حد الكهولة , وهنا نشعر أن الشاعرة استطاعت أن تحقق العنوان أو كما سماه جاك دريدا ( ثريا النص )بكل أبعاد الزمن والمكان بشكل مزجهما دون الاختلاط الكلي للزمكانية المتحققة في دالة المعنى المشهدي التصوري الذي يعطي الى ذهنية النص تراكيب الصور الشعرية المشعة بالتأويل الدلالي ( فجأة .. صوت صفير / ضعيفٌ حنون / يلامسُ فراغَ انتظاري/ الشمسُ جاريةٌ / تلامسُ خطَ العبور نحو الضفاف/ من أين ليبراحلةٍ ! ؟ ) وفي هذا المقطع استطاعت الشاعرة أن تنقل التصوري الذهني التصوري في حالة الأسيقاظ من حالة الحلم الذي يحد لها هوية الانتظار , لأننا نشعر كل هذا الحدث في تركيب حالة الانتظار هي حالة حوار داخل الوجداني العاطفي الذي يتصور ويجد الصور المرتبطة بالذهن الحركي لفعل الانتظار , حيث يأتيها صوت الصفر وهذا حالى استيقاظ من التشرد الذهني في خلق الصور المركبة في اللاوعي المشهدي , لكي تعطي هذه المشاهد المركبة في ارتداد التحسس صوري في المكان من خلال البعد الزمني المتكون داخلها أي أنها هنا لا تحاول أن تهرب من هذا الصفير الحنون المتكون داخلها الذي يسمعها انتظارها بل تحاول أن تفك رموزه المتكون داخلها لكي لا يبعدها عن حقيقة الحياة التي تعيش , فهي تشعر برغم أزمة انتظارها والذي تحول الى أزمة داخلية تعيشها ضمن رموزها النفسية المنعكسة الى الخارج والتي تشير إليها بزمن انتظارها المكاني لكنها تحاول الخروج من كل هذا لكي تدرك الحياة من جديد (الشمسُ جاريةٌ /تلامسُ خطَ العبور نحو الضفاف ) كي تعبر الى الضفاف الأخرى تجنبا الى البقاء داخل وجدانها الذي يسبب لها كل هذا الوجع في استمرار الأزمة داخل روحها أي أنها تحاول الانتقال الى الضفة الأخرى من الأمل فها الشمس جارية إليها كي ترى الإشراق بالعبور الى الضفاف الأخرى , ولكنها في نفس الوقت تشعر بعجزها بالعبور . مع هذا تبقى الشمس تزرع في روحها الأمل بالعبور
(ساعة البحث عبر المتاهات/خلفالرؤى/بوجــه اتّبعُ آثار خطاه/تلك التيأطفأتها المخاوف /ساعة البحث /فربما ، وقد ، يعلقُ بهجةً /للحيــاة ) وتبشر بوجود الحياة برغم اليأس المتراكب داخل روح النص وهذا يأتي من خلال البحث المستمر عن الأمل حتى لو كان هذا البحث من خلال الرؤى لكي لا تبقى المخاوف داخلنا وتنعدم الحياة (فربما . وقد , يعلق بهجة .. للحياة) وبهذا أن النص أستطاع أن يقنعنا بأن لا يأس مع الأمل وفي البحث الانتظار لهذا الأمل .. نص حقق شروط المسرح بلغة شعرية عالية وعميقة أي أن الشاعرة هنا أستفادة من المسرح دون أن تفقد عنصر الشعر في الكتابة .. وهنا نشعر عكس المسرح اللامعقول وخصوصا مسرحية ( في انتظار غودو ( لصومائل بكيت ) فنهاك عدم جدوى الانتظار وهنا نشعر بأن الانتظار أتي من خلال البحث عن الأمل وعدم اليأس فهناك بهجة للحياة وهنا قطار جديد برغم البعد في الوصول إليه .. نص رائع وعميق .. شكرا