البرد شديد ، حلة بيضاء من الثلج ، الكل منزو أو منطو على نفسه .. الحافلة تسير ببطء ، صمت يخيم لا أدري مصدره .
جلست كعادتي في المؤخرة ، سرحت بفكري بعيدا ، ورحت أنسج شبابيك من اعادة تركيب مامضى أو تصور ما يأتي ..
توقفت الحافلة ، ركبت عجوز و معها فتاة دقت سن العشرين أو تكاد ، ولكن أحبولة فتنتها لا يسلم منها أحد .
تحرك أغلب الراكبين في كراسيهم ، كل يحاول أن يترك مكانه للعجوز ومرافقتها الفاتنة ، لا لكبر العجوز وحالها و لكن لجمال الفتاة و سحرها ، نبضات القلوب تصاعدت و حركة الدم ازدادت ..
لم تكن الفتاة تجهل ما في سرائر هؤلاء ، من حركاتها كانت توحي لمن ينظر أنها بارعة في استدراج من شاءت .. نظرات خاصة ، حركات من اليد مرة على الصدر ، وأخرى على السروال ، ابتسامات توقفها في المنتصف ...
القابض في كل مرة يحاول ممازحة العجوز و عيناه تسترقان النظر الى الفتاة ، أعين الركاب تحاصر الفتنة ، حتى السائق من خلال المرآة يحاول أخذ نصيبه .. لم يبق الا رجل ملتح قيده الخجل و الخوف أن يلاحظه الآخرون .. و لكنه بمجرد أن توقفت الحافلة لينزل خطف نظرة متلهف نحو الفتاة و غادر . أما أنا فكنت أذوب أكثر في لهيب ذاك الجمال الخارق ، و أخاطب السائق في صمت : أرحنا وأرح نفسك فقد ذبنا و نكاد نحترق رغم هذا الصباح البارد .. اسرع والا كنا ضحايا حادث لم يقع .
التوقيع
تـذكّـــــري مَـن لم تُحِـــــبِّيـه = والقلبُ أنتِ دائِــمًا فــيـهِ
ديْن عليكِ سوف يبقَى عالقًا = وليس مِن شيءٍ سيُلغيهِ
العربي حاج صحراوي .