قراءة نقدية لنص (الرماد الحي )للشاعر اللبناني عبد الكريم سمعون
قيمة الحياة في دفء بساطتها خارج منطقة الكذب والخداع
الرمــــــاد الــــــحي ..!!
سأواجه الماضي ..
بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم،
وحاضر يغيب .
أيّها المستعد للموت دوما ،
إنّك الحيّ الوحيد ..
ذات ماضٍ..،وشوق لـ غدٍ
ثمّة أغلال مشبعة بدماء سواعد،
كانت تريد .
عَزَمتْ أنْ تُسقطَ، نقاط أحرف التأريخ المقولبة.
لم يستطع شحوب المحنطات،
امتصاص لونها ..
رغم ابتلاع مُهَج الأجنّة
وتكبيل سمامٍ، غادرها النبض
نَصَبَتْ لأحداقها، أراجيحَ وأثلام نصل ..
حبّ البقاء المؤقت
خلّبٌ وعرضٌ زائل..
بوّا بإنتظار الحشود التالية .
وعرّاب يليق .
قاتلةٌ وسائد الذعر .
و وثيرةٌ تلك،
ذاتُ الأحلام الصغيرة...
باردةٌ صدور الأوسمة،
لاشيء يقيها صقيع المعادن.
الحزن؛ دافئ،
تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ
حواف الخنادق؛ دافئة
ودموعٌ تروي مفازات فراقي .
قلوب تؤرشف تاريخي
وشفاه تنبسه همسا،
مابين الزفرة والزفرة، تعيدُ رسم ملامح أحرف اسمي،
أنامل.. تتحسس صوري المخبأة
تمسحُ دمعا يسيل على وجناتٍ تَوقى
يَصبغ ألواني
ورمادي تسكنه الروح .
كريم سمعون\لبنان \3\12\2011
أن تحديد الدلالات التي يعطيها النص أي نص يعتمد على حجم الرؤيا التي تستطيع أن توصل المعنى وفق أنساق الفكرة المكونة لهذا النص , والفكرة المكونة لروح النص ومقدار امتداد هذه النص ضمن اللغة التي تعطي المساحة الكبيرة على التأويل الدلالي وفق المدلول حيث أن الكثير من النصوص تخفق في إيصال الدالة الى عمق المدلول وذلك لضياع الإشارة الواضحة لهذا المدلول من خلال الغموض والتعويم الذي لا يرتبط بحدود الفكرة أي يصبح النص مغلق خارج نطاق الإيحاء الذي يعطي المعنى كامتداد لهذه الدالة , لكن هنا نجد الشاعر عبد الكريم سمعون أستطاع أن يكون الفكرة التي تبث الرؤيا وفق التأويل المفتوح على الدالة ولكن بتكثيف مرمز على عنصر الصور الشعرية كتصور صوري رؤيوي ذهني يشير الى لغة مستعارة في كل حالات أنزياح الدالة كبعد ذهني يخلق من اللغة حوار مع الموجودات حوله كرموز تثبت المعنى كأساس الإيحاء الذي يعطي للإيقاع الداخلي للنص امتداد الكبير في خلق رؤيا متناسقة في مقاربة التأويل الدلالي الواضح للنص مع احتفاظه بالرمز كتكثيف للفكرة المنجزة من خلال هذا النص , فالشاعر يبتعد عن الخطابة عند تقارب مسالك اللغة الموحية للمعنى لكي يبقى محتفظا بالمعنى المؤشر في العنوان كعمق لامتداد البؤرة داخل النص لتشكل ثريا النص ..
سأواجه الماضي ..
بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم،
وحاضر يغيب .
أيّها المستعد للموت دوما ،
إنّك الحيّ الوحيد ..
ذات ماضٍ..،وشوق لـ غدٍ
ثمّة أغلال مشبعة بدماء سواعد،
كانت تريد .
عَزَمتْ أنْ تُسقطَ، نقاط أحرف التأريخ المقولبة.
لم يستطع شحوب المحنطات،
امتصاص لونها ..
