كانت نائمة في كهوف النسيان...في ظلمات اليأس و الحرمان تتلاطم بين صخور و أمواج تتساءل عن جدوى وجودها و معناه...تبحث عن قشة نجاة أو صخرة تحتمي بها من الحيتان إلى أن هبت عاصفة هوجاء. هاج البحر و عربد و ماج فظنت أنها ستفارق الحياة...و إذا بموجة عاتية رمت بها في حضن أحد الرجال...فكان البعث إلى ما فوق الحياة جعلها تحلق في سماء العشق و الهيام...خرجت من جسدها الذي نهشته الأمراض و صارت روحا تطير في انطلاق...تسير بين ربوة و وادي...ترفرف بلا قيود إلى ما وراء المدى...سمعت من الأنغام أحلاها و من كلمات العشق أعذبها فأسكرها صوته الدافئ الجذاب و رقصت جذلا على نغماته...نسيت كل الآلام و الأحزان و لم تعد تعبأ بالأوجاع...فقلبها بلور شفاف و حبها خالص كالماس. لم تضع حدا للعطاء و جادت بمشاعرها بسخاء...أدهشت من حولها و أغرقته هو في سيل جارف من الإحساس. كانت تعترضها حواجز و جبال و أوصدت في وجهها منافذ و أبواب و تصدت لها جيوش من الحراس و لكنها لم تعقها و كانت تجتازها كالسحاب أو ملاك من ملائكة الرحمن
جعلته نبض قلبها و نور عينها...آمنت أنه سر وجودها و مماتها...نذرت روحها لروحه قربانا...نسيت جسدها و ما يحيط بها...همها راحته و إسعاده. صغرت نفسها لنقطة لا ترى ليس ضعفا و لا ذلا بل حتى تتنقل في أرق شريان له دون أن يشعر بالأذى...وفجأة أسكتها البكاء.فأدركت من حديثها أمرين ... الأول...أنه ما من بشر يتحمل هذا السيل الجارف من الإحساس و أن حب كهذا مميتا كما الطوفان. الثاني...الحبيب الذي ينعم بحب كهذا ينسى أن يعطي -و لو القليل – حتى يسعد من أحبته حبا طاهرا صادقا و يحافظ عليها.
مسحت محدثتي دموعها التي انحدرت كساقية على عنقها و حدثتني عن البعث الثاني. البعث إلى صميم الحياة هذه المرة...حيث أدركت أن الصدق عبأ و أن الحب لعنة...عرفت أن العطاء شرا و أن الصبر رذيلة اكتشفت أن الصفح معصية و أن المراعاة عيبا و أخيرا استوعبت أن فاقد هذه "العيوب "وحده يسعد و ينعم بالحب. أما أنا فبقيت تائهة في بحر من التفكير...هل من الممكن أن تصل عاشقة إلى هذا الحد من اليأس و البؤس و التعاسة؟؟؟؟