في هذا المقطع هو تقاسم ما بين الحاضر والماضي كحضور وجودي للحاضر . كإدراك جوهري في تصوير خلق روح الأمل من خلال أعطاء الى الماضي كمرحلة بناء للحاضر لكن دون أن يهمن هذا الماضي على الحاضر في كل أشكاله الحياتية وهذا إيحاء باستمرار الحياة في حاضرها وامتدادها الى المستقبل هو المنشود في استمرار الحياة لأن قد يكون الماضي أحرف مقلوبة لهذا يرسم الرؤيا التي تعطي الدلالة ليس كل الماضي هو فعال في خلق الحياة في الحاضر و هنا أشارة على حقيقة الجوهرية على أن الماضي بقدر ما له من قيمة كبيرة في تكوين الحاضر يبقى المستقبل هو المنشود في تحدينا من أجل أن نخلق حياة جميلة , حيث أن جميع المحنطات لا تمتص ألوان الحاضر والإشارة الى عنوان إلا صياغة الدالة وفق انساقه لأن الرماد هو حالة الموت ولكن الشاعر أستطاع أن يعطي الرمز أبعاد كبيره بان يحول هذا الرماد الميت الى حي فالاحتراق هنا من أجل خلق مرحلة أخرى من الحياة وليس إنهاء المرحلة السابقة , وهذا يعطي النسق التفكيري لإيجاد البعد الجدلي للحوار في كل الأزمان ومراحلها , وقد بدأ الشاعر (سأواجه الماضي ../ بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم، /وحاضر يغيب ) لكي يخلق من ماضي حاضر ويبقى الأتي هو الغاية التي نفكر ببنائها لكي لا تسقط الحياة عن المعنى في الحاضر والمستقبل ...
رغم ابتلاع مُهَج الأجنّة
وتكبيل سمامٍ، غادرها النبض
نَصَبَتْ لأحداقها، أراجيحَ وأثلام نصل ..
حبّ البقاء المؤقت
خلّبٌ* وعرضٌ زائل..
بوّا بإنتظار الحشود التالية .
لو تتبعنا البؤرة النصية التي حكمت حدود النص وعمقت تناصه مع الفكرة المكونه لوجدناها متماسكة داخل الشفرة الخفية في روح النص وهذا ما يجعل النص ممتد داخل مسالك اللغة التي تجمع المعنى في العمق بدل التسطح ..فالشاعر عبد الكريم سمعون حين حدد ثريا النص ( العنوان ) بالرماد الحي فلا رماد بعد الاحتراق إلا الزمن الذي يمضي فكل الماضي حين يمر علينا يحترق في لحظة الوجودية ضمن ذاكرة التقويم البستمولوجي لحدود الذاكرة أي المعرفة الحياتية داخل تفسير الذهن الحي للذاكرة , لهذا أعطي الشاعر رمز عالي الاستعارة وأستطاع أن يوظف هذه الاستعارة الأنزياحية كفكرة الرؤيا لكي يحدد جريان اللغة وفق هذه الرؤيا وطبعا هذه طاقة فكرية معرفية في اللغة كأداة تعبيرية تقبل الرمز إذا كان يحمل التكثيف من أجل خلق المنطقة المفتوحة المتسعة في هاجس التكوين لأبعاد النص , حيث ندرك كل هذا من خلال هذا المقطع , فيتحول الزمن هنا كإشارة برغم ابتلاعها مهج الأجنة والإشارة هنا هو تحديد ما أخذ هذا الزمن منا الكثير من حياة ولكن يبقى كل شيء يمضي الى الزوال مهما حولنا أن نجعل من الزمن هو اختيارنا الأكيد حيث مها كانت أماكننا التي نحاول أن ندافع عنها ونجعلها الشيء الباقي في حياتنا كحالة الوصول النهائي مع كل هذا فهي تبقى مجرد حب البقاء المؤقت وهذه دالة على أن أي حالة أو عرض .. الزمن بجعلها زائلة (حبّ البقاء المؤقت /خلّبٌ وعرضٌ زائل)ولكن بعض هذه العلاقات وحتى في أزالتها تبقى علامة على استمرار الحياة حتى لو تحولت الى وهم نلوح به الى الحياة(..بوّا* بإنتظار الحشود التالية .)
وعرّاب يليق.
قاتلةٌ وسائد الذعر .
و وثيرةٌ تلك،
ذاتُ الأحلام الصغيرة...
باردةٌ صدور الأوسمة،
لاشيء يقيها صقيع المعادن.
الحزن؛ دافئ،
تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ
حواف الخنادق؛ دافئة
ودموعٌ تروي مفازات فراقي .
نجد في كل هذا المقاطع صدى صوتي لعنوان النص أي أن النص أعتمد على البنيوية الصوتيه ضمن الحس الداخلي للغة التي حدد الشاعر المسار فيها ضمن رؤيته ليكون التدرج بالذائقة في تكوين الجملة الشعرية , والشاعر أعطى الرمز الموحي بأن كل مرحلة من الممكن أن تنتهي بمرور الزمن مها كانت شدتها أو قيمتها المعنوية والغير معنوية , كما أن الزمن كفيل بكشف أي شيء مخفي في الحياة لأن لا يمكن التغطية عليه على طول الزمن فلابد أن تنكشف الأشياء المخفية مها كان حنكة العراب الذي يخفي هذه الأشياء(وعرّاب يليق/قاتلةٌ وسائد الذعر. /و وثيرةٌ تلك، /ذاتُ الأحلام الصغيرة.../باردةٌ صدور الأوسمة، /لاشيء يقيها صقيع المعادن.) فها صدور الأوسمة لا يقيها صقيع المعادن أي حتى الأوسمة لا يمكن أن يديم بريقها فهي في الحقيقة معدن لا يقي البرد حتى وهي وثيرة عند هذا العراب , ويؤكد الشاعر أنه مقتنع بحياته البسيطة خارج أوسمة الكذب والنفاق فكل هذه الأوسمة لا تقي حتى البرد مع أنه دون هذه الأوسمة يعيش حياة دافئة ويتناثر على جسده تراب دافئ وهذا استعارة بعمق الترميز للصور البنيوية المكونة لتصور الذهني بحدية الحياة التي يعيشها بكل بساطتها خارج النفاق وحتى دموعه تروي مفازات فراقه أي أنه لا يريد إلا أن يعيش حياة بسيطة بالمعنى الحقيقي وخارج البهرجة والزيف فمن البساطة يدفئ ومن البساطة يبكي على الأشياء التي تفارقه فليس لدية عقد تحتم علية أن يلبس وجوه الأوسمة المؤدية للزيف والخداع (الحزن؛ دافئ،/تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ /
حواف الخنادق؛ دافئة /ودموعٌ تروي مفازات فراقي) .ندرك من خلال هذا أن الجملة الشعرية لدى الشاعر يبنيها وفق الرمز البسيط الغير ملغوم بالغموض والأدراكات المنفلتة من بؤرتها النصية يكون صداها الصوتي داخل مسالك اللغة العميقة التي تعطي الأيحاء المشع الذي يجد صداه عند القارئ الذي يعطي الى الرمز زمن كامل ببناء التصوري الصوري للجملة الشعرية ...
قلوب تؤرشف تاريخي
وشفاه تنبسه همسا،
مابين الزفرة والزفرة، تعيدُ رسم ملامح أحرف اسمي،
أنامل.. تتحسس صوري المخبأة
تمسحُ دمعا يسيل على وجناتٍ تَوقى
يَصبغ ألواني
ورمادي تسكنه الروح .
ونجد هنا صدى ما قبل هذه الجمل الشعرية فهو يستمر بما يعيش من حياة المعنى المتكونة لدية نتيجة الوعي المعرفي بان الحياة ببساطتها الإنسانية أفضل بكثير من حالات الأوسمة التي لا يكسبها إلا من لدية القدرة على الزيف والخداع فهذه مجرد معادن لا تقي البرد , مع أنه خارج هذه كلها يعيش حياة دافئة وقيمة المعنى داخله كبيرة فهو يمتلك قلوب تؤرشف تاريخه أي أنه هو الباقي في الحياة وكل الأوسمة زائلة مع الزمن لأن الحياة تحتم علينا أن نعيش البساطة النقية الصادقة البعيدة عن كل المراهنات التي توقعنا في شباك الخداع والكذب ببريق أشيائها , الشاعر يجعل من جملته الشعرية بنيوية مفتوحة قابلة لتأويل الكتابي وفق بلاغة اللغة المكثفة لعنصر الصورة الشعرية ضمن نطاق التركيب البؤري المتماسك بتحريض المتلقي على إثارة خياله , أي أنه يكون الجملة الشعرية التي يريد من المتلقي أن يوسع أفق التخيل لكي يصدمه تكثيف الفكرة المكونة لمكنون الرمز الكثيف الذي يخلق المجاز في النص الشعري الحديث لأن أهم شيء في النص الحديث هو كيفية خلق الدلالات التي تعطي الى الرموز كعنصر أساس في تكوين الجملة الشعرية في تركيب الصورة الذهنية ذات الأبعاد الصوتيه في النص الحديث كما أن النص لدية تتدرج في سياقات النص أي يؤكد المعنى من خلال استمرار جملة المعنى .
*الخلّب هو الكاذب .. كأن نقول برق خلب وهو غير الماطر .. أورصاص خلبي أي بلا مقذوف صوت فقط .
*وبوّا .. البو .. حين يموت ابن البقرة يسلخون جلده ويصنعون منه هيكلا كاذبا ليقنعوا البقرة أن ابنها مازال حيا
لتدر الحليب .. ومن الأمثال العربية المعروفة يقولون فلان أخدعَ من بو ..ولا أشد من خداع الأم بمعرفة ابنها ..